مسيرة نضال لم تخلو من انقلابات البيضاء ، وأمراض سلطة سطرت نهايات مأساوية.. هذه العبارات تصف رحلة زين العابدين بن علي الرئيس التونسي المعزول، والذى أعلنت الخارجية التونسية وفاته مساء اليوم داخل المملكة العربية السعودية التى اختار الإقامة بها بعد عزله من الحكم فى أعقاب ثورة 2011 المعروفة إعلامياً بـ"ثورة الياسمين".
ورغم البدايات الواعدة ومحطات النضال ضد الاستعمار الفرنسى، إلا أن زين العابدين بن علي نالته أمراض السلطة بعد 24 عاماً داخل القصر قضاها عبر انتخابات اعتبرها مراقبون ومنظمات حقوقية مشكوك فى نزاهتها، فما بين الشاب المقاوم للاحتلال الذى أودع السجن وهو فى مرحلة تعليمه الثانوية، والرئيس الذى اختار الفرار من الاحتجاجات، محطات عدة ربما لا تعكس خيراً مطلقاً .. إلا أنها دون شك، لا تحمل كذلك شراً خالصاً.
الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي
وبعد إعلان الوفاة ، كشف محامى الرئيس التونسي الراحل أن بن علي سيتم دفنه فى مكة بناءً على اختياره ، وذلك فى وقت تستعد فيه البلاد للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المبكرة التى تجرى قبل موعدها نظراً لوفاة الباجى قايد السبسي.. فمن هو زين العابدين بن علي ؟
يعد زين العابدين بن علي ثانى رئيس لتونس منذ استقلالها عن فرنسا عام 1956 بعد الحبيب بورقيبة، حيث عين بن علي رئيساً للوزراء فى أكتوبر 1987 ثم تولى بعدها الرئاسة بشهر فى نوفمبر من العام نفسه، بعدما أعلن أن الرئيس بورقيبة عاجز عن تولى الرئاسة فيما اعتبر وقتها انقلاب قصر.
بن علي .. سلطة ممتدة وثورة استثنائية
وأعيد انتخاب زين العابدين بن علي بأغلبية ساحقة فى كل الانتخابات الرئاسية التي جرت فى البلاد قبل عام 2011، وآخرها كان في 25 أكتوبر 2009 ، ليسجل 24 عاما داخل قصر الرئاسة التونسية.
بن علي أمضى 24 عاماً داخل السلطة
وصنفت جماعات حقوق الإنسان الدولية وكذلك الصحف الغربية المحافظة مثل الإيكونومست النظام الذي يترأسه بن علي بغير الديمقراطي، وانتقدت بعض من تلك الجماعات مثل منظمة العفو الدولية وبيت الحرية والحماية الدولية المسئولين التونسيين بعدم مراعاة المعايير الدولية للحقوق السياسية، وتدخلهم في عمل المنظمات المحلية لحقوق الإنسان.
وبعد الثورة التى جرت فى عام 2011 ، والتى عرفت إعلامياً بـ"ثورة الياسمين"، اختار بن علي السفر إلى المملكة العربية السعودية التى أقام بها حتى توفى اليوم.
ومنذ اندلاع الثورة وحتى 15 مايو 2018، بلغت مجموع الأحكام الصادرة بحق بن علي 207 سنة سجن و6 أشهر و218 مليون دينار تونسي غرامات.
زين العابدين بن علي .. مناضل أغوته السلطة
وبن علي من مواليد مدينة حمام سوسة بتاريخ 3 سبتمبر 1936، وعندما كان طالبا في ثانوية سوسة انضم إلى صفوف المقاومة الوطنية ضد الحكم الفرنسي على تونس كحلقة اتصال الحزب الحر الدستوري الجديد المحلي، مما آل إلى طرده من المدرسة وأدخل السجن.
وعين كسفير إلى وارسو فى بولندا لمدة أربع سنوات، ثم عين بعدها كوزير دولة ثم وزير مفوض للشؤون الداخلية قبل أن يعين وزيرا للداخلية في 28 أبريل 1986 ثم رئيسا للوزراء في حكومة الرئيس الحبيب بورقيبة في أكتوبر 1987.
مسيرة بن علي بدأت بالنضال ضد الاحتلال وانتهت بالعزل
وفي فجر اليوم السابع من نوفمبر 1987، تمّ الشروع في تنفيذ خُـطة استهدفت إزاحة الرئيس الأول للجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة بعد أن بلغ من العمر عتيا، ثم استمع التونسيون لأول مرة عبر موجات الإذاعة لصوت الرئيس بن علي وهو يقرأ نص بيانه الشهير.
هذا البيان الذي تضمّن مُعظم تطلعات التونسيين ونُخبتهم، بعد أن أشرف النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي على الانهيار الكامل، ومنذ ذلك التاريخ، دخلت تونس في دورة جديدة دون قطيعة مع العهد السابق، حيث فتح الرئيس بن علي لأول مرة قصر قرطاج للأحزاب والمثقفين من غير المُنتمين للحزب الدستوري الحاكم منذ استقلال البلاد عن فرنسا في مارس 1956.
وأقام أول انتخابات تعتبر قانونيا تعددية سنة 1999 بعد ما يربو على 12 سنة من استلامه للحكم وصفها البعض بأنها انتخابات تعددية مخلصة للأحادية، حيث أن نتائجها كانت قد اعتبرت محسومة سلفا لصالحه، وقد أجرى تعديل دستوري بالفصلين 39 و40 من الدستور لإزالة الحد الأقصى لتقلد المنصب الرئاسي ومنحه الحق في الترشح لانتخابات 2009 .
بن علي .. تحديات القصر ومقدمات الثورة
وعندما تولى زين العابدين بن علي مهامه كانت تونس تعاني من أزمة اقتصادية خانقة كادت تعصف بالبلاد، ويعتبر من الرؤساء المنفتحين على الغرب، فقد غير من تونس كثيراً وجعلها من أكثر الدول العربية المنفتحة على أوروبا، وفي عهده منع الحجاب، وكان يتهمه خصومه السياسيين بشن حرب على الإسلام السياسي ورموزه.
كما أنه قام بخطوات تجاه بعض التيارات الإسلامية حيث أعاد الصوفية إلى البلاد، وسمح للكنائس في تونس بالقيام بعباداتها.
مشاهد من ثورة تونس 2011
وآلت الحياة السياسية فى تونس خلال فترة بن علي إلى نقطة صدام ، تجلت فى اندلاع ثورة الياسمين التى انتشرت حتى حاصر المحتجون مباني حكومية ، ليعلن بن علي التنحى والرحيل عن السلطة والهروب من البلاد ليختار فرنسا وجهته الأولى قبل أن ينتقل إلى المملكة العربية السعودية يوم الجمعة الموافق 14 يناير 2011 .
وبعد هروب زين العابدين بن علي إلى السعودية أعلن الوزير الأول محمد الغنوشي عن توليه رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة وذلك بسبب تعثر أداء الرئيس لمهامه وذلك استنادًا إلى الفصل 56 من الدستور التونسي، غير أن المجلس الدستوري أعلن إنه بعد الإطلاع على الوثائق لم يكن هناك تفويض واضح يمكن الارتكاز عليه بتفويض الوزير الأول وإن الرئيس لم يستقل، وبناءً على ذلك أعلن في يوم السبت 15 يناير 2011 عن تولي رئيس مجلس النواب محمد فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بشكل مؤقت، وذلك لحين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة من 45 إلى 60 يومًا حسب ما نص عليه الدستور.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة