استيقظ المصريون على خبر جريمة القتل التي ارتكبها أب و ابنه، حيث قاما بذبح الإبنة وعشيقها بعد مفاجأتهما للقتيلين في وضع مخل، وصرح البعض أن الجناة لن يتمتعا بالعذر المخفف للعقوبة، لأنهما ليسا من المذكورين في نص المادة «237» من قانون العقوبات التي قصرت العذر المخفف على الزوج الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بـ«الزنا» فيقتلها فى الحال هي ومن يزنى بها.
فى التقرير التالى «اليوم السابع» يلقى الضوء من خلال هذه القضية على مسألتين هامتين: الأولى: هل يمكن تخفيف العقاب عن الأب وابنه، برغم عدم تمتعهما بالعذر المخفف الخاص بالمادة 237؟ والمسألة الثانية: هل يحتاج نص المادة «237» من قانون العقوبات المصري إلى تعديل؟ - بحسب الخبير القانونى والمحامى محمد الشهير.
للإجابة على السؤال الأول، فيجب التفرقة بين كل من «العذر المخفف القانوني» و «الظرف المخفف للعقاب أو العذر المخفف القضائي»، فالأعذار القانونية هي التي وردت على سبيل الحصر ونص عليها المشرع في حالات محددة مثال العذر المخفف لعقوبة الزوج عند ارتكاب جريمة قتل الزوجة الزانية حال مفاجأته لها، وقد قضت محكمة النقض المصرية في الطعن رقم 1502 لسنة 13 ق ـ بجلسة 25/10/ 1943 بأن القانون المصرى لا يعتبر الغضب عذراً مخففاً إلا فى حالة خاصة هى حالة الزوج الذى يفاجىء زوجه حال تلبسها بالزنا فقتلها هى و من يزنى بها .
أما «الغضب» فى سائر أحوال القتل والجرح و الضرب فغير معتبر عذراً و إن كان يتنافى مع سبق الإصرار حيث أن الجاني الذى يقارف القتل مدفوعاً بعامل الغضب و الانفعال يعد مرتكباً لجناية القتل عمداً من غير سبق إصرار، بينما تعرف «الظروف المخففة للعقاب»: بأنها الخصائص الموضوعية او الشخصية غير المحدودة والتي يمكن ان تسمح في تخفيف العقوبة المقررة قانونا للجريمة وفقا للمعيار الذي نص عليه القانون – وفقا لـ«الشهير».
الفرق بين الأعذار القضائية والقانونية
وتتفق «الأعذار القضائية» مع «الأعذار القانونية» في أن كلا من النوعين مخفف للعقوبة، والفرق بينهما في أن الأعذار مبينة في القانون على سبيل الحصر، والتخفيف فيها وجوبي في الحدود التي يبينها النص الذي يقررها، أما الأعذار القضائية فغير مبينة بل أن القاضي هو الذي يقدرها، والتخفيف فيها جوازي، ومن أجل ذلك تسمى بالظروف القضائية المخففة.
والظروف المخففة متروكة لتقدير القاضي حسب ما تمليه عليه عقيدته، حسب العناصر المطروحة في الدعوى مثل وقائع الجريمة وطبيعة العمل الإجرامي وشخصية المجرم والمجني عليه وملابسات وظروف الجريمة، وهى واردة بالمادة «17» من قانون العقوبات التي نصت على أنه:
«يجوز فى مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاء تبديل العقوبة على عقوبة الإعدام بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة - عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن - عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة بعقوبة السجن أو الحبس الذى لا يجوز أن ينقص عن ستة شهور - عقوبة السجن بعقوبة الحبس التى لا يجوز أن تنقص عن ثلاثة شهور».
ولذا، فإنه يمكن القول بأن الأب والأخ يمكن أن يصدر بحقهما حكم مخفف نظراً لطبيعة ملابسات وظروف جريمة القتل، والحالة النفسية التي تشكلت بناء على المشهد الفاجع الذي وجدا فيه الابنة.
وقد قضت محكمة النقض في الطعن رقم 401 لسنة 43 ق ـ بجلسة 13/5/1973 بأن الاستفزاز أو الغضب لا ينفيا نية القتل، و إن عدت أعذاراً قضائية مخففة يرجع الأمر فى تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها من محكمة النقض، كما قضت في الطعن رقم 234 لسنة 38 ق ـ بجلسة 25/3/1968 بأنه إذا كان المستفاد من دفاع المتهم أمام المحكمة هو أنه كان فى حالة من حالات الإثارة و الاستفزاز تملكته فألجأته إلى فعلته دون أن يكون متمالكاً إدراكه، فإن ما دفع به على هذه الصورة من انتفاء مسئوليته يكون مقروناً بتوافر عذر قضائى مخفف يرجع مطلق الأمر فى إعماله أو أطراحه لتقدير محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض.
السؤال الثانى
أما السؤال الثاني، هل يحتاج نص المادة «237» من قانون العقوبات المصري إلى تعديل؟ فتتطلب إجابته النظر في قوانين أخرى مثل قانون العقوبات الخاص بملكة البحرين، حيث نصت المادة «334» من قانون العقوبات البحريني على أنه: «يعاقب بالحبس من فاجأ زوجه متلبسا بجريمة الزنا فقتله وشريكه في الحال أو اعتدى عليهما اعتداء أفضى إلى موت أو عاهة، ويسري هذا الحكم على من فاجأ أحد أصوله أو فروعه أو أخواته متلبسة بجريمة الزنا، ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر» - الكلام لـ«الشهير».
ويلاحظ من هذا النص أنه تلافى الانتقادات التي وجهها الفقه إلى النص المصري، حيث أنه راعي الحالة النفسية التي تحيط بالجاني وقت ارتكاب الجريمة وجعلها أساساً موضوعياً للعذر المخفف، وترتب على ذلك تمتع كل من الزوجين بالعذر المخفف ـ وليس الزوج وحده كما في النص المصري ـ كما تمتع بالعذر المخفف أصول وفروع وإخوة الزانية، كما توسع النص البحريني في تطبيق العذر المخفف وشمل جريمتي القتل والضرب المفضي إلى موت و إحداث العاهة، وهو بذلك أوسع نطاقاً من النص المصري الذي قصر العذر المخفف على جريمة القتل وحدها.
المادة 237 من قانون العقوبات المصرى
بينما نصت المادة 237 من قانون العقوبات المصرى تنص على: «من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها فى الحال هى ومن يزنى بها يعاقب بالحبس بدلا من العقوبات المقررة فى المادتين 234 و236»، بمعنى أن الزوج إذا ضبط زوجته مع عشيقها يستفيد من التخفيف فى العقوبة، حيث قد تصل عقوبته إلى الحبس من سنة إلى 3 سنوات، وتعد هذه المادة هى الوحيدة التى تنص على عقوبة مخففة فى جريمة القتل.
وعملية إثبات الزوج لخيانة زوجته مع عشيقها يثبت من خلال تواجدهما معا في شقة الزوجية مع وجود بعض المظاهر التي تدل على علاقتهما غير المشروعة، حتى لو لم يتم ضبطهما فى وضع مخل فى حالة تلبس، حيث أن الزوج إذا ضبط زوجته فى وضع مخل مع عشيقها وتم التحفظ عليهما وإبلاغ أجهزة الأمن، فإن العقوبة التى توجه للزوجة وعشيقها هي الزنا وعقوبتها الحبس 3 سنوات، ويحق للزوج التصالح والتنازل حتى لو صدر حكم نهائى فى القضية.
كما إن الزوج إذا ضبط زوجته فى وضع مخل مع عشيقها فيحق له التحفظ عليهما ويشهد عليهما آخريين، وإذا قتلها ومن يزنى بها فيعاقب بعقوبة الجنحة وليست الجناية، فضلاَ عن أن إثبات جريمة الزنا من الأمور الصعب تحقيقها، حيث حددتها الشريعة بإشهاد 4 أشخاص وأن يراهما متصلين كالعود فى المكحلة والقلم فى المحبرة، لكن هناك بعض الدلائل التى تشير إلى وجود علاقة تثبت الخيانة مثل وجود مراسلات بين الزوجة وعشيقها، وخلاف ذلك فإن كل حالات القتل تعد جناية قتل عمد ويحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعدام.
وأخيراً فإن المشرع البحريني فى التصدى لمثل هذه الأزمة نص صراحة على عدم جواز استخدام حق الدفاع الشرعي ضد المستفيد من العذر المخفف، وهو بذلك أغلق باباً للخلاف الفقهي حول مدى جواز استخدام الزانية وشريكها لحق الدفاع الشرعي ضد الزوج الذي يفاجئهم ويحاول قتلهم، ونرجو أن يتبع المشرع المصري ذات الخطى ليكتمل بنيان النص القانوني على هذا الوجه – هكذا يقول «الشهير».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة