الضمير أو ما يسمى الوجدان هو قدرة الإنسان على التمييز فيما إذا كان عمل ما خطأ أم صواب أو التمييز بين ما هو حق وما هو باطل، وهو الذى يؤدى إلى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التى يفعلها الفرد مع قيمه الأخلاقية، وإلى الشعور بالاستقامة أو النزاهة عندما تتفق الأفعال مع القيم الأخلاقية، وهنا قد يختلف الأمر نتيجة اختلاف البيئة أو النشأة أو مفهوم الأخلاق لدى كل إنسان.
الضمير الحى هو ركنُ الرقابة داخل كل إنسان، والضمير الحى هو القاضى والشرطى ورجل الأمن والموظف العام، الضمير الحى هو ميزان الحق والباطل، والصواب والخطأ.
فقد روى أحمد بسند صحيح من حديث وابصة بن معبد قال: أتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد ألا أدعَ شيئًا من البِرِّ والإثم إلا سألتُه عنه، فقال لى: ((ادنُ يا وابصة))، فدنوت منه حتى مسَّتْ ركبتى ركبته، فقال: (يا وابصةُ، أخبرك ما جئت تسأل عنه أو تسألنى؟)، قلت: يا رسول الله، أخبِرنى، قال: (جئتَ تسألنى عن البِر والإثم)، قلت: نعم، فجمع أصابعه الثلاث فجعَل ينكت بها فى صدرى ويقول: (يا وابصة، استفتِ نفسك، البر ما اطمأنَّتْ إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك فى القلب، وتردَّد فى الصدر، وإن أفتاك الناسُ وأفتَوْك).
متى ما كان الضمير حيًّا، ومتى ما كان الإيمان قويًّا، ومتى ما كان الرقيب متنبهًا، كان للإنسان جهازُ استشعار دقيق وحساس، يميز به البرَّ من الإثم، والصالح من الطالح، والنافع من الضار، لكن إذا مات الضمير، وقُتِل الرقيب، وضعُف الإيمان، فكيف للقلب السقيم أن يميز البِرَّ والإثم؟!
فهناك عبارة شهيرة تكتب فى طرقات بعض البلدان:-
(أنت لست وحدك.. كلنا نراك)، وهى رسالةٌ واضحة لإيقاظ هذا الضمير، فإذا عرفتَ أننا نراك فلا تخالف فى الشارع، ولا تُلقِ بالقمامة على الأرصفة، ولا تقطع إشارة المرور، إذا عرفت أننا نراك فلا تُسِئْ فى أفعالك، إذا عرفت أننا نراك فلا تُتلف ممتلكات الدولة أو ممتلكات الآخرين، إذا عرفت أننا نراك فأدِّ عملَك على أفضلِ صورة.
وكلنا يعرف القصة الشهيرة عندما كان يتفقد سيدنا عمرُ بن الخطاب رضى الله عنه رعيته فيجلس عند جدار بيت، فيسمع المرأة وهى تكلم ابنتها وتقول: ضعى الماء على اللبن ليزداد فنبيعه، فتقول الفتاة: يا أماه، هذا أمر لا يرضاه أمير المؤمنين عمر، فتقول الأم: وما يدرى أمير المؤمنين بما نصنع، فتقول الفتاة: إن كان أمير المؤمنين لا يعلم، فربُّ أمير المؤمنين يعلم، وعمر الفاروق رضى الله عنه يسمع ذلك الحوار، فيصبح الصباح ويرسل إلى أهل هذا البيت ليخطب تلك الفتاة صاحبة الضمير الحى إلى ولده عاصم، فيرزقهم الله ذرية مباركة، يخرج منها الخليفةُ الراشد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله.
وصدق الله العظيم حيث قال فى كتابه الكريم:-
{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}
فتلك الآية تربى المؤمن على المراقبة والشعور بأن الله يراقب أفعاله وأقواله هذه الآية تهز وجدان الإنسان، وتفعل فى نفسه ما لا تفعله سلطات الدنيا، ولا أحدث التقنيات فى عالم المراقبة، فالمراقبة حارس قوى يمنع الإنسانَ من التفكير فى الجرائم والشرور، والتقصير فى أداء الحقوق والواجبات يدفعه الى الأعمال الصالحة النافعة المفيدة لنفسه ولوطنه.
إن الأمم لا تتقدم وترتقى بكثرة القوانين واللوائح والقرارات، إنما ترتقى برقى الضمائر، فبعض الناس ماتت ضمائرهم، والبعض نامت ضمائرهم، وآخرون تعفَّنت ضمائرهم، وهناك مَن باع ضميره، ونحن نرى أصنافًا من هؤلاء اليوم، نرى المسئول الذى باع من أجل حفنة من الأموال، الإعلامى الذى باع ضميره ووطنه واشترى به ثمنًا بخسًا من أجل جماعة أو تنظيم يدبر المكائد للبلاد ويقيمون فى أفخر الفنادق ويأكلون أشهى أنواع الطعام وقد ماتت ضمائرهم.
فما أحوجنا إلى إيقاظ الضمير؟ ما أحوجنا إلى إحياء الضمير؟ ما أحوجنا إلى تنبيه الضمير؟ ليعود بالإنسان إلى حياته عاملاً فاعلاً متواصلاً مثمِرًا مجتهدًا.
فالدعوة موجهة لنا جميعاً لعودة
الضمير الحى فهو ما تحتاجه الأمة من أبنائها، فهلمُّوا إلى حملة إحياء الضمير؛ لنعيد لبلادنا حاضرها، ونمتلك زمام المستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة