مازلت لا أصدق أنه بعد كل الأشواط التى قطعتها مصر، على مدار حضارة ممتدة لآلاف السنين - وما قدمته من جهود خلال السنوات الماضية لرفع مستوى الوعى والنهوض بالتعليم، وما تم إنفاقه على المشروعات القومية الكبرى وشبكات الطرق التى خلقت آلاف فرص العمل، والمدن الجديدة التى باتت عواصم متكاملة لها طابع مميز - أن يخرج علينا فى عام 2019 من يرشق القطارات بالحجارة خلال توقفها بالمحطات الفرعية أو الضواحى، بدافع اللهو أو التخريب عن قصد وتعمد.
لا أصدق أن الطفل أو الحدث أو الشاب الصغير الذى يرشق القطار بالحجارة أثناء خط سيره لنقل المواطنين من القاهرة إلى الصعيد أو من القاهرة إلى وجه بحرى ، أو مطروح أو أى مدينة داخل مصر أن يكون قد تلقى أى قدر من التعليم، أو الثقافة، أو تأثر بأى جرعة من الوعى، أو يعرف كيف يواجه المستقبل وماذا أعد للحاضر، وكيف سينتصر على المعركة القاسية التى ستلازمه بأضلاعها الثلاثة " الفقر والجهل والمرض".
كيف يمكن أن نهاجم مرفقا يقدم خدمة عامة للمواطنين وينقل ملايين الركاب سنويا، تحت أى دافع أو بأى هدف أو قصد، حتى ولو كان الأمر فى سياق اللهو واللعب أو صادر عن مجموعة من الأطفال الصغار.. هذا إنذار وناقوس خطر يدفعنا إلى التحرك جميعا، نحو هذه الظواهر التى لا تنحصر فى هذا الفعل " رشق القطارات بالحجارة"، بل قد تفسر طريقة تفكير شريحة من الأطفال أو الصبية تحتاج إلى تقويم وتدخل سريع، من الأسرة المصرية وأولياء الأمور أولا قبل أى أحد.
يجب أن ننمى فى أطفالنا وصغارنا معنى المال العام والمرفق العام، وحرمته التى كحرمة المال الخاص، وطالما أننا لا نقبل على أنفسنا ألا يقذفنا أحد بالحجارة فى منازلنا أو يعترض طريقنا أو يروع أمننا، كذلك المرافق العامة، التى نستخدمها جميعا ونتحمل تكلفة إنشائها وصيانتها.
لا نحتاج إلى تجربة أوروبية أو أمريكية حتى نستلهم منها كيف نحافظ على المرافق العامة، وكيف نحترم منشآت الدولة ونتعامل معها كما نتعامل مع أملاكنا الخاصة، لسنا فى حاجة إلى أن نعرف كيف ينظفون شوارعهم، وكيف يجمعون قمامتهم وكيف يحترمون أشجارهم وكيف يحرصون على نظافة هوائهم ، وعدم إفساد أو تخريب أى منشأ عام، فنحن بهذه الحضارات العريقة التى مرت على مصر على مدار السنوات، يجب أن نتعلم منها كل هذا دون أن نعلق شيئا على الفقر والعوز أو أى شماعات أخرى.
رشق القطارات بالحجارة جريمة تستوجب العقاب والمساءلة، وإن كانت وزارة النقل اتخذت حلا عارضا وهو عدم توقف القطارات فى المحطات التى تقوم بالفعل المذكور، إلا أننى أطالب أن يتم فرض عقوبة صارمة على هذا الفعل والتحقيق فيه وإحالة المتورطين فيه للمحاكمة، حتى نلقن من يخطئ درسا قاسيا، مفادة أن العقاب قائم على كل خطأ، وأن الدولة لن تقف عاجزة أمام من يحاول تخريب منشآتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة