يعيش النظام التركى على صفيح ساخن، بسبب المشهد السياسى المضطرب حيث تتعالى أصوات المعارضة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة بدلية عن الانتخابات التشريعية الصورية، والتى شابها عمليات تزوير وفساد - بحسب المعارضة التركية- من قبل الرئيس التركى ونجله بلال والتى أجريت فى مايو العام الماضى، الأمر الذى دفع مسئولين أيضا معارضين للمطالبة بانتخابات مبكرة.
ولعل طلب حزب الشعب الجمهورى أكبر أحزاب المعارضة في تركيا آنذاك، بإبطال النتائج كان مؤشرا كبيرا بحسب مراقبين على تزوير الانتخابات البرلمانية التركية، ففى مايو 2019 قدم حزب الشعب الجمهوري، طلب إلى اللجنة العليا للانتخابات لإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي شهدتها البلاد في 24 من نفس الشهر، كما طالب بإلغاء نتائج الانتخابات المحلية على مستوى الأقضية في إسطنبول، التي أجريت في 31 مارس من نفس العام.
وجدد رئيس الوزراء التركي الأسبق، رئيس حزب المستقبل، أحمد داود أوغلو الدعوة، في أكتوبر الماضي لإجراء انتخابات مبكرة، مؤكداً أن النظام التركي يعرض البلاد للإهانة في الخارج.
وكان رئيس أكبر حزب معارض في البلاد، رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيلتشدار أوغلو، قد طالب بإجراء انتخابات مبكرة، لـ"إنهاء النظام الاستبدادي في تركيا".
وقال داود أوغلو، في كلمة أمام رؤساء فروع حزبه في الولايات ظهر، رئيس حزب العدالة والتنمية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: إن "إجراء انتخابات مبكرة يكون في الدول ذات الطبيعة القبلية، حسناً، قلتم أردوغان في مارس 2018 إن الحديث عن انتخابات مبكرة خيانة، ثم في أبريل 2018، ذكر بهتشلي حليف أردوغان أننا بحاجة إلى انتخابات مبكرة، وأقروا الانتخابات في مايو، ثم كانت هناك انتخابات في يونيو، هل يصدق الناس هؤلاء السياسيين مرة أخرى؟.
ولعل حالة الغليان التى تعيشها تركيا هذه الأيام بسبب سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي أدت إلي انهيار تركيا وتكبد خسائر اقتصادية هو ما دفع عدد كبير من السياسيين الأتراك إلي التدخل بالمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وعدم انتظار عام 2023 لإجراء الانتخابات انقاذا لأوضاع البلاد من يد الديكتاتور العثماني.
وقاد هذه المطالبة عدد من قادة المعارضة علي رأسهم كمال كليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهورى، ونائبه أوعوز قان صاليجي، وعلي لاباجان، رئيس حزب الديمقراطية والتقدم التركي "ديفا"، وأحمد داود أوغلو، رئيس الحزب المستقبل، ونائبه سلجوق أوزداغ، وميرال أكشنار، رئيسة حزب الخير.
ويعتقد قطاع من المعارضة أن استقالة وزير المالية بيرات البيراق، خطوة نحو انهيار النظام التركي وتمهيد لإجراء انتخابات مبكرة، وعلى الصعيد الشعبي ارتفعت نسبة مؤيدى الانتخابات المبكرة.
ووفق دراسة لـ"المرصد المصري" ـ فإن دوافع مشروعة دفعت مجموعة من العوامل داخلية وخارجية قادة المعارضة إلى الدعوة لانتخابات مبكرة، ومنها؛ تفاقم الأزمة الاقتصادية؛ تشهد تركيا أزمة اقتصادية حادة وصفها دورموش يلماز، المحافظ السابق للبنك المركزى، بأنها تكرار للأزمة المالية التي شهدتها البلاد عام 2001.
ولعل المشهد الأحدث فيها هو إقالة محافظ البنك المركزى مراد أويصال، وقبول استقالة وزير المالية بيرات البيراق، على إثر حالة من التداعي أصابت مجمل المؤشرات الاقتصادية؛ حيث تراجعت الليرة مقابل الدولار إلى مستوى قياسي هذا العام بنحو 30% مسجلة 782 دولارًا في وقت كتابة هذا التقرير، وكانت قد وصلت إلى أدنى قيمة لها في أكتوبر مسجلة نحو 8.3 دولار وهو ما ينعكس على مؤشرات الاقتصاد الأخرى كارتفاع معدلات التضخم التي بلغت نسبتها خلال العام الجارى 11.81% وانخفاض معدل النمو، وزيادة البطالة، والفقر وتراجع مستوى المعيشة وهروب الاستثمارات إلى الخارج وتوقف المشاريع الكبرى، وتراجع مستوى التصنيف الائتماني لتركيا من قبل الوكالات الدولية.
كما وصلت الحريات وحقوق الإنسان في تركيا خلال عهد أردوغان إلى حالة يرثى لها، حسب ما تكشفه التقارير الصحفية ومراكز الأبحاث وتقارير المنظمات الدولية التي وصفت أحدها تركيا بـ"سجن الصحفيين الأكبر" في العالم، حيث شن أردوغان حملات الاعتقالات وراح يسكت الأصوات ويقصف أقلام كل من ينتقد حكمه ويصفهم بالإرهابيين فعلى سبيل المثال، منذ الانقلاب الفاشل في يونيو 2016، تم فصل ما يقدر بنحو 150 ألف موظف حكومي واعتقال أكثر من 50 ألف شخص، من بينهم العديد من قادة الجيش والجنود وضباط الشرطة والصحفيين والمحامين والأكاديميين والسياسيين الأكراد وهم يلاقون أسوأ معاملة في السجون.
مغامرات أردوغان الخارجية وسياسته الفاشلة وتدخلاته غير المشروعة في سوريا والعراق وليبيا وكاراباخ واليونان وقبرص وغيرها التي أدت إلى استنزاف الاقتصاد التركي، وفقدان أنقرة لحلفائها الدوليين، الاستناد إلى سابقة الانتخابات المحلية الأخيرة؛ استطاعت المعارضة التركية أن تكسر شوكة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية التي جرت في أبريل من العام الماضي 2019، بعدما أطاحت به في أكبر ثلاث مدن تركية هي؛ العاصمة أنقرة وإسطنبول وأزمير إلى جانب عدد من المدن المهمة الأخرى مثل أصة وأنطاليا ومرسين.
وكانت خسارة منصب عمدة إسطنبول، الذى حسمه أكرم إمام أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهورى المعارض، لصالحه بنسبة 54.2% من الأصوات مقابل 45% لمرشح حزب العدالة والتنمية بن علي يلدريم ضربة مريرة لأردوغان، الذى كان ليس بلدية إسطنبول في التسعينيات.
وتعول المعارضة التركية بشكل كببر على إمكانية تكرار تلك السابقة على الصعيد الوطني إذا ما جرت انتخابات جديدة، لكن يجدر بنا أن نشير في هذا السياق إلى أن أحزاب المعارضة ليست بالقوة المطلوبة التي تمكنها من إزاحة حزب العدالة والتنمية من المشهد السياسي تمامًا وكل ما يمكن أن تحققه في الوقت الراهن هو تقليص الفرص الممنوحة له وتقليل هيمنته على الساحة الداخلية وحرمانه من الترويج لفكرة وجود تأييد واسع من الشارع التركي لسياسة أردوغان داخليًا، حتى الآن يرفض أردوغان وشريكه في التحالف الحكومي، حزب الحركة القومية، المطالبات بإجراء انتخابات مبكرة، معتبرًا أن هذا لا يحدث إلا في الدول القبلية، ومشددًا على أن الانتخابات ستجرى في موعدها المقرر عام 2023، ويرجع هذا الموقف المتشدد إلى بعض العوامل نذكر منها:-حالة الضعف والانقسامات في حزب العدالة والتنمية وشريكه اليميني الحركة القومية: يعاني حزب العدالة والتنمية الحاكم من تراجع في حجم التأييد الذى يحظى به على المستوى الشعبي، جنبًا إلى جنب مع حالة من التفكك على 2 مستوى القاعدة والنخبة السياسية، تجلت في انشقاق عدد من كوادر الحزب وتأسيس أحزاب جديدة، وهو ما سيؤثر بالطبع على فرص فوزه في أى انتخابات مقبلة.
وامتدت عدوى الانشقاقات إلى شريكه في الائتلاف الحاكم حزب الحركة القومية اليميني المتطرف بزعامة دولت بهتشلى، تجلت أبرز ملامحها في انشقاق أبرز كوادره ومنهم ميرال أكشينار في 25 أكتوبر 2017 وتأسيسها لحزب الخير، ونائب مدينة إسبرطة نورى أوكوتان، ونائب غازى عشاب أوميت أوزضاغ ونائب ناليك أسير، إسماعيل أوك، ووزير الدولة السابق آيفر يلماز وغيرهم.. متهمين بهتشلي بالتحول إلى دمية يحركها أردوغان هذا إلى جانب تآكل قواعده الشعبية أيضًا. لذلك يخشى لهتشلى- لسان حال الحكومة التركية في الإعلان عن الانتخابات المبكرة- أن يخسر حزبه نصيبه في البرلمان إذا ما جرت أى انتخابات مبكرة وهو ما يفسر رفضه لتلك الفكرة في الوقت الراهن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة