- رسائل المنكوبين:"فى بلدنا الحلم ممنوع..دور الدولة غائب..محتاجين بيوتنا تترمم..عاوزين حق الشهداء"
ـ الخسائر بالأرقام
-100ألف طفل تأثروا بشكل مباشر(وفق اليونيسف)
-7000مصاب و202متوفى،(وزارة الصحة اللبنانية)
-12 ألفا من ذوى الاحتياجات الخاصة،و150 ألف امرأة لحقت بهن أضرار(صندوق الأمم المتحدة للسكان)
-300ألف شخص بلا مأوى و200.000وحدة سكنية تضررت بشكل مباشر (الأمم المتحدة ومحافظة بيروت)
ـ 8مليارات دولار تقريباً حجم خسائر بيروت(تقديرات البنك الدولى)
«يا بيروت يا ست الدنيا يا بيروت..قومى من تحت الردم كزهرة لوز فى نيسان..قومى من حزنك..إن الثورة تولد من رحم الأحزان»..بهذه الأبيات الخالدة من قصيدة الشاعر الكبير نزار قبانى،والتى تلخص ما فى بيروت من قوة وغصة رسمت ملامح شعب على مدار30عاما، تغنت ماجدة الرومى لباريس الشرق،تلك المدينة العريقة التى ذكرت فى رسائل تل العمارنة بالقرن الخامس عشر قبل الميلاد. ربما لم يدر بخلد«الرومى»أن حناجر اللبنانيين ستصرخ ذات يوم وتردد الأبيات ذاتها،مناجيةً بيروت أن تنهض من«تحت الردم»حرفيًا.
«ست الدنيا»تحولت مع دقات الساعة السادسة و7دقائق فى الرابع من أغسطس إلى مدينة يسكنها الدمار،أشلاء متناثرة ودماء امتزجت بالركام،فأضحت«بيروت المنكوبة»،ليبدأ اللبنانيون رحلة جديدة من البحث عن حقوق الضحايا،وعن وطن يمنحهم الأمان وكرامة العيش،بعيدا عن دهاليز السياسة.
فى لبنان الأزمات تنجب أزمات،فقد شهد هذا البلد،المتفرد بموقعه الجغرافى،نماذج طائفيّة وسياسيّة عدة منذ استقلاله حتى اليوم،ورغم توقف الحرب الأهلية،إلا أن حربا من نوع آخر بدأت،قوامها«المحاصصة»،ويتحكم طرفاها الأساسيان فى مفاصل الدولة،ما زاد الملف اللبنانى تعقيدا،إلى أن وصل قطار المشهد السياسى إلى محطة ثورة17تشرين الأول2019.
على وقع المشاهد المتداولة لتلك الأزمات،قررنا أن نرصد الواقع اللبنانى عن قرب،ونعايش معاناة شعب،من فرط صراعه مع أسباب الموت فى بلد يمثل ملتقى الصراعات الإقليمية والأطماع الدولية،قرر اغتصاب«الحياة»،بينما يُقصف بالإهمال والفساد من سياسييه.
وفى رحلة استغرقت أشهر تنقلنا خلالها بين محافظات لبنان الثمانية،بداية من الشمال مرورا ببيروت،وصولا إلى الجنوب،رصدنا فى سلسلة تحقيقات ـ هذا واحد منها ـ بالصوت والصورة مآسى بلد أضحى«أرض الألم»،ونقلنا قصصا إنسانية ليست فقط لضحايا الانفجار،لكن لضحايا الواقع المتأزم،فوثقنا شهادات الناجين من«قوارب الموت»،وسلطنا الضوء على العالم السرى لمافيا الهجرة غير الشرعية،ومعابر التهريب،كما عايشنا معاناة المرضى وواقع المستشفيات،خاصة فى ظل تفشى جائحة«كورونا».
وكانت شكاوى المواطنين نقطة انطلاقنا لمناقشة الوضع الاقتصادى وأزمة الكهرباء المزمنة، بما فى باطنها من أسرار"مافيا المازوت"وصفقات شركات توليد الكهرباء،كما نقلنا واقع اللاجئين بالمخيمات،ومخيم عين الحلوة«المخيم الأخطر»بالجنوب،وطرحنا ما تمثله أزمة اللاجئين من عبء على الدولة.
فى لبنان،«الحرب السياسية»الخارجية والداخلية مستعرة،تدور رحاها معتصرة اللبنانيين،لا تسعفنى الكلمات للتعبير عما عايشته من آلام شعب يصر على الحياة متحديا آلامه،ربما نعجز عن نقل مجمل تفاصيل هذا الواقع،لكنها محاولة لكشف جوانب منه..نركز فى هذا التحقيق على الألم الأعمق"انفجار المرفأ وما خلفه من مآسى"..
للوهلة الأولى لدخولك بلدة قرطبا بمحافظة جبل لبنان،تجذب انتباهك صور لثلاثة شباب، محاطة بأكاليل الورود البيضاء تزين كل شبر بالبلدة،إنهم«نجيب حتى،وشاربل حتى،وشاربل كرم»،ينتمون لعائلة واحدة،إنهم أبطال فوج إطفاء بيروت ضمن الـ10إطفائيين الذين تقدموا باقة ضحايا كارثة مرفأ بيروت،أثناء محاولتهم إخماد نيران الانفجار الذى وقع فى الرابع من أغسطس ناجما عن550طنا من نيترات الأمونيوم،وهز العالم بأسره،مخلفا وراءه نحو7000مصاب و200متوفى،و9مفقودين و300ألف شخص بلا مأوى، وفق تقديرات وزارة الصحة اللبنانية ومكتب الأمم المتحدة بلبنان.
كيف تبدو بيروت بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الفاجعة؟
ما زالت المدينة تحاول لملمة ما خلفه الانفجار من أزمات أثقلت كاهل اللبنانيين،معتمدة على سواعد شبابها،فى ظل غياب دور واضح للدولة،وخفوت نبرة الدعم الدولى لإعادة الإعمار،على خلفية عدم وضوح الرؤية الإصلاحية بالدولة.
فى الوقت نفسه،لم تكشف التحقيقات حتى الآن المتورطين فى جريمة المرفأ،ورغم اختلاف التكهنات،لكن ما يتفق عليه الشارع اللبنانى هو أن الطبقة السياسية هى المتهم الأول فيما وصل إليه لبنان اليوم،سنتناول هذا بشىء من التفصيل فى هذا التحقيق.
شيكولاتة العرسان!
«تفضلى..شيكولاتة العرسان»،هكذا بادرتنى بريتا،والدة الإطفائى نجيب حتى،بصوت خافت،وسط زغاريد ممزوجة بالدموع والحسرة صدحت فى أركان منازل عائلات الشباب الثلاثة،والتى أقامت احتفالا بالشهداء زينته الورود وقطع الشيكولاتة المغلفة بالستان الأبيض-علامة الفرح- بعد العثور على أشلاء أبنائهم فى نهاية12يوما من البحث.
بشق الأنفس تستكمل الأم الثكلى حديثها حاملة صورة ابنها على صدرها،بينما يداها ترتجفان، قائلة:«ابنى شهيد الفساد،راح عشان يطفى الحريق مع زمايله وما نبهوهم إن فيه متفجرات، فقدنا ثلاثة شباب فى عمر الزهور..ابنى كان نفسه يتزوج ويكون عائلة،لكن فى بلدنا الحلم ممنوع»!
شهداء فوج إطفاء بيروت نجيب حتى وشاربل وكرم
وعن يوم الحادث تقول:«ابنى كلمنى قبل الانفجار بساعة،قال لى وحشتينى يا أمى،وعندما سمعنا صوت الانفجار ركضنا على بيروت بس ما سمحوا لنا نفوت على المرفأ، ضل البحث عنهم أياما».
مراسلة الصحيفة مع أسر شهداء الإطفاء
تطالب الأم بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة،قائلة:«المجرمين لازم يتحاسبوا،الشعب بيحب الحياة بس يتركوه يعيش،ما رح نترك وطنّا ونهاجر»،أما والدة شاربل حتى،فكانت دموعها بديلا عن الكلمات.
من داخل منزل الشهداء
لافتات الصمود
ومن قرطبا توجهنا إلى بيروت«ست الدنيا»،المدينة الأكبر فى لبنان ومحركها الاقتصادى، نعتها الفنيقيون بـ«بيروت الأبيّة المجيدة»،وبينما أنت سائر فى شوارع المدينة العتيدة،تلاحظ لافتات زُينت بأبلغ عبارات المقاومة وحب الحياة رغم بواعث اليأس،منها«بيروت ماتت ألف مرة لتعود وتحيا ألف مرة»،«ما أهاجر لبلد تانى»،بينما تحولت جدران البنايات للوحات نقشت عليها عبارات تقطر ألما: «هذا ما فعلت دولتى بى»،«بشحت وطن»،«لا ثقة»!.
لافتات المقاومة والصمود فى شوارع بيروت
عبارات المقاومة لم تُكتب على اللافتات فقط، بل تجدها أيضا فى عيون الشباب،والناجين من الموت،وحتى المصابين،متحدين فى آلامهم النفسية والجسدية.
لافتة بقلبب ميدان الشهداء فى بيروت
من رحم الألم يولد الأمل
على ضوء الموبايل وأصوات الانفجارات،جاءت لحظة ميلاد الطفل جورج إدموند،فبينما ساد الدمار بيروت،صدحت صرخته الأولى بمستشفى سان جوارجيوس،وكانت بمثابة إعلان التمسك بالحياة،لتروى قصة من بين مئات القصص التى تؤكد«قوة إرادة الحياة بلبنان».
لا تغيب لحظات تلك الولادة الاستثنائية عن مقلة إدموند خنيثر،والد الطفل جورج،الذى روى لنا تفاصيل تلك اللحظات المرعبة التى عاشها،قائلاً:«بعد دقائق من دخول زوجتى غرفة العمليات،طلع الانفجار،كل شىء اتدمر بلحظة،أدوات الجراحة طارت بكل اتجاه،صرنا مذعورين،ركضت حد زوجتى لأزيح عنها الألومنيوم والزجاج اللى سقط فوقها،لكن الطاقم الطبى استمر فى عمله رغم الإصابات.
الطفل جورج إدموند
يضيف الأب:«كنت أراقب أنفاس زوجتى لأطمئن أنها ما زالت حية واستخدمنا ضوء الموبايل بدل الكهرباء..لن أنسى صرخات الأهالى وهم يبحثون عن أطفالهم فى المستشفى!»
يستكمل إدموند قائلا:«بعد الولادة مباشرة مشيت زوجتى مسافة كبيرة حتى وجدنا سيارة وصلتنا لمستشفى آخر»،يختتم الأب حديثه:«لما خلق(اتولد)ابنى وحضنته حسيت بشعور ما بقدر أوصفه،فرح وحزن وخوف بنفس الوقت».
قصص الضحايا لم تنته بعد،وما زال المصابون وذوو المتوفين يضمدون جراحهم دون مساعدة فاعلة من الجهات الرسمية،وفق شهادات الضحايا،ففى هذا التحقيق التقينا أكثر من 25أسرة متضررة و12طفلا لحق بهم أذى نفسى وجسدى،لكل منهم قصته ولكن الألم يجمعهم.
حكايات بين الركام
ليس بعيدا عن مكان المستشفى الذى ولد فيه جورج،يقع شارع مارمخايل،والذى تحول من مكان مفعم بحركة لا تهدأ نهارا وليلا،إلى ساحة للركض بكل اتجاه بحثا عن المفقودين تحت أكوام من الردم،وأضحى الوجوم قاسما مشتركا بين وجوه اللبنانيين،لا تخرقه إلا صرخات المتألمين من شظايا الزجاج التى اخترقت أجسادهم.
وسط هذا المشهد يجلس رجل ستينى إلى جوار دكان مهدم لم يبق منه سوى جدارين وبقايا أرفف خشبية،وعلى الأرض عبوات فارغة متناثرة،يبدو أنه كان دكانا بسيطا لبيع الحلوى والمشروبات المعلبة،الحزن يعلو تجاعيد وجهه،وآثار الجروح على ذراعيه،اقتربنا منه فروى قصته قائلا: «ما كان عندى إلا الدكان مصدر رزق أحفادى الأيتام،لا أعلم من أين آتى بالمال لكى أصلحه، فبالكاد كنت أؤمن قوت يومنا»!.
بناية مدمرة جراء الانفجار
انفجر عم إيلى رفيق بالبكاء،مستكملا روايته:«كنت فى البيت وقت الانفجار،وسقط الزجاج فى كل مكان،حسيت كأنها نهاية الكون،الحمد لله لساتنى عايش بس هاضل جنب دكانى،عندى أمل حد يساعدنى أو أضل لأموت هون».
«من قلبى سلام لبيروت»..
تلك اللافتة تجدها فى محيط المرفأ الأكبر بلبنان،وأنت واقف إلى جوارها تشاهد فى المواجهة الأحياء الأكثر تضررا جراء الانفجار وهى الكارنتينا،والرميل،والأشرفية،والجميزة بوسط بيروت التى لطالما عرفت بسهراتها الساحرة ومقاهيها ومحلاتها التجارية،فأضحت بناياتها ركاما.
أمام إحدى تلك البنايات،التقينا عصام عطا،شابا عشرينيا عثر عليه بعد18ساعة من البحث تحت الأنقاض،عاد إلى منزله المهدم بعد فترة علاج بالمستشفى،حيث أصيب فى ساقيه،ولم يعد قادرا على الحركة،يصف عصام مأساته:«سقط السقف علينا،فتحت عيونى بعدها لقيتنى بين الأنقاض،وصوت صديقى الذى كان ضمن فريق الإنقاذ ساعدنى على البقاء متشبثا بالحياة، حتى أخرجونى فاكتشفت أنى فقدت شقيقى عبده وصديقى شادى»،عصام أصبح أمله اليوم أن يرمم بيته لحمايته من برد الشتاء القارس.
صعدنا بناية أخرى آثار الدمار بكل أركانها،بالكاد وصلنا الطابق الثانى،فالسلم المتكسر،بالردميات التى تغطيه،جعل من الصعود رحلة شاقة،وعلى يسار السلم وجدنا كيسا بلاستيكيا محل باب الشقة،استأذنا بالدخول فوجدنا سيدة عجوزا،تجلس على كرسى خشبى فوق أرضية متكسرة متناثر فوقها بقايا أثاث،بينما السقف متهدم.
مصابة مازالت تتلقى العلاج تروى مأساتها باكية
تحرص مريم داوود،على الذهاب يوميا إلى منزلها رغم تحطمه،باحثة بين حطامه عما تبقى من رحيق ذكريات عائلتها التى فقدت اثنين منها،تروى مريم قصتها:«كنت واقفة على البلكون والانفجار زدنى جوه،وراسى انجرح،وبنتى وجوزها صاروا بينزفوا،حاولنا النزول للشارع لكن ماقدرناش من الردم،ضلينا حتى وصل زوجى لينقذنا لكن بنتى وزوجها كانوا ماتوا».
آثار الدمار بالمنزل
تستطرد مريم قائلة:«زوجى بيشتغل بوهيجى،ما معه مصارى ليرمم البيت،فيه جهات كتير خدت قياسات، لكن ما حد عمل لنا شىء،معارفنا استضافونا ببيتهم،وبنتأمل حد يساعدنا لنرمم بيتنا».
مراسلة اليوم السابع مع الخورية فيرا إحدى المصابات التى مازالت تتلقى العلاج
الخورية فيرا
أبواب ملطخة بالدماء
بين أبواب وحوائط لا تزال ملطخة بآثار الدماء،دخلنا شقة نعمان محمد المواجهة للمرفأ،لديه طفلان ويعمل بمحل جزارة،يصف نعمان ليلة الحادث:«سمعنا صوت فرقيع بعدها طلع انفجار رمانا على الأرض،أُصبت فى ساقى،تحاملت ونهضت فوق الزجاج لأنقل عائلتى للمستشفى،بالكاد نزلنا الشارع،فوجدنا منظرا مروعا والكل يركض مدمم،وبالكاد وجدنا مستشفى يقطبنا،ولساتنا بنتعالج».
منى مخملجى إحدى المصابات
فى الشقة نفسها حدثتنا منى المخملجى،زوجة نعمان،والحزن يرسم علاماته على وجهها بجانب علامات الجروح،بينما تنظر من النافذة بنظرات عتاب للمرفأ،قائلة:«لحظة الانفجار حضنت أولادى بعدها وقعت علينا الشبابيك فغبت عن الوعى،أصبت فى رجلى ودراعى ووجهى،وما زال وجهى يحمل شظايا زجاج يحاول الأطباء استخراجها،وأسرة صديق زوجى استضافتنا لأننا ما قادرين نصلح البيت».
وفى منطقة الأشرفية،بين الركام والزجاج نزل عم بشارة أسمر،65 سنة،بخطى ثقيلة،درجات سلم ملطخ بدماء لم تمُح بعد،ليصل بنا إلى منزله البسيط الذى أجبر على تركه بكل ما يحمل من ذكريات،فور دخولنا اتجهت نظرات عم بشارة،المملوءة بالحسرة،إلى صورة تجمعه بوالده معلقة فوق أحد الحوائط المتصدعة،فلم يستطع حبس دموعه وهو يقول: «حتى دى انكسرت،ما تركوا لنا شىء»،ثم أدخلنا إلى شرفة يبدو أنها كانت حديقة صغيرة زرعها بالورود منذ سنوات قبل أن تتحول ركاما.
عم بشارة ينظر إلى حطام منزله
بعد برهة من الصمت،تحدث بصوت بالكاد تسمعه، قائلا:«عشنا القهر والذل،كأن قنبلة هيروشيما سقطت علينا،أُصبت فى ضهرى ورجلى،فركضت حافيا، شبه عارٍ،بين جثث ملقاة على الطرقات بحثا عن مسعف».
يصف عم بشارة معاناته:«منزلى تحطم وصرت بلا مأوى،لكن لسّاتى عندى أمل بوجود الشباب اللى فتشوا عن كبار السن ليسعفوهم،وما فيه غيرهم بيساعدنا».
ترك الانفجار آثارا نفسية غائرة بداخل هؤلاء،وفق ما أكدت الدكتورة إيلين الحسينى، إخصائية الطب النفسى ببيروت، فازدادت نسبة الاكتئاب والاضطرابات النفسية بين البالغين.
ملحمة التضامن لإعادة الإعمار
لم يرتكن شباب لبنان وفتياته إلى الدعم الدولى،بل سارعوا ومعهم كبار السن أيضا لإعانة المنكوبين،فأمسكوا بالمكانس والأكياس البلاستيكة لحمل الأنقاض والزجاج،مسهمين فى إعادة الإعمار.
شباب وشابات لبنان يزيلون آثار الدمار ويعمرون بيروت
من بين هؤلاء إيريك سام ومونيكا دانى،طلاب بالجامعة،وجدناهما بمنطقة"الأشرفية"ممسكان بالمكانس ينظفان الطرقات،أكدا لنا:«نحن هنا من اليوم التالى للانفجار،وهنستمر لإعادة إعمار بيروت،كمان ساعدنا فى البحث عن منازل للمعاقين الذين فقدوا منازلهم،لأن الدولة ما بتساعدنا فلازم نحن نقف حد بعضنا».
إيريك ومونيكا ..يساهمان فى احتواء آثار الكارثة منذ وقوعها
والأطفال يشاركون فى تنظيف شوارع ست الدنيا
معدات إطفاء متهالكة!
كشفت كارثة المرفأ عن مشكلات مزمنة يعانى منها فوج الإطفاء،وربما تعرض حياة الإطفائيين للخطر.
بمجرد دخولنا مركز الإطفاء وجدنا عددا من سيارات الإطفاء متراصة بفنائه،لكنها من طرازات قديمة وتبدو متهالكة،وبسؤال العقيد الركن نبيل جنكرلى رئيس فوج إطفاء بيروت، عنها أجاب: «نعم، السيارات متهالكة،فبعض طرازاتها تعود إلى الأربعينيات وأخرى للستينيات،لقد دقينا ناقوس الخطر وناشدنا بلدية بيروت والداخلية بضرورة تغييرها لكن دون جدوى،وأتمنى الاستجابة قبل وقوع الكارثة».
سيارات الافاء متهالكة
يضيف«جنكرلى»:«نعانى أيضا نقصا بالأجهزة والمعدات الحديثة كتلك التى تساعد على كشف المواد الإشعاعية أو الكيمائية فى الحرائق»،وعن الانفجار قال:«حينما أُخطرنا باندلاع الحريق لم يتم تزويدنا بأى معلومات عن طبيعة المواد المشتعلة وحجم الحريق قبل التحرك لتأمين حياة الإطفائيين».
وعما ستقدمه الدولة لأسر الشهداء،يقول العقيد نبيل:«لقد تم تثبيت الشهداء بوظائفهم،كما صدرت لهم ترقيات استثنائية،وهناك مساع لصرف معاشات لذويهم».
عروس بيروت
سحر فايز،مسعفة بفريق الإطفاء انضمت لكوكبة عرسان قرطبا،وأقامت لها عائلتها حفل زفاف،لكنه للموت بدلا من عش الزوجية،تقول شقيقتها ماريا:«كانت تستعد لزفافها قريبا،لكن الموت كان أقرب»،وتستطرد: «نُقلت سحر للعمل بأحد المستشفيات لكنها طلبت العودة لفوج الإطفاء قبل أيام من الحادث،الألم جواتنا بيزيد كل يوم،أنا وأهالى الضحايا بنطالب أن دمهم ما يروح هدر،وما يتقفل الحادث بدون نتيجة مثل غيره».
وتضيف:«الدولة لم تقر حقوقا للشهداء أو معاشات،لكن منحتهم رتبا،وكنا نتمنى هذه الترقيات وهنى عايشين مش بعد ما ماتوا».
زهور لبنان.. ضحايا
كان لزهور لبنان الصغيرة نصيب من المأساة أيضا،اختلفت تفاصيل قصص من التقيناهم من الأطفال المصابين بالانفجار،لكنهم جميعا رفعوا شعار«ما بدنا نموت»،بعد حالة الفزع التى أصابتهم.
«التأثير على الأطفال سيتعمق جدا إذا لم يتلقوا دعما مناسبا»،هذا ما توقعته آن صوفى ديبدال بمنظمة سايف ذى تشيلدرن،مضيفةً أن كثيرين كانوا عرضة للتوتر نتيجة الأزمات المتلاحقة التى دفعت أكثر من نصف مليون طفل بلبنان إلى الكفاح من أجل الحياة أو إلى الجوع،إضافة إلى تداعيات الحجر المنزلى.
مصطفى نعمان،10سنوات،من بين الذين طالتهم شظايا الزجاج المتطاير،حيث أصيب فى رأسه وإحدى أذنيه،لم يملك مصطفى كثيرا من الكلمات ليرويه،لكن عيناه أفصحت عما يجول بداخله،وأبرز ما قاله:«لحظة الانفجار حسيت بخوف عمرى ما عشته،ولهلا بفزع من الأصوات العالية وما بقدر أنام».
الطفل مصطفى نعمان أحد المصابين فى الانفجار
التقطت شقيقته لمار،8سنوات،أطراف الحديث قائلة:«سمعت صوت رعد فاتخبيت بحضن أمى،وفجأة نزل دم من رجلى فصرت أصرخ،انجبرت أمشى على رجلى وهى بتنزف لنوصل المستشفى،وشفت ناس ميتة والدم حواليا فى الشوارع،ولسه بشوفهم بأحلامى،صرت أخاف من صوت الموتور»،اختتمت لمار حديثها برسالة لبيروت:«لسه بحبك يا بيروت».
الطفلة لمار مازال وجهها يحمل آثار الإصابة
بداخل بناية قديمة،بـ"الأشرفية"،تسكن الطفلة يارا السعيد،التى تخطو نحو عامها الرابع، وأصيبت بقطع غائر بوجهها،وجدناها تلهو ببقايا لعب متكسرة وسط منزلها الذى أضحى بدون أبواب،روت يارا بمفرداتها الخاصة ما شاهدته قائلة:«حديد الباب وقع عليا،ووشى نزِّل دم، اتخربت كل الدنيا،خفت ومسكت فى بابا بس إيده كمان انجرحت،الطيارة خدت خدى،وبخاف أنام بالليل».
مراسلة الصحيفة مع الطفلة يارا وأسرتها
استكمل وليد السعيد،والد يارا،القصة قائلا:«يوم الانفجار وقع على بنتى لوح زجاج،وبصعوبة لقيت دكتور ليقطبها(يخيطها)،وجهها اتشوه ومحتاجة عمليات كتير وفيه طبيب تبرع بعلاجها،بنتى ضحية صراع الأحزاب وفشل الحكومة،لكن الأمل فى شبابنا اللى نزل يساعدنا،وما فيه مسؤول نزل يطمن علينا».
الطفلة يارا
تقول والدة يارا:«بنتى صارت تترعب من صوت الشاحنة،وتصرخ الحقينى يا ماما طيارة،حتى وهى نايمة بتصحى مفزوعة،وكلنا صرنا نفزع»..قصة يارا تتشابه مع عشرات القصص لأطفال بيروت.
تؤكد المعالجة النفسية نيكول هانى أستاذة جامعية تابعة لـ«اليونيسف»:«إن الفاجعة شكلت صدمة نفسية كبيرة للأطفال،وستترك بصمة محفورة بداخلهم للأبد»،موضحةً أن هذه الاضطرابات النفسية تصاحبها أعراض جسدية،كنوبات الهلع والتبول اللاإرادى وصعوبة بالنوم.
ويصف الدكتور سايد جريج رئيس قسم الأمراض النفسية بمستشفى سيدة زغارطة،معاناة الأطفال نفسيا بعد الحادث:«تأتينا عشرات الحالات يوميا،وبعضهم يرفض التجاوب،كما أن المستشفيات ليست لديها الاستعدادات الكافية لاستقبال هذه الحالات،فى ظل الأوضاع المتدهورة مع جائحة كورونا».
600
ألف طفل بحاجة لدعم نفسى«نحو600ألف طفل يعانون اضطرابات نفسية جراء الانفجار،وهم بحاجة لدعم نفسى واجتماعى،إن ما حدث مأساة»،هذا ما قاله تيد شيبان المدير الإقليمى لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة(يونيسيف)،لـ«اليوم السابع»،مؤكدا أن جميع أطفال بيروت تأثروا بدرجات متفاوتة، فهناك1000طفل جريح،وأكثر من100ألف طفل تأثروا بشكل مباشر،كما تضرر77ألف طالب وطالبة بعد أن أصبحت163مدرسة خارج الخدمة،وتعمل الأمم المتحدة على توفير سبل التعلم عن بعد لهؤلاء،إضافة إلى ترميم20مدرسة ومعهدا تقنيا،ومازلنا بحاجة إلى38مليون دولار تمويلا إضافيا.
مراسلة اليوم السابع مع تيد شيبان
أسر بلا مأوى
باقتراب فصل الشتاء تزداد مخاوف300ألف شخص فقدوا منازلهم جراء الانفجار،وفق بيانات الأمم المتحدة ومحافظة بيروت،ورغم أن الدولة رصدت150مليار ليرة لإعادة الإعمار إلا أن شيئا لم يُنفذ!
جمعيات المجتمع المدنى تمكنت من ترميم8 آلاف وحدة سكنية فقط،كما أن الأهالى رمموا 8آلاف وحدة أخرى،والباقى مازال مهدماً وهناك170مبنى آيلا للسقوط،وفق تصريحات عماد واكيم عضو تكتل الجمهورية القوية نائب بيروت.
وأمام العجز المادى عن ترميم تلك المنازل أو إيجاد بديل لها،اضطرت أسر كثيرة للعيش بين حطام منازلهم،مستخدمين الأكياس البلاستيكية بديلا للأبواب،علها تستر قليلا من خصوصيتهم، لكنها بالتأكيد لن تفلح فى درء البرد القارس عنهم وعن أطفالهم.
من بين هؤلاء نبيل سامى،يقطن بمنطقة الكارنتينا،ولديه4أبناء،وصف حاله قائلاً:«الانفجار قضى على بيتنا،لكن مضطرين نعيش أنا وولادى وسط الركام فى العراء،ما عندنا مكان غيره، نتمنى الحكومة تطلع للشعب،محتاجين نتستر من برد الشتا»!
منزل عم سامى وقد تهدم بفعل الانفجار
دعم أممى لإعادة الإعمار
وعن الدعم الأممى لمواجهة تداعيات هذه الكارثة، تقول لنا نجاة رشدى المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة بلبنان: «هناك200.000 وحدة سكنية تقريبا تضررت بشكل مباشر جراء الانفجارـ غرفة الطوارئ تقدرها بـ60.000وحدةـ وإصلاح تلك المبانى وإعادة ترميم المنازل من أهم أولوياتنا،بينما تشير التقييمات إلى أن ذلك قد يستغرق عاما ،ونخطط حاليا لتوفير الأموال للعائلات التى تضررت منازلها بالكامل لتأمين مأوى لها».
وتوضح«رشدى»،أن لبنان يحتاج إلى مساعدة طويلة الأمد لإعادة الإعمار،كما تحتاج بيروت 354.9مليون دولار لتلبية الاحتياجات الفورية لأكثر من300ألف شخص خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
يسهم الصليب الأحمر بالدعم النقدى لـ10آلاف عائلة،لمدة7أشهر،وفق تصريحات جورج كتانه،الأمين العام للمنظمة بلبنان،مؤكدا أن الأضرار الجسدية والنفسية لا تزال مروعة.
وعن يوم الانفجار،قال:«كان مروعا،تم نقل وعلاج2000مصاب خلال أول6ساعات، والبعض استغاثوا بنا ولم نستطع مساعدتهم».
خلية نحل
فى شوارع بيروت يُدهشك مشهد الخيام المتراصة على جانبى الطريق،فعقب الانفجار تحولت تلك الشوارع لـ«خلية نحل»لمساعدة المنكوبين،وكان الدور الأبرز فى احتواء تداعيات الكارثة لمؤسسات المجتمع المدنى والشباب المتطوع،فساهموا برفع الأنقاض وتقديم الدعم النفسى للمتضررين،وإعادة الإعمار.
خيام جمعيات المجتمع المدنى منتشرة فى شوارع بيروت
تقول كمال شرفان رئيسة«التجمع النسائى الديمقراطى»،قدمنا دعما خاصا للنساء،فقد تضررت150.000امرأة جراء الانفجار،بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان،كما قدمنا الدعم النفسى لحالات حاولت الانتحار،وأسهمت المنظمة فى ترميم المنازل». أضاف رمزى بطيش بجمعية جراوند زيرو: أن كثيرين يقدمون التبرعات للجمعيات لعدم ثقتهم فى الحكومة.
وبداخل ميدان الشهداء،الذى أصبح نقطة التقاء الجمعيات والمجموعات الشعبية لجمع المساعدات،وتوزيعها على الأسر المحتاجة،التقينا نوال شحادة،ربة منزل،وإحدى المتطوعات بجمعية النجدة الشعبية اللبنانية،وعلى الرغم من أن سكنها خارج بيروت إلا أنها تأتى يوميا لمساعدة المنكوبين.
خيام المساعدات الإنسانية فى ميدان الشهداء
انهمرت«نوال»بالبكاء وهى تقول:«هناك عائلات أصبحت مشردة،ولم توفر لها الحكومة مأوى،لكن اللبنانيين فتحوا بيوتهم لبعضهم،تعبنا،لا فيه كهربا ولا أكل ولا صحة،وكتير أصبحوا بلا عمل..الشعب جاع بسبب النظام الفاشل».
ميدان الشهداء
خسائر بيروت..أين دور الدولة؟
الظروف التى وقع فى سياقها انفجار العنبر«12»بالرابع من أغسطس،جعلته أكثر إيلاما، فلبنان غارق فى أزماته،ما بين تفشى وباء كـورونا وتدهور الأوضاع الاقتصادية،حيث بلغت الفقر55%،بحسب البنك الدولى،بينما تقترب نسبة البطالة من الـ65%،وفق«منظمة العمل الدولية»،إضافة لعدم الاستقرار السياسى فى ظل مخاض متعسر للحكومة الجديدة،ثم جاء الانفجار ليكبد بيروت خسائر تقدر بـ8مليارات دولارات تقريبا،وفق تقديرات البنك الدولى.
وما أصاب البشر أصاب الحجر أيضا،فهناك40ألف مبنى تهدمت،منها300منزل أثرى تحتاج 500مليون دولار لإعادة ترميمها،إضافة لـ27مستشفى ومركز رعاية صحية،تضررت وتمت إعادة تأهيل15منها،هذا ما أوضحه لنا محافظ بيروت القاضى مروان عبود،مؤكدا أن إعادة إعمار بيروت تستغرق تقريبا3سنوات بتكلفة تتجاوز الـ5مليارات دولار.
وعن دور المحافظة فى مواجهة تداعيات الكارثة،يقول«عبود»: «المصاب كبير،وإمكاناتنا محدودة،لذا نناشد المجتمع الدولى لدعمنا،وقد أسهمنا فى رفع الأنقاض وإحصاء المنازل المتضررة،كما سننفذ عمليات تدعيم أولى لـ500منزل بتكلفة30مليار ليرة،ونسقنا مع منظمات دولية لتوفير بدل سكن لـ3آلاف أسرة،وجار وضع خطة لإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية للمحال التجارية المدمرة».
آثار الدمار
وعلى الرغم من تأكيد المتضررين،على غياب دور الدولة بمواجهة تلك التداعيات،إلا أن رئيس هيئة الإغاثة اللواء محمد خير،أوضح لنا،أن"الهيئة أدت واجبها قدر المستطاع،وأمنت5000منزل تبرع بها مواطنون لمدة6أشهر للمشردين،بجانب دراسة إمكانية تقديم مزيد من المساعدات".
أوضح لنا الجيش اللبنانى،الذى تولى إدارة مدينة بيروت بشكل مؤقت للإشراف على عمليات إعادة الإعمار،أن مهمته تحديد مواقع الدعم،وتنسيق الجهود بين الأطراف الفاعلة فى إعادة الإعمار،وذلك من خلال غرفة الطوارئ المتقدمة، مؤكدا أن لبنان لا يزال ينتظر المساعدات الدولية للبدء بإعادة الإعمار،بينما تقوم بعض العائلات بترميم منازلها بجهود فردية.
وسط مخلفات الدمار بمرفأ بيروت
البحث عن المفقودين
قال لنا العقيد الركن يوسف حيدر قائد فوج الأشغال بالجيش اللبنانى،إن المساحة التى تم تنظيفها من المرفأ حتى الآن تبلغ مليون متر مربع من إجمالى مليون و400ألف متر مربع،والمنطقة المتبقية تحتاج شهرين تقريبا،فيما لا يزال البحث جاريا عن9مفقودين.
وأكد لنا الكولونيل أنطوان دولا باردونى قائد القوة البرية بالجيش الفرنسى ضمن«مهمة الصداقة»،إن فرنسا ولبنان تجمعهما علاقة تاريخية ما دفعها لتقديم3700طن مساعدات إنسانية،وساعد الجيش الفرنسى فى رفع17000طن من الأنقاض بالمرفأ.
مخلفات الانفجار مازالت موجودة فى المرفأ
إحدى الكنائيس المتأثرة جراء الانفجار
من داخل مسجد خالد ابن الوليد
إحدى الكنائيس المتأثرة جراء الانفجار
وسط مخلفات الدمار بمرفأ بيروت
الكولونيل أنطوان دولا باردونى
أهالى الضحايا: أين نتائج التحقيقات؟
«HOPE» أو«الأمل»..لوحة رسمت على أحد جدران ميدان الشهداء وسط بيروت وإلى جوارها تكرر مشهد اعتصام أهالى ضحايا انفجار المرفأ اعتراضا على تأخر إعلان نتائج التحقيقات،مطالبين بالكشف عن الجناة،رافعين لافتات كتب عليها: «لا للتسييس..لا لإهدار دماء شهدائنا»،«أين نتائج التحقيقات؟!»،و«كسرت ضهرى يابنى بغيابك»..الأخيرة لافتة رفعتها أم أحمد،والدة أحد الضحايا،بالكاد تحدثت إلينا باكيةً:«قلبى محروق على ضنايا،عاوزه حقه عشان تبرد نارى،فين المجرمين؟»،فيما ناشد إبراهيم حطيط،الذى فقد شقيقه فى الحادث،القضاء بالكشف عن الكبار المتورطين.
لوحة الامل فى ميدان الشهداء
تأتى تلك الاعتصامات بينما لا تزال دائرة الغموض تحيط بالتحقيقات،خاصة بعد ما كشف مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى،أكتوبر الماضى،عدم توصله إلى نتيجة قاطعة بشأن سبب الانفجار،ولم يصدر تعليق عن سلطات التحقيق بلبنان،بينما ينتظر قاضى التحقيق فادى صوان تقريرى الخبراء الفرنسيين والبريطانيين.
من داخل مرفأ بيروت موقع انفجار الرابع من أغسطس
أيادٍ خفية!
تسود الشارع اللبنانى حالة من عدم الثقة بالتحقيقات التى تجريها السلطات اللبنانية،رغم مشاركة فرق تحقيق أجنبية،ويطالبون بتحقيق دولى.
يفسر فؤاد السنيورة،رئيس الوزراء الأسبق،ذلك بأن الجهات المحلية المنوط بها متابعة التحقيقات تضطلع بالمسؤولية عن الكارثة،مشيرا إلى مطالبته ورؤساء الحكومة السابقين بتحقيق دولى،ولكن المطلب يواجه استعصاء من قبل حزب الله،ما يثير الشكوك»!.
إنفو
ويؤكد السنيورة:«أن هذه المواد ما كان لها أن تنفجر بدون صواعق،والمتابع للأحداث يلاحظ وجود أياد خفية وراء ترتيبها،بمساعدة أطراف داخلية».
فؤاد السنيورة
يتفق معه فى الرأى اللواء أشرف ريفى وزير العدل الأسبق،مؤكدا أن التحقيق الدولى ضرورة فى ظل عدم استقلال القضاء وتعرضه لضغوط من قبل حزب الله،منوها بأن كل المعطيات تؤكد تورطه بالقضية، بينما يرجح إيلى الفرزلى نائب رئيس مجلس النواب،أن المرفأ كان مستهدفا من قِبل إسرائيل،وفق تصريحات خاصة.
بالمقابل يرى منصور فاضل نائب رئيس التيار الوطنى الحر،ضرورة مكاشفة المواطنين بأسباب وجود المتهمين خارج الحبس حتى الآن!
وكشف غسان حصبانى نائب رئيس الوزراء الأسبق،عضو كتلة الجمهورية القوية،إن إدارة المرفأ تعانى خللا منذ التسعينيات،وطالب بإصلاحات ولم تنفذ،مؤكدا عدم ثقته بالتحقيق المحلى.
غسان حصبانى
من المسئول؟
الدخان المتصاعد من المرفأ رسم سيناريوهات عدة،حول جريمة تخزين نيترات الأمونيوم والمتسبب فى تفجيرها،لكن لم يُحسم أى منها حتى الآن،رغم أن الاعتقاد السائد لدى وكالات حكومية أمريكية وأوروبية متابعة للتحقيقات أن الانفجار كان عرضيا،بينما حذرت منظمة هيومن ريتس ووتش من أن التدخلات السياسية المصحوبة بتقصير فى النظام القضائى تساعد الساسة المشتبه بتورطهم فى الجريمة على الإفلات.
وحول الجهة المنوط بها تفتيش ومراقبة محتويات المخازن يوضح باسم قيسى،المدير العام لإدارة واستثمار مرفأ بيروت:«إن المرفأ والجمارك إدارتان منفصلتان،ويقوم المرفأ بتأجير المستودعات للتجار أو تستخدمها الجمارك وهى المسؤولة عن قرار تخزين الشحنات بعد الكشف عليها،وفيما يتعلق بالعنبر رقم«12»فجميع الجهات المعنية كان لديها علم بمحتوياته، والجمارك هى المنوطة بالتفتيش».
من داخل مرفأ بيروت موقع انفجار الرابع من أغسطس
وعن توقعاته بشأن التحقيقات،يقول:«الموضوع معقد ويحتاج وقتا كبيرا».
«إن هناك مؤشرات بأن التحقيق فى انفجار المرفأ سيصبح دوليا قريبا»،هذا ما قاله ريمون خورى المدير العام للجمارك،فى تصريحات مقتضبة لـ«اليوم السابع»،وبخصوص مسؤولية الجمارك عن هذه الكارثة يقول:«إن التحقيقات هى التى ستقرر من المسؤول،ونحن نقبل بنتائجها».
لم يتسن لنا الحصول على مزيد من المعلومات من قاضى التحقيق،نظرا للسرية بينما أكدت لنا مصادر مطلعة على مسار تلك التحقيقات،أن حزب الله متورط فى جلب وتخزين شحنة نيترات الأمونيوم عام2013مستخدما شبكة من الشركات الوهمية لشراء أسلحة ومواد خطرة،رغم نفى الحزب تلك الاتهامات.
مخاوف من تكرار الفاجعة
إعلان قائد فوج الهندسة،العقيد الركن روجيه خورى،سبتمبر الماضى،اكتشاف4350طنا من نيترات الأمونيوم بمدخل المرفأ مخزنة منذ عامى2004و2005،وأيضا143مستودعا بها مواد قابلة للاشتعال تم تخزينها منذ أكثر من15عاما،طرح تساؤلا حول الضمانات التى تكفل عدم تكرار كارثة المرفأ فى ظل استمرار تخزين هذه المواد الخطرة!
يجيب ريمون خورى،قائلا:«جار إعداد إجراءات تكفل ضمان أمن المرفأ والمستودعات، وستعلن قريبا،كما نعمل على تعديلات بقوانين الجمارك،لكن من المبكر الحديث عن تطبيقها».
من جانبه قال باسم القيسى:«منذ بداية سبتمبر الماضى،خاطبنا الجمارك والجيش وأمن الدولة بوجود حاويات تحمل مواد قابلة للاشتعال،وطلبنا مخاطبة شركات الملاحة بإعادة شحن تلك الكونتينرات،وأن يتسلم المستوردون هذه المواد تسليما فوريا».
ونوه «القيسى»،بأن استيراد المواد الملتهبة أمر لا يدعو للهلع،حيث تُستخدم بمعامل الدهانات والأدوية وغيرها،فهى مواد قابلة للاشتعال أو الانفجار لكن فى ظروف معينة،والخطورة تكمن فى طريقة ومدة تخزينها،لذا ندرس حاليا قرارا ينص على تصنيف المواد الخطرة لشرائح،بحيث تتقرر مدة تخزينها وفق درجة خطورتها،وبعضها سيمنع تخزينه لأكثر من48 ساعة.
مشاكل لبنان،المتراكمة عبر30سنة،لا يمكن حلها بين عشية وضحاها،ويرى المواطنون البسطاء أن من حكموا لبنان هم من نهبوه وأوصلوه إلى هذا الوضع المزرى،وللمصالحة مع الشعب عليهم مد جسور الثقة معه عبر إصلاحات حقيقية ترفع الظلم عن كاهله..فهل يستجيب الساسة؟
فى الحلقة التالية
لبنان على فوهة البركان الاقتصادى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة