تحتفل الكنائس القبطية، الليلة، بقداس "عيد الغطاس المجيد"، إذ يترأس البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، صلوات "لقان عيد الغطاس" بالإسكندرية، و"الغطاس" هو عيد تعميد المسيح فى نهر الأردن، وهو من الأعياد السيدية الكبرى فى الكنيسة، وترتبط به عدة طقوس ومسميات، من بينها "برامون"، و"لقان"، وكلها أسماء لطقوس وصلوات ترتبط بهذا العيد.
الأنبا رافائيل: "معمودية المسيح" لها عدة أسماء
يشرح الأنبا رافائيل، سكرتير المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية وأسقف كنائس وسط القاهرة، معنى "الغطاس" فى عظة مسجلة، قائلاً إن عيد الغطاس هو ذكرى معمودية المسيح، وللعيد عدة أسماء، منها الغطاس، لأن الآباء الأوائل استوعبوا مبكّرا أن المعمودية لا تتم إلا بالغطس فى الماء، أما الاسم الثانى هو "عيد الإبيفانيا"، وهى كلمة يونانية تعنى الظهور، وهو لفظ يُستخدم فى الحياة العامة للتعبير عن زيارة شخصية عظيمة كالإمبراطور حين يحضر احتفالات، فيقال "إبيفانيا"، لأنه ظهر ورآه الناس، وتعنى هنا "الظهور الإلهى"، والاسم الثالث هو "عيد الثيؤفانيا"، وكلمة ثيؤس تعنى الله، والكلمة كلها تعنى "الظهور الإلهى" أيضًا.
ويضيف الأنبا رافائيل فى عظته: "الاسم الرابع هو عيد الأنوار، لأن العصور القديمة شهدت غطس المسيحيين فى نهر النيل عقب القداس، وأحيانًا كانت الكنائس تضم مغطسًا يغطسون فيه للتبرك بمعمودية المسيح، وكان الناس يمسكون شموعًا، فسُمِّى عيد الأنوار، لأن المعمودية فى الفكر المسيحى هى الاستنارة، ونُلبس المعمَّد اللون الأبيض، ونزفه، لأنه حصل على استنارة الروح القدس".
ويتابع الأنبا رفائيل عظته عن عيد الغطاس، بالقول: "فى القرون الأولى كانوا يحتفلون بعيد الغطاس مع عيد الميلاد، لأن ميلاد المسيح هو ظهور أيضًا، ثم صرنا نحتفل بهما كعيدين مختلفين"، مشيرًا إلى أن عيد الغطاس يفتح بابًا كبيرًا للتأمل الروحى، وأن المسيح حين عُمِّد فى نهر الأردن، نزل ليقدس المياه ويؤسّس سر المعمودية فى الكنيسة، وهو باب الأسرار، مختتمًا العظة بالقزل: "كل نعمة نعيشها كمسيحيين، تنبع من سر المعمودية، وننمى سر المعمودية بالتناول والتوبة".
برامون الغطاس.. صوم فوق العادة
قبل عيدى الميلاد والغطاس، تقال فى الكنائس كلمة "برامون الميلاد"، أو"برامون الغطاس"، كجزء من لغة يونانية دارجة فى الأوساط الكنسية، وكلمة "برامون" اليونانية وردت أول ترجمة عربية لها فى المراجع القبطية خلال القرون الوسطى، بمعنى "فوق العادة"، إلا أن هذا التفسير ظهر وقت ضعف الإلمام باللغة اليونانية، ولم يعتمد على قاموس بقدر ما كان وصفًا لاختلاف طريقة الصوم فى هذا التوقيت عن باقى أيام الصيام التى تسبقه، لكن هذا المعنى هو الأكثر انتشارًا حتى الآن.
وفقًا لموقع "تكلا هيومنت" المتخصص فى القبطيات، فإن كلمة "بارامون" مشتقة من الفعل " بارامينو"، ومعناه "ثبت - استمر - داوم"، أما كلمة "برامونى" حينما تأتى اسمًا فإنها تفيد واحدًا من تلك المعانى: "الاستمرار فى الخدمة (للعبيد) - أو الثبات والمداومة - أو السهر والترقب"، ولهذا تطلق عليه الكنيسة "الاستعداد" أو "السهر"، خصوصًا أن السهر مصطلح ورد على لسان المسيح يفيد "الجهاد الروحى".
ينتمى "صوم الميلاد"، الذى يسبق عيد الميلاد المجيد، لما يُعرف بـ"أصوام الدرجة الثانية"، التى يُسمح فيها بأكل السمك، ولا تشترط الانقطاع عن الأكل والشرب، لكن أيام "البرامون" التى تسبق عيدى الميلاد والغطاس، يكون صيامها من الدرجة الأولى، إذ لا يُسمح فيها بأكل السمك، ويُصام فيها صومًا انقطاعيًا عن الأكل والشرب حتى المساء، كما تُصاحب أيام البرامون قراءات خاصة فى الكنيسة، وتختلف بحسب مدة أيام البرامون.
اللقان.. ماء الاغتسال فى الكنيسة
"صلاة اللقان" إحدى الصلوات المرتبطة بعيد الغطاس المجيد أيضًا، ويقول القمص عبد المسيح بسيط، كاهن كنيسة العذراء، إن كلمة "اللقان" اسم يونانى للإناء الذى يوضع فيه الماء للاغتسال، وتعنى وعاء، وتوجد نماذج له فى كنائس مصر القديمة على شكل وعاء من الحجر أو الرخام، مثبت فى أرضية الكنيسة، بينما توضع المياه فى الوقت الحالى فى وعاء عادى، ويصلى عليها الكاهن.
ويوضح القمص "بسيط" فى تصريح لـ"اليوم السابع"، أن طقس اللقان يرتبط غالبًا بالأعياد ذات الصلة بالماء، إذ تهدف الكنيسة من طقس اللقان فى عيد الغطاس، أو "الظهور الإلهى"، أن تتذكر معمودية السيد المسيح، وفى قداس "خميس العهد" يقام اللقان، لتذكر تواضع السيد المسيح حينما انحنى ليغسل أرجل تلاميذه، ويقام الطقس نفسه فى عيد الرسل، لأن الرسل تشبهوا بالمسيح فى الخدمة.
وفى عيد الغطاس، تُقرأ النبوات من العهد القديم، من "كتاب صلوات اللقان"، ويقوم الكاهن بـ"رشم الصليب"، أو وضعه على جباه الرجال بعد الصلاة على المياه، كرمز للاغتسال من الخطية، كما يرتبط عيد الغطاس لدى الأقباط المصريين بأكل القلقاس والقصب، وللاثنين دلالات مسيحية، فالقلقاس لا يؤكل إلا بعد نزع قشرته الخارجية كما حدث مع المسيح قبيل تعميده، وهو رمز التطهر من الخطيئة، أما القصب فيمتاز بكثرة السوائل داخله، ويرمز أيضًا لماء المعمودية، وذلك وفقًا لما أكده الدكتور مينا رسمى عبد الملك، عضو المجمع العلمى المصرى، لـ"اليوم السابع".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة