ينمو قطاع العقارات فى مصر بشكل مضطرد، خاصة فى السنوات الأخيرة، وذلك لسببين رئيسيين، هما أن السوق المصرى يحتاج إلى أكثر 750 ألف وحدة سكنية سنويا، لأغراض الزواج والسكن المتوسط فقط، بالإضافة إلى أكثر من 200 ألف وحدة فاخرة وفيلات.
والسبب الثانى، هو قيام الدولة بإنشاء عدد من المشروعات القومية الكبرى للعقارات، مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، والمدن الجديدة فى عدد من المحافظات، بالإضافة إلى المشروع القومى للإسكان الاجتماعى التى ينفذ نحو مليون وحدة سكنية.
كل هذا جيد جدا، لأن هذه المشروعات تخلق ملايين فرص العمل، ليس فى قطاع العقارات فقط، وإنما فى نحو 50 قطاعا آخر تقدم خدمات لهذا القطاع، مثل قطاع النقل، ومواد البناء، والأدوات الكهربائية، الأدوات الصحية، الحديد والأسمنت، وغيرها من القطاعات المرتبطة بخدمة العقارات.
المشكلة الرئيسية، هى أن هذا القطاع، به نحو 5% فقط عقارات مسجلة لدى الدولة، ونحو 95% من العقارات الموجودة والمسكونة فعلا، ليس لها أى سجل، ولم يدفع صاحبها أى رسوم ترخيص ولا تسجيل للدولة، لأن معظم هذه العقارات تم بناؤها بشكل عشوائى وبدون أى نوع من التراخيص، رغم سماح الدولة بإدخال المرافق الأساسية لها من الكهرباء ومياة الشرب والصرف الصحى وغيرها من المرافق.
وسنعرف جميعا حجم هذه المشكلة عندما نعلم أن مصر بها نحو 35 مليون عقار، إذا تم تسجيلها فقط فيمكن أن تحصل الدولة على قيمة رسوم تسجيل لها تصل إلى 120 مليار جنيه، ويمكن أن تحصل على نحو 60 مليار جنيه من الضرائب العقارية عليها، أى أن الدولة تهدر نحو 180 مليار جنيه بسبب عدم تسجيل هذه العقارات، بسبب البيرقراطية وسوء الإدارة وتجمدها واعتمادها على قوانين قديمة لا ينفذ منها أى شىء أصلا ولا تتسبب إلا فى تعطيل عمليات التسجيل بسبب الشروط التعجيزية وسوء تعامل الموظفين واستغلالهم لمن يريد تسجيل عقاره للحصول على رشاوى وإكراميات وطول مدة التسجيل، لو تم أصلا.
وكل هذا يمنع المواطن من محاولة القيام بتسجيل عقاره، لو أراد ذلك، ويكتفى برشوة موظفى الحى التابع له، للسكوت عن المخالفات وهذه الحالة موجودة ونشاهدها جميعا فى كل حى تقريبا فى مصر، وكل يوم، ويسكت عنها الجميع حتى أصبحت واقعا صعب التغيير.
الحل الوحيد لهذا الإهدار المتواصل فى بلد يعانى من عجز مزمن فى الموازنة العامة، هو تسهيل إجراءات التسجيل، سواء بتغيير القوانين أو حتى تغيير الموظفين، ويجب على الدولة الإسراع بتنفيذ مشروع السجل العينى للوحدات العقارية، فى أقرب وقت، وبأى تكاليف، حتى نستطيع أن نحجم السوق العشوائى للعقارات من جانب، ومن جانب آخر تحصل الدولة على حقوقها المهدرة فى رشاوى الموظفين المهملين وسوء إدارة المسئولين.
وهذا المشروع لا يهدف مطلقا إلى الجباية وفرض رسوم جديدة على المواطنين، لسبب بسيط أن المواطنون يدفعون أضعاف رسوم التسجيل في صورة رشاوى للموظفين مقابل السكوت عن المخالفات وعدم تحرير محاضر بالمخالفات لأصحاب العقارات غير المرخصة وغير المسجلة، ولذلك فإن تنفيذ مشروع السجل العينى لتسجيل العقارات سيكون أوفر للمواطن صاحب العقار من عدم تسجيله واضطراره إلى دفع رشاوى متكررة لمسئولى الحى أو المحافظة.
كما يجب على الدولة الإسراع فى تنفيذ مشروع ميكنة الخدمات بشكل كامل، وهو المشروع الذى أعلنت عنه وبدأته وزارة التخطيط منذ سنوات ولم ير النور حتى الآن، وهو ما يتسبب فى إهدار مليارات الجنيهات على الدولة، ويسمح باستمرار بناء العقارات العشوائية، حتى أصبحت سمة من سمات العاصمة المصرية، فهل تنتبه الحكومة وتقوم بتنفيذ مشروعات الميكنة والسجل العينى للعقارات لحماية أموالها وأموال الناس وتسد عجز موازنتها المزمن بدون ديون؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة