محمد ثروت

جذور الفكر الديني المقارن عند هدى درويش

الإثنين، 21 ديسمبر 2020 07:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تواصل المرأة المصرية عطاءها في ساحة العلم والمعرفة، لتقتحم علومًا صعبة كانت حكرًا على الرجال فقط، بسبب طبيعة تلك العلوم الإنسانية وما تتطلبه من صبر ووقت وجهد في البحث والتنقيب والقراءة والتحقيق والتحليل للمخطوطات والوثائق والمصادر القديمة، بالإضافة إلى ضرورة الإلمام بعدد من اللغات والعلوم الأخرى المتداخلة، قبل الخوض في دراسات الأديان المقارنة.

ومن بين الرائدات في مجال دراسات الأديان المقارنة في العالم العربي، الدكتورة هدى درويش أستاذ ورئيس قسم الأديان المقارنة بجامعة الزقازيق وعميد المعهد الآسيوي سابقا، والتي قدمت للمكتبة العربية مؤلفات متخصصة في الفكر الديني للمقارن، لا غنى للباحثين في دراسات الأديان وخصوصًا الديانات القديمة عنها، لما تميزت به تلك المؤلفات من منهج علمي رصين، وإضافات جديدة لما كتب في هذا المجال من مدارس فكرية مختلفة سواء كانت استشراقية غربية أو إسلامية. 

فالمتأمل لكتب ومؤلفات هدى درويش ومن أبرزها: كتاب" الصلاة في الشرائع القديمة: اليهودية، المسيحية، الإسلام-دراسة مقارنة"، الصادر عام 2006، يجد أنها حاولت إثبات اجتماع الأديان التوحيدية وغير التوحيدية على مبدأ الصلاة، كمشترك إنساني ووسيلة للتقرب من المعبود، وأن الديانات المصرية القديمة سبقت الديانات في الهند، قبل سنة 4500 ق.م.   

 وهي تدرس أوجه الشبه والاختلاف بين الصلوات بين الديانات التوحيدية الثلاث، فالركوع على سبيل المثال، ركن أساس في الصلاة عند المسلمين، لكنه ليس شرطًا في الصلاة اليهودية والمسيحية.  بينما الجلوس مشترك بين الديانات الكتابية الثلاث.

وفى كتاب "نبي الله إدريس: بين المصرية القديمة واليهودية والإسلام"، الصادر عام 2009، تفند وتحلل الروايات والقصص المعروفة بالإسرائيليات في التفاسير الإسلامية، وأدلة جواز الأخذ منها عند بعض علماء المسلمين، ومنهم ابن كثير.  الجدل حول اسم إدريس أو "أخنوخ" في العهد القديم، كما ورد في سفر يشوع ابن سيراخ، والتصور اليهودي لشخصيته، وهو “هرمس" في الديانة المصرية القديمة". أما القرآن فذكره صراحة باسم" إدريس". "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا" (مريم :65).

قدمت الدكتورة هدى درويش في كتاب (الجذور الدينية للصراع السياسي في إسرائيل/ 2012)، رؤية لتوظيف الأيديولوجيا في الدين، ومحاولة استدعاء قيم الهوية الدينية الإسرائيلية، لخدمة أهداف توسعية. 

ورغم أن أغلبية الفقهاء يعتمدون على مرجعية إسلامية فقط في قضية زي المرأة، وغطاء الرأس أو الوجه، إلا أن الدكتورة هدى درويش في كتابه "حجاب المرأة بين الأديان والعلمانية" (2005)، تناولت قضية الحجاب وهو الاسم الأحدث نسبيا في الإسلام، وجذوره في ديانات مصر القديمة وبلاد الرافدين والفرس والرومان، وناقشت بكل موضوعية وحياد، تلك القضية التي لا تزال محور جدل بين التيارات الدينية وغير الدينية.

أولت هدى درويش اهتماما وعمقا للدراسات الصوفية، وجذورها العرفانية سواء في اليهودية أو المسيحية ثم الإسلام، وبينت دور التصوف في انتشار الإسلام في آسيا الوسطى وبلاد القوقاز، وهو دليل على أهمية البعد الروحي في الإسلام في آسيا.    

الأهم في دراسات الدكتورة هدى درويش أنها تعتمد على مراجع أصلية وليست وسيطة، مثل وثائق ومخطوطات البحر الميت ومتون هرمس المعروفة بـ "الهرمسيات"، وغيرها من المصادر والوثائق، مما يجعلها امتدادا لجيل عظيم من العلماء الراحلين أبرزهم الدكتور إبراهيم البحراوي والدكتور رشاد الشامي في الدراسات اليهودية، والدكتور الصفصافي أحمد الصفصافي في الدراسات التركية. ومن الجيل السابق عليهما مدرسة الشيخ مبشر الله الطرازي (1886-1977) ونجله الدكتور نصر الله مبشر الطرازي، وغيرهم من أعلام الدراسات الشرقية. وتلك في رأيي إضافة ومناطحة وريادة لعلوم تصدر فيها الرجال، رغم أهمية الباحثات والمحققات والمترجمات في الدراسات الشرقية وعلم مقارنة الأديان.   










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة