لا يوجد شعب قديم كان، أو حديث، بين شعوب الأرض، احتلت فى نفسه فكرة الحياة بعد الموت، المكانة العظيمة التى احتلتها فى نفس الشعب المصرى القديم "الفراعنة".. ومن الجائز أن ذلك الاعتقاد الملح فى الحياة بعد الموت كان يدعمه بقوة، ويغذيه تلك الحقيقة المعروفة عن تربة مصر ومناخها، وهى أنها تحفظ جسم الإنسانً بعد الموت من التحلل والبلى إلى درجة لا تتوافر فى أى بقعة أخرى من بقاع العالم، وهو ما ذهب إليه العالم الأمريكى جيمس هنرى برستد، أستاذ الآثار، فى كتابه الرائع "فجر الضمير".
ويقول برستد: عندما كنت أعمل فى مشروع نقل نقوش بلاد النوبة منذ سنين طويلة مضت، كانت الأحوال كثيرا ما تضطرنى إلى المرور بطرف جبانة فيها قدم إنسان ميت مدفون فى حفرة ليست عميقة، وقد خسر هاتين القدمين وصارتا ممدودتين في عرض الطريق الذى كنت أمر به، ولست أعرف عمر هذا القبر، ولكن كل إنسان خبير بجبانات مصر، قديمها وحديثها، لابد أنه عثر على جثث بشرية كاملة، قديمة جدا، ولكنها باقية محفوظة إلى درجة تجعلها تشبه تماما أجسام البشر الأحياء.
ويضيف: لابد أن حالة الحفظ المدهشة للأجساد البشرية التى وجد المصرى عليها أجداده الذين يكشف عنهم عندما يقوم بحفر قبر جديد فى ذاك الوقت، قد زادت اعتقاده فى بقاء تلك الجثث البشرية إلى الأبد، وأيقظت فى خياله صورا عظيمة فى تفاصيلها عن عالم الأموات الذين رحلوا إلى الآخرة وعن حياتهم فيها.
وبدأ أقدم تلك الاعتقادات وأبسطها فى زمن سحيق فى القدم حتى أنه لم يبق لها ذكر بين الآثار التى وصلت إلينا، على أن جبانات سكان وادى النيل فيما قبل التاريخ، وهى التى كشف عنها وقامت فيها الحفائر منذ سنة 1894 ميلادية، تدل على الاعتقاد بالحياة الآخرة بعد الموت قد وصل إلى مرحلة متقدمة من الرقى، وقد حفرت آلاف من هذه القبور الواقعة علىَ طول حافة وادى النيل الخصب، مما يرجع تاريخ أقدمها وجودا بلا شك إلى الألف الخامسة قبل الميلاد، فكان يوجد الجسم البشرى فيها راقدا فى قاع حفرة لا يزيد عمقها على بضع أقدام وركبتها مطويتان تجاه ذقنه، ويحيط به متاع ضئيل من أوانى الفخار والأسلحة الحجرية والأدوات المنزلية الأخرى فضلا عن بضع الحلى الساذجة، وكان المفروض من وضع كل هذه الأشياء بجانبه هو بطبيعة الحال إعداد المتوفى لحياة مقبلة بعد الموت.
اللافت في هذه القضية المحورية، أن بعض الروايات التاريخية التي وصلتنا، سردت لنا اعتقاد المصرى القديم، بأن الشرفاء تُحفظ جثثهم من الفناء والتعفن، بينما الخونة تتفانى جثثهم ويصيبها العفن في القبور المختلفة.
وإلى الآن هذا الاعتقاد سائد، خاصة عند الصوفية، الذين يؤكدون أن الأتقياء وأولياء الله الصالحين، والشهداء، جثثهم لا تتعفن، وتظل بحالتها فى القبور، ولذلك يؤسسون لها ضريحا، يتحول إلى مزار يرتاده الناس، للتبرك، بينما الأشرار والخونة، سرعان ما تتحلل جثثهم ويصيبها العفن، ولا يبقى منها إلا قليل من العظام.
هذه الروايات التاريخية، والمدعمة بالوثائق، والتي تؤكد أن التربة المصرية طاهرة تحفظ جثث الوطنيين الشرفاء، بينما تلفظ جثث الخونة، يبرز السؤال: من هم أكثر خيانة لهذا الوطن مثل جماعة الإخوان الإرهابية..؟! لذلك فإن التربة المصرية تلفظهم، ولا تحفظ أجسادهم العفنة..!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة