يبقى عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين أحد أهم الأصوات الأدبية فى الوطن العربى فى القرن الماضى، فهو صاحب بصمة ثقافية واضحة، وواحد من رواد الثقافة المصرية الحديثة، جعلته أول مصرى يترشح لجائزة نوبل فى الآداب، ورغم منتجه الأدبى والنقدى والعلمى الكبير الذى تركه قبل رحيله، إلا أن ذلك لم يشفع له ذلك أمام لجنة الأكاديمية السويدية لتمنحه الجائزة الأرفع فى العالم.
ورغم شهرة عميد الأدب العربى الكبيرة عالميا، باعتباره رائدا من رواد التنوير فى الثقافة العربية، والأفريقية، وأبرز من أثروا فى تلك الثقافة، بكتاباته وأعماله الأدبية، إلا أن إعلان القائمين على جائزة نوبل بالكشف عن أسماء المرشحون للجائزة بعد مرور 50 عاما من سنة الترشح حمل مفاجآت عديدة تجاه عميد الأدب العربى، والذى وجد أنه تم ترشيحه لتلك الجائزة 14 مرة، دون أن يحصل عليها.
ولعل عدم فوز شخص بقيمة عميد الأدب بمثل جائزة نوبل يفسر حالة الجدل المستمرة تجاه تلك الجائزة، خاصة فى السلام والأدب، وظهر العديد من الأدباء الذين أمهلهم العمر للفوز بها، ومنهم من لم يمهله العمر للفوز بتلك الجائزة رغم أنه رشح لها عشرات المرات من بينهم طه حسين.
الترشح الأول لـ طه حسين لجائزة نوبل كان عام 1949، وهى المرة التى رشحه فيها الدكتور أحمد لطفى السيد، عقب أزمة طه حسين وتخليه عن عمادة كلية الأداب بعد رفضه منح الدكتوراه الفخرية لعدد من أصحاب المواقف السياسية المثيرة للجدل، وهو العام الذى قررت فيه اللجنة المسئولة عن الجائزة تأجيل الجائزة عاما كاملا لعدم توافر الشروط المطلوبة فى أى من المرشحين، ثم أُعلن فوز الروائى الأميركى ويليام فوكنر بالجائزة لاحقًا.
ووفقا للكاتب المسرحى الكبير محمد سلماوى فى مذكراته "يوما أو بعض يوم"، فإن الدكتور طه حسين كان أقرب المرشحين للفوز فى تلك السنة، لكن يبدو أن اللجنة كانت تحاول تقديم الجائزة لفوكنر، فاضطرت لتأجيلها لعام آخر حتى يتم ترشيحه ومن ثم إعلان فوزه، أو أنها رفضت فوز طه حسين نفسه بعد علمها أو توقعها فوزه بالتصويت من قائمة المرشحين، بجانب أن هذا العام كان العام التالى لقيام دولة إسرائيل وشنها حربًا على الدول العربية قبل ذلك بعام واحد 1948، واحتياجها لطمس الهوية العربية فى العالم وعدم ذكرها.
وفى العام التالى 1950 رشح البروفيسور الفرنسى برنارد جويان الدكتور طه حسين للفوز بالجائزة، وعمل الفرنسى كأستاذ للأدب الفرنسى فى جامعة مارسيليا، وكان أحد المهتمين بالمنجز العلمى لطه حسين خاصة رسالتى طه حسين عن أبى العلاء المعرى وابن خلدون، واعتبر أن طه حسين صاحب تأثير كبير فى فهم الثقافة العربية التاريخية، لكن الفوز هذه المرة كان لصالح الفيلسوف الإنجليزى بيرتراند راسل.
وفى المرة الثالثة تم ترشيح طه حسين عام 1951 لجائزة نوبل عن طريق أساتذة جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا) التى كان لها حق الترشيح هذا العام، وخسر طه حسين الجائزة أمام المرشح السويدى بار لاغركفيست الذى ساعدته جنسيته السويدية كثيرًا لحسم مسألة فوزه، خاصة أن أعماله لم تترجم لأى لغة قبل فوزه بجائزة نوبل، وهو أمر كان مثار عجب كثيرين وقت إعلان فوزه.
برتراند راسل
وفى عام 1952 كان طه حسين على موعد لترشيح رابع من قبل المستشرق السويدى كارل زترستين الذى ترجم القرآن للسويدية، وكان له اهتمام كبير بتاريخ الفلسفة الإسلامية، وكان يقدر أعمال طه حسين كثيرا فى هذا الجانب، لكنه تم حسم الجائزة لصالح الفرنسى فرنسوا مورياك، والذى كان وقتها مسار سخرية كبيرة، لكونه لم يكن من أعلام الأدب أو الفلسفة فى وقته، ولم يكن له من إنجاز حقيقى يذكر.
توقف الترشح لـ طه حسين للحصول على جائزة نوبل لمدة 8 سنوات، حتى تم ترشيحه للمرة الخامسة عام 1961 من قبل السويدى جديد هو هيدبرج، وهو الشخص ذاته الذى رشح طه حسين مرتين أخريين أعوام 1961 و1962، إلا أنه فى عام 1961 كانت المرة الاولى التى يحوز فيها طه حسين على ثلاث ترشيحات فى عام واحد من قبل السويدى هيدبرج الذى رشحه فى العام السابق، ومحمد خلف الله، أستاذ اللغة العربية بجامعة الإسكندرية، وهنريك صاموئيل نايبرج، الأكاديمى السويدى أحد أعضاء أكاديمية العلوم الملكية السويدية المسئولة عن اختيار الجائزة، إلا أنه ورغم تلك الترشيحات وارتفاع حظوظه لم يفز بالجائزة فى هذا العام وذهبت للصربى إيفوأندريتش الذى تخلى عن جنسيته البوسنية لصالح الصربية إبان الحرب بين الدولتين.
فى عام 1963 على يد المستشرق الفرنسى شارل بلا الذى كان واحدًا من المهتمين بالفلسفة الإسلامية، وخاصة الجاحظ، وكتب عنه عدة مؤلفات، وكان متقنًا للغة العربية، وعيِن أستاذًا للدراسات الشرقية فى جامعة باريس، وكان هذا الترشيح الحادى عشر لـ طه حين، لكن الجائزة كانت من نصيب الشاعر اليونانى الشهير جيورجيوس سفريادس الذى عرف باسمه المستعار جيورجوس سفريس.
جون بول سارتر
وفى عام 1963 من جديد للفوز بجائزة نوبل للأدب، والذى تم ترشيحه على يد البروفيسور السويسرى سيزار دوبلير، أستاذ اللغات الشرقية بجامعة زيورخ السويسرية، والمستشرق الفرنسى ريجى بلاشير الذى ترجم القرآن للفرنسية وكانت له اهتمامات واسعة بالفلسفة والشعر الإسلامى، لكن الجائزة فاز بها الفرنسى جون بول سارتر الذى رفض استلامها وقال، إنه يرفض أن يتحول لمؤسسه وإن الجائزة قد تعيقه عن استكمال عمله.
الترشح الرابع عشر والأخير لعميد الأدب العربى للفوز بجائزة نوبل كان عام 1964 كان الترشح الأخير لطه حسين، كان على يد المستشرق الفرنسى شارل بلا للمرة الثانية، لكن الجائزة فاز بها السوفيتى ميخائيل شولوخوف الذى واجهته كثير من الصعوبات والجدل، خاصة حقيقة كتابته لروايته الشهيرة "الدون الهادئ" التى صاحبها الجدل حتى بعد وفاته بسبب ادعاء الكثيرين ملكيتهم الأصلية للنص لكن العديد من الدراسات والأبحاث زعمت بعد ذلك أنه من كتب الرواية بمقارنة باقى رواياته وأسلوبه، معها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة