هناك قصص كثيرة، قد تضيف المقدمات البلاغية الممشوقة قيمةً ووزنًا للنص والموضوع الأصلى، لكن بعض الحكايات لا تناسبها تلك المقدمات، ولا غيرها، فهى حكايات لا يجب أن يقدمها إلا أصحابها، ولا يصح أن تُصاغ لها مقدمات تغير مرارة الكلمات، أو تبرز مشاعرًا على حساب أخرى، حكاياتٌ تفرض عليك -من قسوتها- أن ترويها كما رواها أصحابها، بلا مقدمات، وبلا تعليق، هكذا تكون أصدق، وأكثر تأثيرًا.
حكاية فاطمة
ظلت "فاطمة أحمد" لليالٍ طويلة ترى مناما مزعجا بأنها مصابة بالسرطان، وأنها تتلقى علاجها بمعهد الأورام، تكررت هذه الرؤية كثيرا، رغم أنها ظلت طوال 60 عاما، لم تزر الأطباء، أو تتلقى دواءً، إلا نادرا، قائلة: "أنا طول عمرى قلبى جامد، وأخر حاجة أفكر فيها إنى أزور الطبيب، لو حتى بطنى بتتقطع، محبش حد يشوفنى عيانة أو ضعيفة".
مدام فاطمة أحمد
لكن القدر كان يخبىء لمُعلمة اللغة العربية مفاجآة قاسية، فالألم البسيط الذى ظهر تحت ذراعها وتزامن ظهوره مع المنام المزعج، كان يتردد فى بالها دائما أنه "السرطان".
"أنا خفت جدا بعد ما شفت إعلان لرجاء الجداوى بتقول فيه للستات إنهم لازم يروحوا يكشفوا لو حسوا بأى حاجة، مش عارفة ليه فى اللحظة دى كنت متأكدة إنى عندى سرطان، لدرجة إن الدكتور اللى رحتله كان بيقولى إنه مستغرب أنا ليه متأكدة إنه سرطان".
تحاليل وآشعة كثيرة أجرتها فاطمة، كان يرافقها فيها ابنها وابنتها، حتى جاءت ليلة ظهور نتيجة التحاليل.
"الدكتور اتصل بيا ليلة وقفة العيد سنة 2011 وقالى تعالى أنا عايزك، وأول مادخلت عليه قالى يا حاجة فاطمة تحبى تعيّدى معايا ولا وسط ولادك، قلتله أنا عندى سرطان؟، قالى أه، قلتله الحمد لله، أنا جاهزة أعيّد معاك، وطبعا كان يقصد وقتها إن أعيّد فى غرفة العمليات، وبالفعل اتحقق المنام بالكامل، لدرجة إنى عملت العملية فى معهد الأورام اللى شفته فى الحلم".
5 عمليات لإزالة أورام فى مناطق مختلفة أجرتهم فاطمة على مدار سنوات، منهم 3 عمليات دون مخدر.
"أنا كنت بحس بالدم وهو داخل ودانى وماشى على عنيا، وللأسف كان صعب أخد مخدر لإنه خطر على القلب، وبعد الخمس عمليات، قررت أرجع تانى زى ماكنت، لا أروح لدكتور تانى، ولا أعمل تحاليل تانى، وأسيبها على الله".
9 سنوات منذ اكتشاف فاطمة إصابتها بالسرطان، مرت فيها بلحظات قاسية كثيرة.
"أصعب موقف عدى عليا، كان لما رحت لزوجى أول ماعرفت إنى عندى سرطان وقلتله الخبر، فرد عليا بكل برود: "إيه ده! سرطان! يعنى هتموتى؟".
قالت فاطمة وعينيها دامعتان: "فى اللحظة حسيت إنى فعلا هموت، هموت من الكلمة مش من السرطان، وعرفت إنى لوحدى، وإن اللى شفته معاه على مدار 25 سنة جواز كوم، واللى هشوفه معاه من دلوقتى كوم تانى".
مدام فاطمة أحمد
كانت صدمة فاطمة فى زوجها كبيرة، نظراتها إلى أبنائها كانت مليئة بالخوف على مستقبلهم..
"هل فعلا هموت، ولو مت، أبوهم اللى باعنى فى وقت مرضى هيعمل معاهم إيه"، لكنها قررت ألا تستسلم للمرض، وأن تكمل المشوار ولو بمفردها، حتى تتعافى من أجل أبنائها، وفى الوقت الذى كان زوجها يعاملها بأبشع الطرق، ويجرحها بكلماته القاتلة أمام ابنها وبنتها، كانت فاطمة تعيش رحلة العلاج محاولة التماسك أمام نفسها، وأمام أبنائها.
تحكى فاطمة عن أصعب أيامها مع زوجها: "فى يوم بدأ شعرى يقع، وهو خد باله، فبدأت أحط طرحة على رأسى عشان بصاته ليا كانت بتوجعنى، وفى يوم واحنا قاعدين راح شادد الطرحة من فوق رأسى، وقال لبنتى إلحقى أمك بقت قرعة، يومها نمت وأنا ببكى وصحيت لقيتنى مريضة ضغط، كان بيعاملنى أسوأ معاملة، كلام وحش، وسخرية، وأذى، لدرجة إنه لما كان يشوفنى مش قادرة أكل وأقول لبنتى شيلى الأكل، كان ياخده ياكله هو، ويقولها خلاص براحتها".
واجهت فاطمة الكثير من المتاعب بقلب قوى، وعزيمة مؤمنة بقضاء الله وقدره، وظلت متحملة الأى من أجل أبنائها، حتى فوجئت ذات يوم بخبر زواجه من أخرى.
"عرفت إنه اتجوز بالصدفة، واحدة من أهله وقعت أدامى بالكلام، قلتله طب إنت متجوز عليا، وأنا ياسيدى راضية، ليه بقى بتعاملنى وحش، طب ماتطلقنى وخلاص، قالى أطلقك ليه، مش يمكن لما تموتى أخد معاشك، بكيت وقلتله حرام عليك، طلقنى وريحنى، راح مطلقنى، وساب البيت ومشى، ومنع عنى وعن أولاده كل قرش كان بيدفعه".
كانت فاطمة تعانى خلال فترات علاجها بكثير من الأزمات المفاجئة، وذات يوم طلب منها الطبيب إجراء عملية عاجلة بسبب وجود حصوة كبيرة فى القناة المرارية قد تتسبب فى وفاتها، لم يكن معها مال يكفى، اقترحت ابنتها الاتصال بالزوج وسؤاله، معتقدة أن قلبه قد يحن، ولكن المفاجأة كانت متوقعة لدى الأم.
"راحت بنتى كلمت باباها، قالتله ماما بتموت ومحتاجة فلوس، قالها ملكوش عندى فلوس، أمكوا كده كده هتموت، ليه أصرف عليها".
وتستكمل فاطمة ذلك اليوم الصعب: "وقفت يومها أدام باب المستشفى وقلت يارب أرجوك بلاش تحوجنى لحد، ودعيت وأنا ببكى، ودخلت غرفة العمليات لإجراء أخر آشعة قبل العملية اللى كنت هستلف فلوسها، وكانت المفاجآة التي وجدها الأطباء، الحصوة الكبيرة نزلت لوحدها، والعملية اتلغت، وربنا وقف جمبى، ومستلفتش فلوس من حد".
مدام فاطمة وابنتها
مرت السنوات على فاطمة ثقيلة، كل أقاربها قطعوا علاقتهم بها، وامتنعوا عن زيارتها، اعتقادا منهم أن السرطان مرض معدى، صديقتها "إيفيلن" فقط هى التى ملأت وحدتها، كانت تزورها أسبوعيا لتعد لها الطعام، وتساعدها فى ترتيب المنزل، وتجالسها لساعات طويلة، وابنتها الشابة انفصلت عن خطيبها الذى أرهقه اهتمامها الزائد بأمها وكان يزعجه ذلك، فقررت الفناة الانفصال عنه: "بنتى سابت خطيبها عشانى، لأنه كان بيقولها أنا مليش ذنب إن أمك عندها سرطان، خافت يبعدها عنى بعد الجواز فقررت تسيبه وترفض كل اللى بيتقدموا ليها، نفسى تلاقى واحد يعوضها اللى اتحرمت منه فى أبوها، ودى دايما دعوتى ليها، روحى يابنتى ربنا يرزقك بالراجل اللى يقف جمبك ويفضل ضهرك وسندك لأخر يوم".
اتصال من أحد جيران طليق فاطمة، فى يونيو 2019، كان يحمل لها مفاجأة أخرى: "زوجك محتاجك جدا، وبيقولك إنه عايز يشوفك ضرورى دلوقتى".
أخذت فاطمة ابنتها وذهبت إليه: "رحت لقيته راقد على السرير ورجليه وارمة ومش قادر يتنفس ولا يتحرك، جاله القلب، وتعب ورقد، ومراته التانية سابتله البيت ومشيت أول ماتعب، بصلى وقالى: "أنا عايزك ترجعيلى، خدى كل اللى انتى عايزاه وارجعيلى، أنا محتاجلك، قلتله أنا أسفة مش هقدر، إنت بعتنى وقت شدتى، وأنا مش هعرف أعيش معاك لحظة واحدة تانى، قالى هكتبلك البيت، افتحى الدرج ده هتلاقيه مليان فلوس، خدى منه كل اللى انتى عايزاه، قلتله مش عايزة حاجة، انا هجيبلك خدامة على حسابى، وهبعتلك كل يوم أكلك اللى الدكتور كاتبهولك، وهبعتلك ولادك يطمنوا عليك، لكن رجوع مش هرجعلك".
وبالفعل أخذته لطبيب شهير، واطمأنت على استقرار حالته، والتزمت بإرسال الطعام له يوميا، وألزمت أبنائه بزيارته بشكل دورى، وفى كل المناسبات للإطمئنان عليه لكنها لم تنسى ما فعله بها: "للأسف هو مارحمنيش وقت شدتى، لو هو كان حصله كده قبلى، مكنتش هسيبه، وكنت هقف جانبه، بس دلوقتى أنا بس بعمل بأصلى وبتربيتى، لكن مش هقدر أرجعله، والحمد لله على كل شيء، أنا مش شمتانة فيه، لكن ربنا إسمه العدل، ودى حكمة للجميع مش ليا بس ولا ليه، كما تدين تدان".
حكاية بسمة
في الغرفة 205 بأحد مستشفيات القاهرة، جلست بسمة تنتظر دخول الطبيب المعالج بعد جلسات التسكين الكثيرة لألام ظهرها، وفى الوقت المحدد دخل الطبيب.
نده الطبيب "مدام بسمة وهدان"، فردت الفتاة ابنة الـ27 عاما: "أيوه يادكتور أنا بسمة وهدان"، بعد دقيقتين كان صوت بسمة وصراخها يملأ الدور بالكامل، أبلغها الطبيب أنه قد حدد لها ميعاد أول جلسة علاج كيماوى، فصرخت فى وجهه: "علاج كيماوى إيه أكيد حضرتك غلطان، أنا معنديش سرطان، أنا عندى ورم حميد"، فرد هادئا: "لا حضرتك عندك سرطان، ومن نوع نادر، الورم اللى فى ضهرك ده خبيث، وخلاياه شرسة جدا، ولازم نبدأ جلسات سريعا".
بسمة وهدان
استعدت بسمة لإبلاغ زوجها، وعندما جلست معه، حكت له ما حدث وهى تبكى فرد عليها بهدوء صدمها، وكلمات أقل مما كانت تنتظر وتتقوع، ظلت هى تبكى ولا تعلم لماذا لم يحضنها، ولماذا لم يمسح دموعها، ولماذا لم يطمئنها بالكلمات التى تنتظرها فى لحظة كهذه.
إجابات هذه الأسئلة جميعا جاءت متتابعة، الإجابة الأولى كانت في الأيام التالية لتلك الواقعة: "كان لازم أروح يومها أعمل أشعة جديدة، وقبل ميعاد نزولى لقيته ساب البيت ونزل ومبيردش عليا، فضلت أدور على حد يروح معايا ملقتش إلا أخويا".
اختلفت طريقة الزوج وتزايدت قسوته على زوجته المريضة يوما بعد يوم: "أنا كنت فاكرة فى الأول إنه مخضوض أو خايف، وإنه شوية وهيرجع لعقله وهييجى يقف جانبى، كان لازم أصبر عليه، لكن فجأة لقيت لغته معايا بتتغير، بدأ يقولى كلام صعب عليا، هددنى بإنه هيتجوز عليا، ولما قلتله لأ أنا مش موافقة، قالى ليه هو إنتى فاكرة نفسك ست؟".
كانت جلسات العلاج الكيماوى والإشعاعى التى تأخذها بسمة قوية ومؤلمة.
"أنا كنت باخد نوعين العلاج لأن حالتى كانت متأخرة، الدكاترة نفسهم كانوا بيقولوا إنى هموت ومش هقدر أتحمل، كان الألم فوق الخيال، جلدى كان بيطلع فى الهدوم وأنا بقلعها، وزوجى كان بيطلع روحى من جوايا مع كل نظرة أو كلمة قاسية بيقولهالى".
ظلت بسمة متحملة معاناتها على أمل تغير الحال، وذات يوم فرغ صبرها، واندفعت مشاعرها أمام الزوج: "حرام عليك إنت ليه بتعمل معايا كده، أنا مراتك وأم بنتك، أقف جانبى، خليك حنين عليا"، فجاء الرد: "منا واقف جمبك، أعملك إيه تانى، إحمدى ربنا إن لسه مطلقتكيش، واحد غيرى كان ساب البيت وطفش، أنا ذنبى إيه أعيش مع واحدة مريضة سرطان".
صرخت بسمة في وجهه، واندفعت دموعها بقوة صوتها، فعاقبها الزوج بأقسى مما تتخيل.
"اليوم ده أتضربت ضرب مش ممكن حد يتخيله، إهانة وشتيمة بكل الألفاظ، قلتله ليه تعمل فيا كده حرام عليك، قالى أصل إنتى فاكرة نفسك ست، ومش عارفة إنى متحملك وجاى على نفسى".
بسمة وهدان
طلقها زوجها غيايبا، وامتنع عن أداء حقوقها وحقوق الطفلة المادية، بل حدث ما هو أصعب: "اتصلت بيا بنتى وقالتلى بابا جاب عماتى وتيتا وقالهم ياخدوا لبسك ودهبك وكل حاجتك من الدولاب".
فوضت بسمة أمرها إلى الله واستكملت مشوار العلاج الصعب، وتحملت كل الأعباء المادية والصحية، وبعد 4 سنوات تقريبا كتب الله لها الشفاء بعد أن كان كل الأطباء يعتبرون الشفاء لمثل حالتها بالتحديد "معجزة".
بعد الشفاء قررت بسمة أن تعمل فى مجال التوعية بأمراض السرطان، انضمت بعدد من الجمعيات، وحققت نجاحات كبيرة في العمل الخيرى والتطوعى، وأنجزت رسالة ماجيستير بالجامعة الأمريكية فى مجال التوعية بمرض السرطان، وحققت فيها نجاحا وتفوقا كبيرا.
بسمة أثناء حفل حصولها على الماجيستير
لكن الزوج لم يتوقف عن مفاجآته لبسمة، وعاد مؤخرا محاولا التواصل معها، ووسط كثيرين ليقنعوها بالعودة، وطلب منها ذلك برسائل على هاتفها، لكنها دائما ترفض وترد: "أنا مش عايز أرجعلك، أنا خلاص قررت إن اللى باعنى وأنا محتاجاه مش هعرف أعيش معاه تانى، أنا لو كنت قطة متهيألى كان بقى رحيم بيا أكتر من كده".
كانت التجربة صعبة ومريرة على بسمة، لكنها خرجت منها إنسانا أخر: "أنا لو قابلته فى الشارع دلوقتى هقوله شكرا، شكرا أوى أوى، كتر ألف خيرك، إنت خلتنى إنسانة تانية، خلتنى أقوى وأنجح، لولا مرضى مكنتش عرفتك على حقيقتك، ولولا إنك كشفت لى حقيقتك، مكنتش دلوقتى هتحدى المرض وأتعالج، واشتغل، وأنجح، وأعمل ماجيستير، واتكرم من كل جمعيات مصر، شكرا من قلبى".
حكاية حنان
مع عدة مريضات فى غرفة واحدة جلست "حنان" تنتظر بدء جلسة العلاج الكيماوى لتبدأ رحلة ألم جديدة، لكنها هذه المرة جاءت وحدها دون أحد لأنها قررت أن تكون قوية أمام الجميع، وألا يشاركها أحد فى ألامها.
"كنت كل مرة ببص على الستات اللى جانبى، كل واحدة فيهم معاها زوجها، وعشان محدش ياخد باله إنى ببص عليهم، كانت عنيا دايما تروح على باب الأوضة، كنت دايما بتخيل إن الباب بيتفتح، وإن زوجى داخل منه، لكن للأسف، كل مرة الجلسة تخلص، والباب ميتفتحش، وهو ميجيش".
مدام حنان
ظلت حنان ذات الـ 38 عاما فى سنوات زواجها الأولى تحلم هى وزوجها بالطفل الأول، لكن الله لم يكتب لهما الإنجاب لعدة سنوات، ومع الدعوات والصلوات فتح الله لهما الباب المغلق، أنجبا الطفل الأول "ياسين"، وبعده بعام واحد حملت فى "هويام"، كانت فرحة الزوح كبيرة، ولكن!
"وأنا برضع "ياسين" أثناء فترة الحمل الثانية، حسيت بألم فى صدرى، رحت كشفت، الدكتور طلب إجراء عملية لاستئصال غدد لبنية، لكن المفاجأة اللى اكتشفتها بعد العملية وتحليل الجزء المستأصل، إنى عندى سرطان ثدى، وإنى لازم استأصل صدرى بالكامل".
كانت الصدمة كبيرة على حنان، لكنها قررت أن تخفيها قليلا وتتماسك أمام والدتها وشقيقها داخل العيادة.
"وطلبت منهم أروح البيت لوحدى ومحدش ييجى معايا، يومها مشيت مسافة عمرى ما مشتها على رجلى، كنت بكلم ربنا وأقوله ليه يارب، ليه تدينى الأطفال، وتدينى معاهم السرطان".
وصلت حنان إلى البيت يومها منهكة وشاحبة الوجه، كان الزوج لم يعرف بعد نتيجة التحاليل، انتظرته حتى عاد من عمله وجلست إلى جواره.
"قلتله أنا عندى سرطان، والدكتور قالى إنى هشيل صدرى بالكامل، سكت شوية وقالى وبعدين، قلتله مفيش بعدين، قالى وهو حزين يعنى هتعيشى ولا هتموتى، قلتله تفتكر دى كلمة تتقال، راح ساينى فى الأوضة لوحدى وخرج".
ظلت حنان مستيقظة فى تلك الليلة داخل غرفتها بمفردها، تفكر فى ما قاله الزوج، وفى مصير أبنائها، وفى احتمالية أن تكون تلك نهاية حياتها بالفعل.
"فضلت سهرانة ببكى لحد الساعة 6 الصبح، وهو قاعد فى الصالة لوحده، والساعة 6.30 بالظبط سمعت باب الشقة بيتفتح وبيتقفل، وهو ميعاد شغله 11 الضهر، خرجت أبص ملقيتوش فى الشقة، لبس ونزل، ومن يومها مرجعش تانى".
حنان هى الأخت الكبرى لأشقاءها الأولاد، ودائما كانت السند والعون لهم في كل أزماتهم، قائلة: "مكنتش بحب أظهر مكسورة ادامهم، ودايما كنت بحاول أكون متماسكة، لكن بينى وبين نفسى بكلم ربنا، واسأله ليه كل ده حصل فجأة، لكن عمرى ما لقيت إجابة لأى سؤال، فقررت أسلم نفسى لربنا وأبدأ رحلة العلاج لوحدى، وقلت لولادى إن باباهم سافر".
مدام حنان وطفليها
لم تتخيل لحظة أن زوجها قد يتخلى هنا فى محنة كهذه: "حياتنا كانت عادية، فيها مشاكل زى كل الناس، لكن كنت متخيلة إنه هيقف جمبى ويسندنى، زى ما كنت بسنده طوال فترة جوازنا وقبل جوازنا، كان نفسى ألاقى إجابة على سؤال واحد، أنا إيه بالنسباله، فضلت 4 سنين على ذمته، لا بيطلقنى، ولا بيسأل عنى، ولا بيصرف عليا ولا على أولاده، لكن كتر خيرهم أمى وأخويا وقفوا جانبى".
استطاعت حنان أن تتغلب على محنتها، وتقف في وجه المرض، وتعود قوية كما كانت أمام الجميع، انتهت فترة العلاج، وبحثت عن عمل للإنفاق على طفليها، وبالفعل استقرت حياتها، وبدأت حياة جديدة، وفجأة!
"رجع يتصل بوالدتى، ويقولها إنه عايز يرجعلى، مسكت منها التليفون وقلتله أنا هرجعلك في حالة واحدة، لو جاوبت لى بصراحة على سؤال أنا كنت إيه بالنسبالك، وليه سبتنى لوحدى في وقت مرضى، ولما مردش، قلتله كتر خير السرطان إنه عرفنى حقيقتك، إنسى إنى أرجعلك".
تجربة حنان الأليمة كانت بالنسبة لها درسا كبيرا فى الحياة:"أنا اتعلمت إن السرطان ليه علاج، بس في حاجات تانية ملهاش علاج، الحياة فيها عمر تانى، وناس تانية بتحبنى، وأنا دلوقتى بحمد ربنا على كل ابتلاءاته، وبحمد ربنا إن طليقى وهو نازل من البيت الساعة 6 الصبح مانسيش حاجة تضطره إنه يرجع تانى".
حكاية أمل
فاطمة وبسمة وحنان خرجن من تجاربهن أقوى وأنجح، لكن المهندسة أمل الحصافى خرجت من تجربتها مسئولة عن التأهيل النفسى لمريضات السرطان المطلقات، قررت أن تبحث عنهن فى كل مكان، وتقدم لهن الدعم الذى تعرف أنهن فقدنه بعد ما تعرضن له من أزواجهن.
"أنا جالى سرطان ثدى فى 2010، واجهته لوحدى وتغلبت عليه، مبقتش أحب أحكى تجربتى، بقيت أحب أقف مع اللى زيى، أول ماوقفت على رجلى انضميت لمبادرة لرعاية المطلقات، وجواها بدأت أدور على الستات اللى اتطلقوا بسبب السرطان، وللأسف لقيتهم كتير".
أمل الحصافى
في 28 مارس من كل عام كانت مبادرة بداية جديدة لرعاية المطلقات تكرم مجموعة من السيدات المعيلات، لكن التكريم فى عام 2019 كان مختلفا، كان تكريما للمطلقات بسبب إصابتهن بالسرطان.
"اكتشفنا خلال شغلنا إن كتير من السيدات اللى بيتعرضوا للسرطان الزوج بيتخلى عنها وبيطلقها، لدرجة إننا لم قررنا نكرمهم، وصلنا لأكتر من 30 حالة فى محافظات مختلفة في وقت قليل جدا، وقدرنا نقدملهم دعم نفسى وتوعوى كبير جدا، ساعدهم في مشوار علاجهم، وفى حياتهم بشكل عام".
من خلال جروب على واتساب، وجروب على فيسبوك، يتواصلن السيدات المطلقات متحديات السرطان، يسألن بعضهن عن كل التفاصيل الخاصة بالعلاج والأدوية ويقدمن لبعضهن الدعم النفسى ويتبادلن الخبرات في تلك التجارب الأليمة.
"من أغرب القصص اللى مرت عليا هي قصة فتاة اتطلقت بعد 20 يوما فقط من الزواج، حست بألم فى صدرها، راحت تكشف وتحلل، اكشتفت إنها مصابة بسرطان الثدى، زوجها سمع الخبر ساب المستشفى ومشى وبعتلها ورقة الطلاق".
تقول المهندسة أمل إن أكثر ما تحتاج إليه السيدة التى تصاب بالسرطان وتتعرض للانفصال هو الدعم النفسى، غياب الدعم النفسى قد يجعلها لا تتحسن إطلاقا مهما كان العلاج.
"العلاج الكيماوى بيغير شكل الست، شعرها وحواجبها ورموشها بتقع، لونها بيشحب، حتى لون الضوافر بيتغير، كل حاجة بتتغير، ولما بتسمع كلمة وحشة من شريك حياتها بيكون ده أصعب حاجة، غدر الزوج بيكون أصعب من المرض نفسه"، بس إحنا جامدين، جامدين أوى الحمد لله، وقادرين نكمل حياتنا ونتغلب على المرض، وننجح، ونساعد نفسنا، ونساعد غيرنا كمان، إحنا الأجمل والأقوى، إحنا الأحلى"
المهندسة أمل الحصافى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة