«النظام القطرى وإعلام الجزيرة يخدم 5 نونات.. «نون طالبان، نون إيران، نون إردوغان، نون الإخوان، ونون حزب الشيطان» إذ إن منهج تنظيم الإخوان يتحمل مسؤولية الدماء والحروب الأهلية فى الدول العربية»..
هذا ليس بكلامى.. إنه كلام الشيخ التائب.
عندما كان الأمير القطرى، حمد بن خليفة، فى زيارة للولايات المتحدة الأمريكية وقت هجوم 11 سبتمبر واتهام أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة بتنفيذه، فى الوقت نفسه كان الداعية السعودى «الشيخ التائب» موقوفاً فى السعودية، وكالعادة استغل القطريون ذلك وطلبوا من قناتهم تأجيل ظهور دكتور يوسف القرضاوى فى حلقة برنامج “الشريعة والحياة” طالبين من الشيخ التائب تقديمها بدلا منه، وهنا يقول الشيخ التائب: «فوجئت بأمير قطر يتصل بى وكان فى زيارة للولايات المتحدة، وقال لى ننتظر منك الكثير فى تلك الحلقة، وكانوا يتوقعون أن أستغل الحلقة لمهاجمة سياسة السعودية والزعم بأنها ترعى الإرهاب، لكنى تحدثت بكل صدق وحقيقة وهو ما أثار غضبهم».
الشيخ التائب هو الداعية السعودى عائض القرنى الذى اعتذر خلال استضافته «رمضان الماضى» فى برنامج «الليوان» على فضائية «روتانا خليجية»، عن الأفكار المتشددة التى روّجها لسنوات هو و«دعاة الصحوة»، وهو الآن كما يقول: «مع الإسلام المعتدل الوسطى المنفتح على العالم والذى نادى به ولى العهد محمد بن سلمان، وانتقلت فكريا من مرحلة التعسير إلى التيسير ومن التقليد إلى التجديد».
لست مصدقاً لمثل هذه «التوبات»، فهذا الفكر لن يخرج من الرأس إلا بقطعها، فقد صدقهم المجتمع المصرى وكانوا يستخدمون معنا فقه «التقية» ولمصر تاريخ طويل مع محاولات دمجهم فى المجتمع وتصديق توبتهم ولكنهم كانوا يكذّبون، وآخر تلك الرؤوس التى ذرفت دموع التماسيح أبوإسحاق الحوينى صاحب المنهج التكفيرى وإقامته فى قطر التى جعلته على تواصل دائم مع كل شيوخ الفتن المحرضين على الدولة المصرية، ودروسه التى تنقلها قناة “الجزيرة” أكبر شاهد على انحرافه، ومواقع التواصل شاهدة على انحراف ولديه اللذين لا يكفان عن الهمز واللمز عن الدولة المصرية ومسئوليها.
هؤلاء الدعاة ليسوا حتى خريجى أى من كليات الشرعية فى الأزهر الشريف أو غيرها، وحياتهم العلمية تقتصر على بعض القراءات والدراسات الخاصة التى عمدوا إليها، وهو ما جعلهم يفتقرون إلى الوسائل الصحيحة التى تؤهلهم لإيصال الخطاب الدينى الوسطى والصحيح للناس، وهو ما اعترف به الحوينى منذ أيام فى فيديو التوبة حيث قال: «لم نكن نعلم بتدرج الأحكام وكنا نعتقد أن كل سنة نعرفها عن النبى- صلى الله عليه وسلم- نعتقد أنها واجب».
توبة هؤلاء ليس لها منفعة بعد الدم والإرهاب والتخريب وتدمير الأوطان الذى قاموا به سوى أنهم يكشفون مموليهم ومن دبّر وخطط لهم، مثلما كشف «القرنى» عن تفاصيل ومحاولات قطر لما وصفه بـ«استمالته» ناحيتها، وأن علاقته مع قطر انقطعت بعدما اكتشف المؤامرات التى تحاك ضد السعودية.
ونعود لعائض القرنى وحواره عبر قناة «روتانا خليجية» التى ظهر على شاشتها بعد فترة غياب إعلامى ما أثار الكثير من الأقاويل والجدل حوله.
وأعلن القرنى كذلك فى هذا الحوار اعتذاره للمجتمع السعودى عن أخطائه فى الماضى، فيما يخص «خطاب الصحوة» المتشدد.
ووصف القرنى قناة الجزيرة بـ«مسيلمة الكذاب»، قائلا إن القائمين عليها فى الدوحة يعرفون جيداً أننا نعرف بأنها تكذب، وأنه لا مجال للمساحات الرمادية فى التعامل مع الجهات التى تستهدف السعودية، مكملا: »القيادة مستهدفة والشعب مستهدف، هناك ثلاثة خطوط حمراء: الإسلام المعتدل والوطن والقيادة المبايعة شرعا.. مبيتين لنا النية ومستهدفين بلدنا مع الإخوان وأردوغان وإيران».
الحوينى من أخطر السلفيين الذين حرّضوا على الإرهاب والتكفير واحتقار المرأة وتأجيج العنف ضد المسيحيين، والتحريض على قتلهم، وكان أداة أساسية فى نشر الفكر الوهابى والظلامى وترويجه فى المجتمع. لقد اعتذر الحوينى بعد اعتذار عائض القرنى، باسم صحوة المجتمع، وقبلهما كان اعتذار محمد حسان عن الأخطاء التى خالفت الكتاب والسنة وخالفت سماحة الإسلام، هو اعتذار سياسى تماماً، وليس اعتذاراً خالصاً نقياً، فهم لم يتراجعوا عن الأسس التى بنيت عليها فلسفة التطرف والأفكار الجهادية، والتى غرسوها فى أجيال كاملة كانوا السبب فى تدمير عقولهم ومازالوا مستمرين فى حمل لواء التطرف الذى غرسوه فيهم، فمن يعيد لنا أرواح الملايين من الضحايا والآلاف الذين صدّقوا وساروا خلف فتاوى هؤلاء، ومن يعوّض لنا مدى التأثير المعنوى الذى شوّهه هؤلاء؟
ومن يعيد لنا اقتصادنا الذى تم تدميره بسبب تغيير الأولويات لمحاربة هذا الفكر بدلاً من ضخ الأموال فى البحث العلمى والبنية التحتية؟
بصراحة لا أرى ما جرى من هؤلاء المشايخ التائبون سوى أنه ذرف لدموع التماسيح وابتزاز المجتمع عاطفياً بل وتلون سياسى رخيص وتجارة بالدين ارتبطت بمدى قدرة الممول على “الدفع” أو مدى مكاسبهم الشخصية مدفوعة الأجر، والتى جرى توظيفها بدقة فى خدمة أهداف هذا الممول.
ينبغى على الناس أن تعلم أن هناك فرقاً بين المراجعات والمراوغات، فالمراجعات تكون لأهل العلم الحقيقيين، بحيث إذا اتضح لهم فى فتوى أو أمر اجتهادى خطأ وتبين لهم الصواب، فهؤلاء يرجعون إلى الحق ولو على أنفسهم، وهذا عُرف لدى الأئمة الكبار فى الأزهر الشريف وغيره.
أما المراوغات فهى حيل لحظوظ الدنيا يمارسها دخلاء متطفلون على موائد العلوم الإسلامية، فمن يوصفون إعلامياً بالمنشقين عن جماعة الإخوان، حقيقة الأمر أنهم انشقوا ليس من باب المراجعات إنما من باب المراوغات وكذلك الحال للمنشقين من الجماعة الإسلامية والسلفيين.
وهنا أستشهد بكلام الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية، الذى قال: هناك مجموعة من أتباع السلفية، الذين أعلنوا خلال الأيام الماضية توبتهم عن بعض الأحكام التى أفتوا بها، وجاء هذا بعد اختلافهم مع قياداتهم فى بلاد منشأ مذهبهم الذى يعتمدون عليه، فانقلبوا من النقيض إلى النقيض، وتراجعوا حفاظاً على مكتسبات تأتيهم دعماً لهم، ومسايرة للتغييرات الكبيرة التى حدثت فى الدول التى يأتى منها تمويلاتهم، موجهًا سؤالا للحوينى قائلا: أين اعتذارك للعلّامة الدكتور على جمعة؟.. حينما صرحت إبان حكم جماعة الإخوان بأن على جمعة «ولد ميتا» وكذلك ابنك حاتم الحوينى الذى تعدى أكثر من مرة على دار الإفتاء واتهمها بالجهل نظرًا لاختلافه معها فى بعض الفتاوى التى أصدرتها الدار مؤخرًا، وأنا أقول إن هذا الوضع الذى عليه هؤلاء ينطبق عليهم قول «انقلب السحر على الساحر».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة