حالة من الارتباك، يشهدها المجتمع الدولى في المرحلة الراهنة، حول مفهوم حقوق الإنسان، في ظل تشابك المعايير، بين الإطار التقليدي، الذى طالما ربط بين الجانب الحقوقى، والسياسة، وإطار جديد بزغ مؤخرا، ربما أعاد الاعتبار إلى حد كبير للمفاهيم الحقوقية، عن طريق ما يسمى بالدبلوماسية الإغاثية، والتي ظهرت بجلاء عبر التدخل من قبل بعض القوى الدولية، على خط الأزمات الجمعية التي شهدها المجتمع الدولى، لتضفى بعدا بدا غائبا لعقود طويلة من الزمن، عن السياسة الدولية.
ولعل غياب الإطار الإنسانى عن المفاهيم الحقوقية قد تجلى بوضوح، في العديد من الجوانب، سواء سياسيا، عبر اقتصار "حقوق الإنسان"، على النشطاء السياسيين، والذين طالما استخدمتهم القوى الدولية المهيمنة على النظام الدولى، كـ"عصا" سياسية من شأنها تحريك الفوضى داخل المجتمعات "المارقة"، على غرار ما شهدته دول الشرق الأوسط، إبان ما يسمى بـ"الربيع العربى"، مما أدى في حقيقة الأمر إلى مآسى إنسانية جراء حالة عدم الاستقرار التي شهدتها تلك المجتمعات إبان تلك الحقبة، بالإضافة إلى تنامى ظاهرة الإرهاب والتطرف.
بينما امتدت حالة "اللا إنسانية" إلى الاقتصاد الدولى، من خلال سياسات اقتصادية، اتسمت بقدر من الوحشية، وساهمت في اتساع الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة، وهو ما تجلى في حالة اللغط التي هيمنت على العالم، مع ظهور بوادر أزمة التغيرات المناخية، عندما أصرت دول العالم المتقدم على تحميل المجتمعات النامية "آثام" سياساتها النفعية، والتي قامت في الأساس على تحقيق طفرات اقتصادية مقابل إفقار محيطها الدولى، من خلال استغلال مواردها.
وهنا أصبح النظام الدولى، الذى اعتمد المصطلحات الحقوقية باعتبارها "آلية" دولية ينبغي اتباعها بنفس المعايير في مختلف دول العالم، باختلاف ظروفها، خاليا من المعيار الإنسانى، لتعجز معه القوى الدولية الحاكمة في المجتمع العالمى عن احتواء الأزمات الكبرى، وهو ما حدث إبان حقبة "كورونا"، والتي ساهمت في كشف خواء النظام الدولى، في ظل الفشل الذريع في حماية الأمن الجماعى العالمى، في الوقت الذى قدمت فيه قوى أخرى، كالصين، في تقديم نفسها كقوى قادرة على القيام بدور أكبر على المستوى الدولى، من خلال تقديم المساعدات إلى الدول المنكوبة.
الارتباك الدولى حول المفاهيم الحقوقية يبدو واضحا في التضارب بين مواقف القوى الدولية الكبرى، تجاه معايير حقوق الإنسان، ففي الوقت الذى تحاول فيه بعض القوى العودة إلى الوراء، عبر إحياء دور "النشطاء"، تظهر دول أخرى صاعدة لإضفاء بعدا جديدا عبر الدبلوماسية الإنسانية، والتي من شأنها استقطاب الشعوب، قبل تحقيق التقارب الرسمي مع الحكومات، مما ساهم في زيادة شعبية الدور الذى تقوم بها، وبالتالي اتساع نطاق نفوذها.
في الواقع أن القوى الدولية الكبرى في حاجة ملحة لإعادة صياغة مفاهيمها المرتبطة بحقوق الإنسان، في ظل المستجدات الراهنة، والأزمات المتواترة، والتي باتت تمثل تهديدا صريحا للأمن العالمى، وهو ما يتطلب منها القيام بدور ملموس في تقديم الحماية للعالم بأسره، وليس فقط في الداخل، وذلك إذا ما أرادت الاحتفاظ بمكانتها الدولية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة