فى إطار مشروع «فرمطة» مصر الذى يقوده الرئيس عبدالفتاح السيسى، وإعادة إكسير الشباب لمؤسساتها، ونفض التراب، وتدمير خيوط العنكبوت التى تسللت على مقرات مؤسسات هذا الوطن طيلة الـ 40 سنة الماضية، نضع على مائدة الحكومة، فكرة «فرمطة» الرياضة المصرية بشكل عام، وكرة القدم على وجه الخصوص، واعتبارها مشروعا صناعيا قوميا ضخما ونستنسخ التجربة الإنجليزية وتطبيقها، إذا ما وضعنا فى الاعتبار الأرقام التى تحققها كرة القدم الإنجليزية والتى تساهم فى الناتج المحلى لبريطانيا بـ9 مليارات و700 مليون دولار، ويوفر 100 ألف فرصة عمل ثابتة، بجانب الوظائف الموسمية..!!
مع العلم أن الدورى الإنجليزى وحتى عام 1992 كان يحقق خسائر فادحة، سواء فى الأرواح أو المال، وكانت الملاعب مهملة، وسيئة بدءا من الحمامات وغرف خلع الملابس ومرورا بالمدرجات والأرضيات، لدرجة أن أسوأ حادثتين شهدتهما ملاعب كرة القدم فى العالم، كانت فى إنجلترا.
الحادث الأول وقع فى 11 مايو عام 1985 عندما اندلع حريق هائل فى ملعب برادفورد، أثناء لقاء جمع بين نادى برادفورد، ونظيره لينكولن سيتى، ضمن دورى الدرجة الثالثة الإنجليزى، وكانت جماهير برادفورد متحفزة ومحتقنة، وبعد مرور 40 دقيقة قبل انتهاء الشوط الأول بخمسة دقائق اندلع حريق ضخم وراح ضحيته 56 مشجعا وإصابة 265 آخرين.
وفى 15 إبريل عام 1989 وأثناء لقاء ناديى ليفربول وتوتنهام فورست، فى مباراة قبل النهائى لكأس الاتحاد الإنجليزى، والتى أقيمت فى ملعب هيلسيبرة شيفلد، حدث تدافع ودهس أثناء دخول الجماهير للملعب، وراح ضحيته 96 شخصا، وإصابة ما يقرب من 800 شخص فى أسوأ كارثة عرفتها ملاعب كرة القدم بشكل عام، والملاعب البريطانية بشكل خاص.
وعقب هذه الكارثة ظهر ديفيد دان، نائب رئيس نادى الأرسنال، وبدأ يعتكف على دراسة الوضع المترهل والخطير لمسابقة الدورى المحلى بدرجاته المختلفة، والحالة السيئة للملاعب، والنظام الكروى، البعيدة كل البعد عن مثيلتها فى أوروبا، من حيث الاحترافية، والنظام.
وطالب ديفيد دان عددا من الخبراء والنجوم والمسؤولين عن الكرة الإنجليزية، بالاجتماع والاعتكاف ودراسة تحويل الكرة إلى صناعة، وذهبوا لنقل تجربة الولايات المتحدة الأمريكية، من حيث روعة البنية التحتية للملاعب، والنظام، رغم أن الدورى الأمريكى ليس بالشهرة مثل الدورى الألمانى أو الإسبانى والفرنسى، وغيرها من الدوريات الكبرى.
وبدأوا تطبيق الاحترافية، من خلال تشكيل دورى محترفين، البريميرليج، عام 1992 وضم الفرق الكبرى، المعروفة الآن مثل الأرسنال وليفربول ومانشستر يونايتد، وغيرها من الأندية الكبرى، والتى وصل عددها 20 ناديا، وتحويله إلى صناعة كبرى تدر أرباحا كبيرة تعادل ميزانيات دول، بجانب تأثيراته الاجتماعية فى المملكة المتحدة، والأهم تحويله إلى قوة ناعمة جوهرية.
ومنذ عامين وتحديدا فى عام 2017 تم إعداد دراسة عن أهمية الدورى الإنجليزى، كشفت أن كرة القدم البريطانية بمثابة قاطرة للاقتصاد الإنجليزى بقوة، من خلال الشعبية الجارفة، والنشاط التجارى، بتأسيس سلاسل تجارية ومولات وزيارة الأجانب لمشاهدة المباريات المهمة، فيما يعرف بالسياحة الرياضية.
وكشفت الدراسة، التى ألمح إليها الخبير الاقتصادى الشاب أشرف إبراهيم، أن دخل الدورى الإنجليزى من بيع التذاكر، ومنتجات الفرق من تيشرتات وخلافه، بجانب البث الفضائى وصل إلى 6 مليارات و400 مليون دولار سنويا، وهو الدخل الذى يتجاوز حجم اقتصاديات 4 دول إفريقية.. وأكبر من إيرادات قناة السويس، والتى حققت أعلى إيراد لها العام الماضى، والذى وصل إلى 5 مليار و700 مليون دولار.
النشاط الاقتصادى بسبب الدورى الإنجليزى يدر على الخزانة العامة لبريطانيا 4 مليارات و200 مليون دولار سنويا فى صورة ضرائب، سواء ضرائب الدخل للاعبين والمدربين، أو القيمة المضافة، كما يساهم الدورى الإنجليزى فى الناتج المحلى الإجمالى بـ9 مليارات و700 مليون دولار، ويوفر 100 ألف وظيفة ثابتة، غير الوظائف الموسمية، علاوة على أنهتحول إلى قوى ناعمة، فيكفى أن هناك ما يقرب من مليار و300 مليون شخص حول العالم، يشاهدون مبارياته.
هذه نجاحات تؤكد أن كرة القدم لم تعد وسيلة للترفيه، وإنما قوة صناعية كبرى، وقوى ناعمة أكبر، يمكن أن تدر دخلا كبيرا على الخزانة العامة.
ومصر لديها فرصة تاريخية، فى تحويل بطولة الدورى العام إلى صناعة، خاصة أنها تمتلك بنية تحتية من ملاعب رائعة، وقدرة تنظيمية ظهرت بوضوح فى تنظيم بطولة الأمم الإفريقية 2019.. ومن ثم يمكن البناء عليه، بنقل بطولة الدورى العام والكأس أيضا، من مرحلة الهواة إلى الاحتراف، وتحويلها لصناعة تحقق أرباحا كبرى.
ولن يحدث ذلك إلا بعد تطهير المنظومة الرياضية، والاستعانة بكوادر محترفة ومحترمة ولديها القدرة والإبداع، والفرصة حاليا مواتية، لتدخل الدولة بقوة فى هذا الملف المهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة