"لحكاية مش حكاية السد.. حكاية الكفاح اللى ورا السد .. حكايتنا احنا" 60 عاماً مروا على بداية الحلم.. حلم البناء.. حلم النهضة.. ذلك الحلم الذى راود أبناء جيل كامل، هو جيل الزعيم جمال عبد الناصر، اتفقوا جميعهم على أنه لا بديل عنه، لذلك هبوا إلى ساحة المعركة والبناء، إلى بوابة مصر الجنوبية، حيث السد العالى، التعب والسهر والمرض وربما الموت كانوا رفقاء فى تلك الرحلة، لكنهم لم يهزوا عقيدة هؤلاء الشباب، فقد كان الانتماء هو الحافز، الذى دفعهم إلى بذل الجهد والعرق، بل والتضحية بأرواحهم؛ من أجل مصر.. مصر الحبيية .. مصر التى وضعوها نصب أعينهم وفى قلوبهم وعقولهم، ليأكدوا بعد 60 عاماً، أنهم كانوا يعتبرون ولا يزالون أن السد العالى هو حلمهم ومشروعهم الشخصى قبل أن يكون القومى، الذى تحقق إنجازه بسواعدهم.
على مر التاريخ ستظل بطولات كل من شاركوا فى بناء السد العالى لا تقل عن بطولات من شاركوا فى نصر أكتوبر المجيد، فقد كانت الزراعة قبل وجوده تمر بمرحلتين، يأتى الفيضان فيغمر الأراضى الزراعية، وتتلف المحاصيل، أو لا يأتى الفيضان فتؤدى قلة المياه المطلوية للزراعة إلى انهيار المحاصيل وبور الأرض.
وحاول المصريون علاج الأزمة بإقامة مشروعات تخزين مثل خزان أسوان وخزان جبل الأولياء على النيل فى السودان قبل أن تنفصل عن مصر، للتحكم فى إيراد النهر المتغير، كما أقيمت القناطر على النيل لتنظيم الرى إلا أن التخزين السنوى لم يكن علاجاً جزئياً لضبط النيل والسيطرة عليه، فإيراد النهر يختلف اختلافاً كبيراً من عام إلى آخر إذا قد يصل إلى نحو 151 مليار متر مكعب أو يهبط إلى 42 مليار متر مكعب سنوياً، حتى تقدم اليونانى أدريان دانينيوس بمشروعه عدة مرات لحكومات ما قبل ثورة يوليو، غير أنه لم يلق أى استجابة، وفى عام 1953 قرر عرض مشروعه على الحكومة ببناء سد فى أسوان لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربائية منه.
وحظى المشروع بإهتمام كبير من القيادة آنذاك وتم تكليف قائد الجناح جمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة بتولى مسئولية المشروع إلى جانب الفنيين فى المجالس والهيئات المتخصصة الذين تولوا مسئولية الدراسات، وفى عام 1954 تقدمت شركتان هندسيتان من ألمانيا بتصميم المشروع، وقامت لجنة دولية بمراجعة هذا التصميم وأقرته وتم وضع مواصفات وشروط التنفيذ.
وبلغت التكاليف المبدئية للمشروع 400 مليون جنيه، وطلبت مصر فى البداية من البنك الدولى تمويل المشروع وبعد دراسات مستفيضة أقر البنك الدولى جدوى المشروع فنياً واقتصادياً، وفى ديسمبر 1955 تقدم البنك الدولى بعرض لتقديم معونة بما يسادوى ربع تكاليف انشاء السد إلا أنه سحب العرض فى 19 يوليو بعد ضغوط انجلترا وفرنسا وأمريكا.
وفى 1956 قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس والاستفادة من إيرادتها فى تمويل المشروع، والتوجه نحو الاتحاد السوفيتى حيث تم توقيع اتفاقية معه فى 1958 لإقراض مصر نحو 400 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الأولى من السد وفى 1959 قام الخبراء السوفييت بمراجعة تصميمات السد واقترحوا بعد التغييرات البسيطة التى كان من أهمها تغيير موقع محطة القوى، واستخدام تقنية خاصة فى غسيل وضم الرمال عند اتخدامها فى بناء جسم السد، وفى أغسطس 1960 تم التوقيع على الاتفاقية الثانية مع الاتحاد السوفيتى لاقراض مصر 500 مليون روبل اضافية لتمويل المرحلة الثانية من السد.
اليوم ترصد فى فيلم وثائقى شهادات من شاركوا فى بناء السد العالى عن تفاصيل وكواليس مشروع القرن، وأيضاً ما يوضحه القائمين حالياً على هذا المشروع بداية يقول المهندس حسين جلال رئيس هيئة السد العالى، أنه فى شهر يناير يتم الإحتفال بالذكر السنوية لوضع حجر أساس السد العالى والعيد القومى لمحافظة أسوان وهو نفسه عيد ميلاد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، موضحاً أنه فى هذه الأيام نحتفل بمرور 60 عاماً على بناء السد العالى.
ويشير جلال إلى أنه فى مايو عام 1964 تم تحويل مجرى نهر النيل لبناء السد العالى وغلق المجرى القديم ودخول المياه من خلال الأنفاق لتوليد الكهرباء ودخولها فى مجرى الجديد، وفى أكتوبر1967 حدث انطلاق أول شرارة كهرباء وتشغيل محطة كهرباء السد العالى.
ويوضح جلال أن السد العالى بعد انشاءه خلق بحيرة كبيرة جداً وهى بحيرة ناصر التى يصل طولها إلى 500 كيلو متر وعرضها المتوسط 13 كيلو متر منها 350 كيلو متر داخل الحدود المصرية، و150 كيلو متر داخل الحدود السودانية ، موضحاً أن دورهم فى هيئة السد العالى المحافظة على جودة ونوعية المياه الموجودة فى بحيرة ناصر.
ويستكمل المهندس محمد فرج الله نقيب المهندس فى محافظة أسوان، " عاصرت السد العالى منذ بداية حياتى العملية فقد كان انتاج الكهرباء من السد العالى يغطى معظم الجمهورية، لأنه تقريباً لم يكن موجود سوى السد العالى وبعض المحطات الصغيرة التى تنتج كهرباء عن طريق المياه مثل أسوان 1 وأسوان 2 وإسنا.
ويبدأ المهندس رمضان أحمد أحد الجيولوجيين الذين شاركوا فى بناء السد العالى حديثة قائلاً: "اللى مدخلش السد العالى يبقى مشفش حاجة.. فهو بالنسبة له عبارة عن قنطرة أو كوبرى بيمر عليه.. لكن العظمة كلها فى بطن السد العالى وما تم من أعمال داخله.. متذكراً أن جميع من شاركوا فى بناء السد كانوا إخوة وأصدقاء".
ويروى مصطفى حسن أحد بناة السد العالى قائلاً: "عندما ذهبت للمشاركة فى بناء السد العالى كنت متزوج منذ عام واحد فقط وتركت زوجتى وأهلى وذهبت لبناء السد العالى، وكان الموت جارى، ورأيت الرئيس جمال عبد الناصر مرتين وسلمنا عليه.. وكنا نغنى شمس العصارى.. ياللى بلادك بعيدة.. ده الحنة فى النخيلة والعاشق فى أبو تيج ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة