"لنستبدلها بصفقة ترامب".. هكذا قال رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، تعليقا على الاتفاقية النووية، والتى أبرمتها القوى الدولية الكبرى، مع إيران، برعاية الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، فى خطوة تمثل أول تأييد أوروبى لرؤية الإدارة الأمريكية الحالية، والتى ترغب فى إبرام اتفاق جديد، يقوم فى الأساس على توسيع نطاق القيود المفروضة على الحكومة الإيرانية، بحيث لا تقتصر على السلاح النووى، وإنما تمتد إلى كافة صور التسليح الأخرى.
إلا أن التصريح البريطانى، والذى يتعارض، على الأقل رسميا، مع المواقف الأوروبية الأخرى، وعلى رأسها الموقف الألمانى والفرنسى، تجاه الاتفاقية النووية، يطرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت المسألة الإيرانية سوف تفتح مسارا جديدا لدور قيادى للندن على المستوى القارى، رغم انشقاقها عن الاتحاد الأوروبى، عبر دعم الرؤية الأمريكية، بالإضافة إلى ضعف مواقف القارة العجوز سواء فى حماية الصفقة التاريخية مع طهران من جانب، أو فشلها فى الدفاع عن الدولة الفارسية بعد مواقفها الأخيرة، وعلى رأسها إسقاط الطائرة الأوكرانية بصاروخ تزامنا مع الهجوم على قواعد عسكرية أمريكية بالعراق، للثأر من استهداف واشنطن لقاسم سليمانى.
وهنا تدور المعضلة حول هوية الموقف البريطانى من إيران، ما إذا كان من الممكن النظر إليه باعتباره موقفا أوروبيا، بحكم الموقع الجغرافى، رغم الطلاق البريطانى من الاتحاد الأوروبى، والمقرر دخوله إلى حيز النفاذ فى وقت لاحق من هذا الشهر، فى ظل التهديدات التى تواجهها أوروبا جراء التوتر الأمريكى الإيرانى، أم أنه موقف أمريكي خالص، بحكم التقارب الكبير بين واشنطن ولندن، ليس فقط على مستوى العلاقات السياسية القوية بين جونسون وترامب، ولكن أيضا بالنظر إلى الكثير من الاعتبارات الأخرى، وعلى رأسها اللغة المشتركة، والجذور المتقاربة بين البلدين، خاصة وأن أمريكا كانت يوما ما مستعمرة بريطانية.
مقترح جونسون يحمل فى طياته مقدمة لدور بريطانى يبدو مؤثرا إلى حد كبير فى المستقبل القريب، متجاوزا المسألة الإيرانية، ليتحول نحو العودة إلى فرض قيادة بريطانيا للقارة العجوز فى كافة القضايا الدولية والإقليمية، من خارج الاتحاد الأوروبى، خاصة بعدما قدمت لندن ما يمكننا تسميته بـ"قربان" التقارب مع إدارة ترامب، عبر خروج سريع ومؤثر من الاتحاد الأوروبى، ليكون اللبنة الأولى فى انهيار الكيان المشترك، والذى يراه الرئيس الأمريكى باعتباره خصما رئيسيا له، ومنافسا يمكنه مزاحمة واشنطن على قمة النظام الدولى فى المرحلة المقبلة.
جونسون، والذى يعد أكثر الساسة البريطانيين عداء لأوروبا الموحدة، أدرك حقيقة مفادها أن الوحدة الأوروبية لا تؤدى إلى عودة بريطانيا إلى سابق عهدها باعتبارها الذراع الأقوى لواشنطن فى القارة العجوز، فى ظل وجود قوى أخرى تبدو أكثر إيمانا بالاتحاد الأوروبى، وعلى رأسها ألمانيا (ميركل) وفرنسا (ماكرون)، وبالتالى فتبقى قيادة أوروبا من خارج اتحادها هو السبيل الأمثل للحكومة البريطانية فى المرحلة المقبلة، سواء عبر الناتو، أو المسألة الإيرانية، أو غيرها من القضايا الدولية التى تمثل اهتماما مشتركا بين أوروبا ولندن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة