لقد كان يوما استثنائيا في تاريخ المشروعات المصرية، ذلك اليوم الذي افتتح فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي (1300 صوبة زراعية) على مساحة 10 آلاف فدان بقاعدة "محمد نجيب العسكرية"، تلك القاعدة التي تعد الأكبر والأهم في الشرق الأوسط، وربما تم اختيار ما تم عمله بها في توقيتات مقصودة ولها دلالات كثيرة، بل إنها رسالة في صورة رصاصات قوية تخترق كل هذه الهالات من الفسدة والفاسدين، سارقي أموال الدولة الذين يضعون أياديهم على أراضيها، وهذا هو الشيىء الذي يدعو للفرح، ويدفع الإنسان للشعور بالفخروالانتماء لهذا الوطن، فنحن أمام تجربة زراعية إصلاحية مصرية 100%، في إطار مايسمى "مشروع القرن الزراعي"، هذا المشروع الذي يهدف لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الحقلية والخضروات، وتحقيق التوازن وضبط الأسعار ومحاولة التخفيف عن كاهل المصريين بمختلف الطبقات، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع والخدمات.
يهدف هذا المشروع العملاق الذي الذي افتتحه الرئيس، من وراء زراعة هذا العدد الضخم من الصوب إلى سد حاجة السوق ثم التصدير، وتشغيل أكثر من 200 ألف شخص، والأهم من كل ذلك أن يأكل المصريون خضراوات طبيعية "أورجانيك"، وكل هذه الأهداف لا تتوقف فقط عند الجدوى الاقتصادية، بل تسعى لتحقيق أهداف اجتماعية أولا، فالصوب لم تعد مجرد زراعة فقط، بل هى صناعة حديثة وعصرية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وترتيبا على ذلك فإننا هنا نحقق أهدافا اجتماعية من خلال أحد أهم المشاريع القومية في مجال الزراعات المحمية والصوب الزراعية، والذي يعادل إنتاج المشروع نحو مليون فدان من الزراعات التقليدية، كما يعد المشروع الأكبر في مجال الصوب الزراعية بمنطقة الشرق الأوسط، ويهدف إلى المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي وسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، مع ترشيد استخدام مياه الري، وذلك بعدما أصبح أمرا شائعا - بحسب خبراء الزراعة - أن يقترن التوسع البطئ فى الأراضي الزراعية فى مصر مع الزيادة السريعة فى عدد السكان، خاصة أن الزيادة فى الرقعة الزراعية غير محسوسة بالمرة، بل يحدث تآكل لها نتيجة للزحف العمرانى وبعض عمليات التصحر وتدهور التربة لسوء الصرف وغيرها.
لقد بلغت الزيادة المضطردة فى عدد السكان حدها الأقصى ليس على المستوى المحلى فقط بل العالمى أيضا، ما جعل العلاقة بين الرقعة الزراعية وزيادة السكان غير مقبولة وغير متكافئة، ومن ثم يجب أن يتامشى التوسع الأفقى مع هذه الزيادة فى السكان، ولتحقيق ذلك يتطلب المزيد من استصلاح الأراضي بهدف زيادة كمية الإنتاج الزراعي وليست مجرد زيادة المساحة المنزرعة فقط، ومن هنا لجأت القيادة السياسية إلى حلول حديثة تعتمد على التكثيف الزراعى بنظام الصوبات كأحد الحلول الزراعية لمواجهة نقص الأراضى الزراعية وتوفير مساحات تستغل فى زراعة محاصيل أخرى، بأتباع التقنيات الزراعية الحديثة.
مساحة مصر البالغة 238 مليون فدان، لا تزيد رقعتنا الزراعية الحالية علي 8,6 مليون فدان بنسبة 3,6% فقط، ونبني منازلنا علي مساحة مماثلة في وضع غريب لشعب يعيش علي أقل من7% من مساحة بلده ويعاني أيضاً من محدودية المياه مثلما هو الحال في محدودية الأراضي الزراعية.
وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الرقعة الزراعية الحالية المحدودة تحتاج وحدها إلي 52 مليار متر مكعب صافية من المياه سنوياً من إجمالي 60 مليار متر مكعب فقط تتوافر لنا منها 55.5 حصتنا في مياه النيل حتي الآن وخمسة من المياه الجوفية، بالإضافة إلي أن شبكة النقل الشاسعة من الترع البالغة 30 ألف كم طولي تلتهم بالفقد نحو 19 مليار متر مكعب سنوياً بخراً ورشحاً عميقاً وجانبياً.
ويضاف إلي ذلك نحو 15 مليار متر مكعب من المياه تحتاجها قطاعات المنازل والمحليات والصناعة، وبالتالي فالعجز الحالي من المياه في مصر يصل إلي 30 مليارم3 سنويا، بما يوضح التأثر المزدوج الذي نعاني منه من نقص الأراضي الصالحة للزراعة مع نقص المياه اللازمة لزراعة هذه الأراضي، واللازمة أيضاً لزيادة الرقعة الزراعية فالمتحكم في الزراعة هي المياه وليست التربة.
يزيد أيضا من تفاقم الأزمة تلوث مياه الترع والمصارف والتي تستخدم في الري مسببة تدهور إنتاجية التربة وتصيب الفلاحين بمختلف أمراض التلوث، كما تقلل من المحصول ليس بأقل من 25% من عدم توافر الشروط المطلوبة لسلامة الغذاء بسبب تلوث التربة والمياه وبما يؤدي إلي تراجع الصادرات الزراعية وتشكك الدول الغربية من سلامة الغذاء المنتج في مصر.
ونظرا لما سبق وقلناه من اعتماد مصر فى مواردها المائية على نهر النيل بشكل رئيسى، وحصتنا منه للأسف ثابتة وهى 55,5 مليار متر مكعب يذهب أكثر من 80% منها للزراعة، ومع الزيادة السكانية المفرطة والتى يزيد بها مجتمعنا بمعدل نحو 2,6 مليون فرد سنوياً، فإنه تصبح هناك استحالة فى أن تكفى كمية المياه التى كانت فى الماضى القريب (60 عاماً مضت)، تروى مساحة نحو 5 ملايين فدان و 20 مليون مواطن، تكفى الآن لرى قرابة 9 ملايين فدان وأكثر من مائة مليون مواطن، علاوة على التحديات التى فرضتها عمليات إنشاء سد النهضة، والتى حتى وإن لم تؤثر على حصتنا من المياه، فإنها ستمنع من زيادتها، ومن هنا فقد اتجهت الدولة وبقوة لترشيد ورفع كفاءة استخدامات المياه من خلال العمليات.
لهذا لجأت الدولة إلى فكرة التكثيف الزراعي باستخدام الصوبات، من خلال مشروع قومى للصوب الزراعية، والذي يعظم المردود الاقتصادى من خلال زيادة الإنتاج من المحاصيل الزراعية، والاختصار فى وحدة المساحة المستغلة للزراعة، وتوفير كميات المياه المستخدمة فى الزراعة، فكما هو ثابت من خلال التجارب العملية فإن الزراعات المحمية تستهلك من 60% إلى 70% من كميات المياه التى تستهلكها الزراعات التقليدية المكشوفة، ومن أجل تحقيق هدف زيادة الانتاجية وتخفيض حجم استهلاك المياه يتم تنفيذه المشروع القومي للصوب طبقًا للمواصفات العالمية ذات الإنتاجية العالية.
وفي هذا الصدد يتم الاستفادة من تجارب دول كـ "المجر وإسبانيا وهولندا" فى هذا المجال، كما يتم بالتعاون مع منظمة "اليونيدو"، حيث أكدت المديرة الأقليمية للمنظمة، حرصها على المساهمة بخبراتها فى هذا المجال فى اطار مساعدة المزارعين على زيادة الإنتاجية والتخطيط لإقامة الصناعات الغذائية التكميلية، مما يزيد من القيمة المضافة للمنتج الزراعي، حيث أن التنمية الصناعية المستدامة تعد من ضمن الأهداف التى أقرها قادة دول العالم والخاصة بتحقيق التنمية المستدامة.
في النهاية أليس حريا بنا إنتاج أعمال درامية وأغاني وطنية تواكب ما يحدث من إنجازات في الوقت الحالي، فهنالك عمل جاد وجسور يحدث على الأرض المصرية الآن، لكننا للأسف لم نرى لها أثر على الواقع من خلال القوى الناعمة لمصر، متمثلة في الفن والموسيقى والدراما، إن واقع الدولة والانجازات يا أصحاب الفنون يسير أضعاف أضعاف القوة الناعمة المصرية، وهو ما يلفت النظر إلى أن نفرد له أعمالا درامية وفنية، وأن يكون هناك إشادة تليق بحجم كل تلك الإنجازات العظيمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة