محمد أحمد طنطاوى

العمل فى شركات التأمين.. وظيفة بدون أجر!

الثلاثاء، 13 أكتوبر 2020 11:56 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 بالطبع صادفت يوما اتصالا من المسئولين عن المبيعات فى شركة تأمين أو مستشفى خيري، أو جمعية خدمة مجتمع، أو مؤسسة مصرفية أو شركة عقارية، واستمعت إلى كل محاولاتهم لإقناعك بشراء سلعة أو خدمة أو التبرع لهذه الجهة أو تلك، أو الاستثمار فى وثيقة تأمين على الحياة.

على الرغم من كل المحاولات التي يجريها مندوبو المبيعات، وكل العبارات المنمقة التي يحاولون بها مع العميل أو الزبون المحتمل، إلا أن النسبة الأكبر من العملاء غالباً ما تفضل الهرب أو الانسحاب بـ "شياكة"، أو حتى بعجرفة، أو التعلل بأنهم داخل اجتماع ولا يمكنهم التحدث أو مواصلة الحوار، حتى تكون النهاية حظر أرقام هواتف المندوبين أو تجاهلها من باب "تجنب وجع الدماغ".

أغلب شركات القطاعين العام والخاص والجمعيات الكبرى المتخصصة في جمع التبرعات، وقطاعات التأمين على الحياة والممتلكات، تعتمد بصورة مباشرة على  الـ "Sales" أو مندوبين المبيعات، وهم غالبا لا يحصلون على مرتبات شهرية، ويعملون بـ "القطعة" أو حسب الإنتاج، لهم نسبة على كل وثيقة تأمين، أو كل عميل يشترى شقة أو قطعة أرض، أو كل تبرع لجمعية خيرية أو مستشفى أهلية، ومن يفشل منهم في تحقيق المطلوب أو "التارجيت"، يتم استبعاده فوراً دون رحمة أو مراعاة لظروف يلتمسون فيها لقمة العيش ويسعون خلفها بأى طريق.

مع كل السخافات التي يتعرض لها مندوبو المبيعات من المستهلكين عبر الهواتف أو خلال اللقاءات المباشرة، إلا أنهم لا يفقدون شغفهم نحو العمل أو السعي طمعاً في استقرار أوضاعهم والتخلص من فكرة البطالة، التي تعتبر الهاجس الأكبر لأبناء الطبقات الفقيرة وبعض الطبقة المتوسطة، فلا يمتلكون مدخرات يتكئون عليها، وليست لديهم مؤهلات خاصة أو تخصصات نادرة يتميزون بها في سوق العمل، فأغلبهم مؤهلاته ما بين الحقوق والتجارة والخدمة الاجتماعية.

حتى نقترب أكثر من الفكرة، فقد تعرضت لحالة الأسبوع الجاري، تخص فتاة في مقتبل الشباب، تحاول أن تبدأ وظيفة بأحد شركات التأمين الحكومية، وبالطبع لم تجد أمامها فرصة سوى قطاع "المبيعات"، تلك الفئة التي تعمل بالإنتاج دون راتب، في مخالفة صريحة لكل قواعد العمل، التي يؤسس لها القانون وتكفلها الدولة، وعلى الرغم من اجتهادها وسعيها نحو بيع وثائق التأمين، مع العلم أنها وظيفة صعبة جدا وتحتاج إلى مهارات خاصة في الإقناع، إلا أنها أكلمت نحو عام في هذا العمل، ونجحت في جذب العديد من العملاء للشركة، بالإضافة إلى الحصول على التدريبات التي تشترطها هيئة الرقابة على التأمين، ورغم ذلك كله، تم إقصاؤها عن العمل، دون سابق إنذار أو تحقيق قانونى، بل مجرد كلمة من مديرها المباشر "أنت مش معانا من بكرة"، بطريقة أشبه إلى قانون الغاب، حيث لا حقوق، لا مزايا، بل فقط البقاء للأقوى، وهم فئة "الموظفين"، الذين يديرون هذه المجموعات من الشباب، ويحصدون مكاسبهم.

الحقيقة ليست شركات التأمين وحدها التي ترتكب جريمة العمل بدون أجر مع شباب الخريجين، بل هناك قطاعات عديدة، مثل المستشفيات والجمعيات الخيرية، التي تعمل لخدمة المجتمع، وتسعى لجمع التبرعات، لعمل الخير، ومعاونة الأسر المحتاجة والفقيرة، وتقدم الدعم والسند للمناطق المحرومة في القرى والمدن المختلفة، وعلى الرغم من أن الجمعيات الخيرية وكذلك المستشفيات التي نشاهد إعلاناتها في التليفزيون ووسائل الإعلام ليل نهار، وتخصص جزءًا كبيراً من ميزانياتها لهذا الهدف، إلا أنها تضن وتبخل حينما يتعلق الأمر بمجموعة من الشباب لا يتجاوز عددهم 20 شابا أو فتاة، فلا تعيينات أو تأمينات أو مستقبل، بل الأمر كله يتعلق فقط بـ"التارجيت" والإنتاج والوصول إلى أكبر عدد من العملاء حتى يتبرعوا.

بعض الموظفين في الكول سنتر الخاص بالمستشفيات والجمعيات الخيرية يجرى مئات الاتصالات الهاتفية يوميا على أشخاص مهمين وغير مهمين، حتى يحصل على النسبة أو العمولة أو إنجاز التارجيت المحدد، ليحصل على راتب نهاية كل شهر، والسؤال هنا: كيف لشاب فى مقتبل العمر أن يُمارس عليه كل هذا النوع من الضغط، حتى يكسب لقمة عيشه؟! كيف يمكن أن نجعله يتسول عبر الهواتف ونتركه حتى دون راتب ثابت أو تعيين وتأمين اجتماعي وصحي يحميه ضد أي مشكلة أو أزمة محتملة.

لا يمكن لهذه الجمعيات أو تلك المستشفيات أن تكون خيرية أو تقدم عملا له علاقة بالخير والإنسانية، دون أن تحترم من يعملون لديها أو تمنحهم الفرصة الحقيقية فى عمل يكفل الكرامة والحد اللائق من الحياة الآدمية، التى تفترض أن كل من يعمل يجب أن يحصل على أجر نظير ما أمضاه من وقت وجهد، لذلك على كل من يعمل فى هذه المؤسسات أن يتحرك بحثا عن عمل آخر أو يتفاوض من أجل الحصول على حقوقه كاملة، وعلى وزارة القوى العاملة أن تقنن أوضاع هؤلاء الشباب، وتشرف على أوراقهم، وأظن أن هذا دور أصيل لها، وعلى الحكومة أن تجد حلولا مقنعة تراقب من خلالها جدية الوظائف التى يقدمها القطاع الخاص، وهل تتوافق مع قواعد القانون وضوابط العمل أم لا.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة