سلطت دراسة حديثة للمرصد المصرى الضوء على المقاطعة الشعبية السعودية للبضائع التركية، حيث أشارت إلى أن العلاقات العربية – التركية دخلت خلال الأسابيع الماضية، مرحلة جديدة كليًا فيها أصبحت معظم الدول العربية خاصة المملكة العربية السعودية، فى خانة الهجوم على أنقرة بعد سنوات من تحمل الدور التركى التدميرى الذى طال العالم العربى خلال السنوات الماضية، وهى سنوات صبرت فيها الرياض وعواصم عربية أخرى على النهج التركى العدائى، الا أن الوقت حان على ما يبدو لبدء الرد العربى على هذا النهج وذلك من البوابة الاقتصادية.
وأوضحت الدراسة أن أوساط عدة فى قطاع الأعمال السعودى دشنت منذ أوائل الشهر الجارى، حملة واسعة لمقاطعة البضائع التركية بمختلف أنواعها وكذا الخدمات التى تقدمها الشركات التركية على أراضى المملكة، ولفت إلى أن هذه الحملة فى حد ذاتها تعتبر امتدادًا لسلسلة من حملات المقاطعة التى قامت العديد من التجمعات والمؤسسات الأهلية وشبه الرسمية فى المملكة بتدشينها ضد تركيا منذ عام 2019 وحتى الآن، لكن الفارق هنا أن هذه الحملات ركزت بشكل كبير على القطاع السياحى التركى لكن الحملة الحالية تعد موجهة ضد كل ما هو تركى المنشأ سواء كان ذلك على شكل خدمات أو منتجات.
وذكرت الدراسة أن حملة المقاطعة الحالية بدأت فى التصاعد بشكل كبير بعد أن قام عجلان العجلان رئيس مجلس الغرف التجارية السعودية ورئيس غرفة الرياض التجارية، بالتغريد فى صفحته الرسمية على موقع تويتر دعمًا لهذه الحملة، وطالب فى تغريدة نشرها فى الثانى من الشهر الجارى كل من التاجر والمستهلك فى السعودية، بمقاطعة البضائع والخدمات التركية سواء فى قطاع الاستيراد أو السياحة أو الاستثمار.
هذا التوجه من رئيس مجلس الغرف التجارية السعودية –بحسب الدراسة - (وهو تجمع تجارى شبه رسمى يضم أبرز رجال الأعمال فى المملكة)، كان مؤشرًا واضحًا على أن القرار بمقاطعة البضائع التركية بات شاملًا لجناحى الأنشطة الاقتصادية فى المملكة، التجار والمستهلكين، حيث بدأ كلا الجناحين فى تطبيق هذه المقاطعة ذاتيًا وتزايد هذا التوجه لدرجة أن رسام الكاريكاتير السعودى المعروف فهد الجبير قام بنشر شعار قام بتصميمه خصيصًا لهذه الحملة.
دعم عدد من الأمراء وكبار الصحفيين لهذه الحملة بشكل علنى عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى، منهم الأمير عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز الذى غرد فى التاسع من الشهر الجارى، عبر صفحته الرسمية على موقع تويتر مطالبًا بتفعيل مقاطعة سعودية شعبية كاملة للمنتجات والخدمات التركية.
وذكرت الدراسة أن أهمية موقف الأمير السعودى الذى يعد الصوت الرسمى الأول الذى يطالب علانية بمقاطعة المنتجات التركية، دفع الإعلام التركى إلى شن حملة كبيرة ضده متهمة إياه بالضلوع وراء هذه الحملة، مع أن تطورات المشهد فى الأيام التى تلت تغريدة الأمير كان دليلاً واضحًا على أن هذه الحملة بدأت أساسًا فى الأوساط الشعبية السعودية، ولأسباب وطنية وقومية تتعلق بالرد على النهج التركى حيال المملكة والدول العربية الأخرى.
ووفقا للدراسة فقد انضم اليه فى هذا الموقف أمير آخر من أمراء العائلة المالكة وهو الأمير فهد بن مشعل بن عبد العزيز آل سعود، الذى غرد فى صفحته الرسمية على موقع تويتر، مؤيدًا لمقاطعة البضائع التركية وأعتبر أن هذه المقاطعة تعتبر رد فعل شعبى على التصرفات التركية حيال المملكة، واعتبر أن هذه الحملة تعد فرصة سانحة للشركات الوطنية فى المملكة من أجل زيادة حجم المكون المحلى فى الأسواق السعودية.
الكاتب فى صحيفة الرياض السعودية إبراهيم السليمان، كان من ضمن الداعمين لحملة مقاطعة البضائع التركية وذلك عبر سلسلة من التغريدات على صفحته الرسمية، أشار فى إحداها إلى أن تجاوب الشعب السعودى مع هذه الحملة أدى إلى بدء شعوب عربية أخرى فى تبنى هذه الحملة وتطبيقها فى بلادهم.
الكاتب فى نفس الصحيفة سلمان الشريدة، رد على ما روجته الصحافة التركية حول أن هذه الحملة جاءت بإيعاز وتخطيط من القيادة السياسية فى الرياض، وأشار فى تغريدة على صفحته الرسمية فى موقع تويتر إلى أن هذه الحملة تمت فى الأصل بمبادرات شخصية من رجال الأعمال والمواطنين فى المملكة.
تجاوبت خلال الساعات الماضية الشركات ومتاجر التجزئة السعودية مع هذه الحملة، حيث تتالت البيانات الصادرة عنها، التى تؤكد فيها عن توقفها عن تداول المنتجات التركية وبيعها. ضربة البداية كانت من خلال مؤسسة (أسواق عبد الله العثيم)، وهى سلسلة من المتاجر الكبرى المنتشرة فى معظم المحافظات السعودية، أصدرت بيانًا تعلن فيه التوقف بشكل كامل عن استيراد المنتجات التركية أو عن تسلمها من الموردين المحليين، تجاوبًا مع حملة مقاطعة البضائع التركية. حذت متاجر كبرى أخرى حذو هذه السلسلة من الأسواق مثل سلسلة متاجر (شبرا الطائف) و(بنده).
مصنع (سما لين) لمنتجات القصدير أعلن عبر حسابه على موقع تويتر، إيقافه مفاوضات كانت جارية مع الجانب التركى لشراء مواد خام تركية المنشأ. كذلك أعلنت عدة متاجر مثل سلسلة متاجر (الوطنية) وشركة (أبناء أبراهيم المانع) التجارية، عن عدم قيامها أساسًا ببيع أية منتجات تركية المنشأ وحثها الشركات والمتاجر السعودية على قطع أى تعامل مع الشركات التركية.
لم تصدر بشكل رسمى تصريحات من الحكومة التركية تتناول المقاطعة الشعبية السعودية للمنتجات التركية، وهى مقاطعة امتدت الدعوات المؤيدة لها لتشمل دول أخرى منها مصر والمغرب وليبيا. لكن صدرت جملة من المواقف عن بعض الساسة الأتراك حيال هذا الملف، منهم رئيس بلدية محافظة (هاتاي) التركية لوتفو سافاس، الذى ناشد فى تصريحات مصورة السلطات السعودية، إنهاء حملة المقاطعة للمنتجات التركية التى تسببت حسب تعبيره فى تضرر رجال الأعمال الأتراك وآلاف العاملين لديهم، وأصبح أغلبهم مهددًا بفقد وظائفهم نتيجة للتأثر الحاد فى مستوى السلع التركية المصدرة إلى المملكة.
النائب عن حزب الشعب الجمهورى المعارض محمد غوزلمانصور، صرح بأن حزبه حذر الحكومة التركية مرارًا من خطورة إقدام المملكة العربية السعودية على مقاطعة البضائع التركية، ومن إمكانية امتداد هذه المقاطعة لتمتد لدول أخرى مثل دول المغرب العربى ومصر. تأثير حملة المقاطعة على التجار الأتراك أتضح بشكل أكبر من خلال بيان نشره رؤساء أكبر ثمانية تكتلات تجارية تركية فى العاشر من الشهر الجارى، أعربوا فيه عن غضبهم من توقف الشركات السعودية عن توقيع عقود استيراد جديدة معهم، ومن استبعاد كافة الشركات والمؤسسات التركية من المناقصات الدولية التى تعلن عنها المملكة فى الفترة الحالية.
الاقتصاد التركى بالفعل تأثر بشكل كبير من التناقص المستمر فى التبادل التجارى بين أنقرة والرياض، حيث تظهر البيانات المعلنة من جانب وزارة الخارجية التركية، أن مستوى التبادل التجارى بين البلدين بدء فى التناقص التدريجى منذ عام 2015، حيث بلغ فى هذا العام نحو ستة مليارات دولار فى حين وصل إلى 4.96 مليار دولار عام 2018.
وعلى الرغم من ارتفاع مستوى التبادل بين البلدين عام 2019، ليصل إلى نحو ستة مليارات دولار الا أنه وحسب البيانات التركية، بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين فى الأشهر الثمانية الأولى من العام الجارى، 1.91 مليار دولار بانخفاض قدره 17 بالمئة عن نفس الفترة من العام الماضى، وهو يعنى فعليًا أن تركيا لن تتمكن بأى حال من الأحوال إلى الوصول إلى مستوى التبادل التجارى مع المملكة، مماثل لمستويات الأعوام السابقة وبالتالى تعتبر هذا بمثابة خسائر مباشرة يتكبدها الاقتصاد التركى، ناهيك عن التوقف الكامل لنشاط الشركات التركية على الأراضى السعودية، فحسب البيانات التركية تعمل على الأراضى السعودية أكثر من 200 شركة تركية يبلغ مجموع استثماراتها نحو 660 مليون دولار.
يضاف إلى ذلك مساهمة السعودية فى القطاعات الصناعية والسياحية والعقارية فى تركيا، حيث بلغ حجم الاستثمارات السعودية مليارى دولار على المستوى العقارى، وحسب بيانات وزارة الخارجية التركية، تملك المواطنون السعوديون عام 2017 أكثر من ثلاثة ألاف وخمسمائة عقار على الأراضى التركية، وفى ما يتعلق بالقطاع السياحى أفادت بيانات وزارة الثقافة والسياحة التركية، أن عدد السياح السعوديين بلغ فى أغسطس الماضى نحو 100120سائح مقارنة بنحو 140010 خلال الشهر نفسه من العام الماضى، يضاف إلى ذلك أن تدفق السياحة السعودية بشكل عام إلى تركيا بدء فى التناقص تدريجيًا منذ عام 2017 الذى بلغ فيه عدد السياح السعوديين الذى دخلوا الأراضى التركية أكثر من 651 ألف سائح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة