فى الوقت الذى شهدت فيه العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها فى مختلف مناطق العالم تباينات كبيرة، منذ صعود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فى يناير 2017، يبدو أن استقرار العلاقة هو السمة السائدة بين القاهرة وواشنطن، منذ ذلك الحين، حيث حرصت الإدارة على استعادة علاقتها مع مصر، بعد سنوات من التراجع فى عهد الحقبة السابقة، وهو الأمر الذى يرجع فى الأساس إلى إدارك الجانب الأمريكى للأهمية الكبيرة لمصر، على المستويين الدولى والإقليمى، وبالتالى فإن العودة للقيام بدور مؤثر فى المنطقة لا يمكن أن يتحقق إلا عبر البوابة المصرية، خاصة مع تنامى نفوذ القوى المنافسة، وعلى رأسها روسيا، فى المنطقة، عبر الأزمة السورية، والتى هيمنت إلى حد كبير على المشهد الإقليمى منذ اندلاع ما يسمى بـ"الربيع العربى".
إلا أن المفارقة الجديرة بالملاحظة هى أن العلاقة بين مصر والولايات المتحدة فى المرحلة الحالية ربما اتخذت منحى مختلف عما آلت إليه العلاقة بين الإدارة الأمريكية وأقوى حلفائها، فى مناطق أخرى بالعالم، ربما تحمل أهمية كبيرة لواشنطن، حيث منحت إدارة ترامب منذ اليوم الأول لصعودها إلى البيت الأبيض، الأولوية إلى ترويض الحلفاء، وهو ما يبدو واضحا فى العلاقة المتأرجحة بين أمريكا ودول المعسكر الغربى فى أوروبا، وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا، بالإضافة إلى بريطانيا فى عهد رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماى، حيث كان الخيار الوحيد أمامهم للاحتفاظ بالمزايا الأمريكية هو الدوران فى فلك واشنطن فى مختلف القضايا الدولية.
إلا أن الأمر ربما بدا مختلفا إلى حد كبير مع مصر، وهو ما يرجع فى جزء منه إلى قدرة مصر على استعادة دورها، بالإضافة إلى نجاحها الكبير فى اتخاذ خطوات واسعة نحو الاستقرار سواء السياسى أو الاقتصادى، بعد سنوات من الارتباك السياسى فى أعقاب "الربيع العربى"، وذلك بدون دعم الحليف الأمريكى، بسبب التوتر مع إدارة أوباما، والتى أمنت بديمقراطية الصناديق، بينما تجاهلت نبض المواطن المصرى، والذى تجلى بوضوح فى خروج الملايين إلى الشوارع مطالبين بالتغيير إبان ثورة 30 يونيو.
وهنا يبدو أن ثمة خلافا جوهريا فى رؤية ترامب وسلفه لمفهوم الديمقراطية الحقيقية، ربما شكل أساسا للاختلاف فى شكل العلاقة بين مصر والولايات المتحدة خلال عهدين، فالأول يرى أن نبض الشارع يمثل المغزى الحقيقى للديمقراطية، فى الوقت الذى ربما تأتى فيه الصناديق بنتائج لا تعكس الحقيقة على أرض الواقع، ربما لاعتبارات سياسية أو اقتصادية، أو بسبب ظروف استثنائية كتلك التى شهدتها مصر فى أعقاب ما شهدته البلاد فى 2011.
ولعل الإيمان بما يمكننا تسميته بـ"ديمقراطية الشارع"، يتجلى بوضوح فى الداخل الأمريكى، حيث تجاوز ديمقراطية الصندوق الانتخابى فى الداخل الأمريكى، فى أعقاب انتخابات التجديد النصفى الأخيرة بالكونجرس، عندما قرر إعلان حالة الطوارئ، بعدما رفض الكونجرس خطته لبناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك، وهو الأمر الذى يحظى بمباركة المواطن الأمريكى الذى عانى كثيرا جراء التهديدات الأمنية التى تواجهه بسبب انتشار الجريمة والإتجار بالمخدرات، بالإضافة إلى تنامى ظاهرة الإرهاب فى السنوات الأخيرة.
يبدو أن الإجماع الشعبى الذى تحظى به القيادة المصرية فى الداخل، لم يتوفر لقيادات دول الحلفاء الأخرين فى أوروبا، والذين تشهد بلدانهم حالات من التوتر بسبب الامتعاض من سياساتهم، وهو ما يبدو بوضوح فى الصفعات الانتخابية المتتالية التى يتلقاها حزب ميركل فى ألمانيا، أو التطورات التى شهدتها فرنسا فى الأشهر الماضية، بالتالى لم يكن لديهم من القوة ما يمكنهم به مجابهة الضغوط الأمريكية فى الأشهر الماضية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة