حالة من الشد والجذب، تبدو واضحة في التصريحات المتبادلة بين موسكو وأنقرة، على خلفية رغبات الديكتاتور التركى رجب طيب أردوغان في شن عدوان جديد على منطقة إدلب، ضد قوات الجيش السورى، المدعوم من روسيا، وهو ما يمثل تكرارا للمأساة التي شهدتها منطقة شمال سوريا، والتي استهدفتها أنقرة قبل شهور، تحت ذريعة دحض الأكراد، الذين تضعهم الحكومة التركية في قائمة التنظيمات الإرهابية لديها، بينما يبقى الهدف الرئيسى وراء التحرك التركى المشبوه هو إحياء الميليشيات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، ليكون بمثابة ذراعا تركيا في سوريا، يمكنه تحقيق الطموحات التى تراود أردوغان.
وبين إدلب وشمال سوريا، نجد العديد من التشابهات، سواء من حيث أهداف تركيا الداعمة للإرهاب، أو حتى طبيعة المواقف الدولية، لتصبح أنقرة وحيدة دون دعم، وهو الأمر الذى تدركه موسكو جيدا، وبالتالي فإن المستجدات التي تشهدها إدلب تبقى تحت السيطرة السورية - الروسية، خاصة وأن الديكتاتور التركى، يعلم تماما، أنه لا يمكنه تكرار خطيئته الأولى، قبل عدة سنوات، عندما أسقط طائرة روسية على الحدود التركية السورية قبل عدة سنوات، مما يضعه تحت وطأة انتقام "القيصر" فلاديمير بوتين.
وهنا تبقى التهديدات التركية لا تخرج عن كونها مجرد "هراء"، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، في الوقت الذى تمثل فيه التحذيرات الروسية مجرد تصريحات استهلاكية، تحمل أهدافا أكبر من مجرد الرد على "القزم" التركى، الذى أثبتت الوقائع في السنوات الأخيرة أنه لا يحمل قيمة تذكر بدون حلفائه الغربيين.
الاستراتيجية الروسية مع أنقرة تقوم على إطالة أمد المعركة الكلامية، وذلك بالرغم من قدرة موسكو على إنهاء الأمر فورا، بمجرد استدعاء أردوغان من جديد في سوتشى، لإلزامه بعدم الحديث مجددا عن إدلب، كما سبق وأن فعل من قبل عندما أرغمه على تجريد الميليشيات المسلحة المتواجدة بنفس المدينة من أسلحتهم في اتفاق 2018، وكذلك عندما أجبره على التراجع من منطقة الشمال السورى ليقتصر دور القوات التركية على حماية المنطقة الحدودية، بينما تتولى الشرطة العسكرية الروسية تأمين المنطقة برمتها، قبل عدة أشهر.
ولعل الهدف الرئيسى وراء سياسة "الصبر الاستراتيجي" التي يتبناها بوتين، في التعامل مع القزم التركى، هو زيادة حالة التفكك في المعسكر الغربى، وخاصة حلف الناتو، وهو الأمر الذى يتحقق تدريجيا، في السنوات الماضية، مع زيادة النفوذ الروسى فى الشرق الأوسط عبر البوابة السورية، حيث كانت أنقرة بمثابة المسمار الذى طالما استخدمته روسيا، لإثارة الانقسام داخل أروقة التحالف التاريخى للغرب، منذ انغماس أردوغان في مفاوضات أستانا، على حساب منصة الغرب التقليدية في جنيف.
الهدف الروسى من إطالة حرب التصريحات مع أردوغان ونظامه، والذى يدور حول زيادة تعميق الفجوة بين دول المعسكر الغربى، تحقق مجددا في أزمة إدلب، عندما أعلن الناتو رسميا تخليه عن الحليف التركى، عندما أكد رفضه الكامل لمساندة القوات التركية في إدلب، في الوقت الذى يعانى فيه التحالف من العديد من الانقسامات، وأبرزها الموقف الحالي من روسيا نفسها، حيث أصبح الغرب منقسما تجاهها بين مؤيد للحوار معها، كما هو الحال بالنسبة لموقف أوروبا الغربية، من جانب، والولايات المتحدة التي لا تبدو سعيدة بالتقارب بين أوروبا وموسكو من جانب آخر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة