أزمة مفتعلة صنعتها خطوط الطيران البريطانية، ففي خطوة غريبة، أعلنت تعليق رحلاتها إلى العاصمة المصرية القاهرة لمدة أسبوع، كنوع من "إجراء احترازي" للسماح بإجراء تقييم للأمن هناك، محذرة من عدم السماح بتسيير طائراتها ما لم يكن ذلك آمنا، ومدعية في بيانها الأول: إنها تراجع باستمرار ترتيباتها الأمنية في جميع المطارات "التي تصلها طائرات الشركة" في جميع أنحاء العالم، ومن ثم أوقفت الرحلات الجوية إلى القاهرة لمدة 7 أيام كإجراء احترازي للسماح بإجراء مزيد من التقييم".
وعلى الفور أكد مصدر مصري مسؤول، أن سلطات مطار القاهرة لم تخطر بإلغاء رحلات الخطوط البريطانية، مشيرًا إلى أن التواصل جار مع مدير مكتب الخطوط الجوية البريطانية بالقاهرة لاستيضاح الأمر، لكن وكالة "رويترز" المشبوهة - كما نعرف - قالت على لسان 3 مصادر أمنية بمطار القاهرة، إن موظفين من شركة الخطوط الجوية البريطانية قاموا بفحص إجراءات الأمن في مطار القاهرة يومي الأربعاء والخميس الماضيين، ولم تقدم المصادر التي لم يتم الكشف عنها مزيدا من التفاصيل.
عند هذا الحد بدأت شرارة الأزمة في في الانطلاق ما بين مصر وبريطانيا، وذلك على خلفية الأحداث السياسية، وليس كما ادعت بريطانيا في بيان شركتها منذ بداية الأزمة - علما بأن قطر تملك 20% من أسهم الخطوط الجوية البريطانية - وهنا يتضح الشق السياسي في الأمر، وليس هناك علاقة بين القرار، وما حدث من بعض مشجعي الجزائر، كما تصور البعض، فبحسب مصدر مسئول بمطار القاهرة الدولي، فإن سلطات المطار تعاملت مع الأمر بهدوء، وتم احتواء الموقف وغادر جميع مشجعي الجزائر دون مشكلات، ولكن بطريقة غير مباشرة، بدأ تأثير "الدوحة" على القرار البريطاني وكلمة السر هنا هى "ليبيا"، وذلك بهدف الضغط علي مصر بسبب تأييدها لـ "حفتر" وحملته الحاسمة قريبا علي طرابلس، بينما تدعم "لندن" بالوكالة حكومة السراج.
والمتابع لتطورات الأوضاع في ليبيا سيجد أن هنالك ضرورة حتمية في التدخل من جانب بريطانيا على خط الأزمة الليبية، بعد أن نجحت قوات الجيش الليبي في دخول معسكر "اليرموك" جنوب العاصمة بعد مواجهات عنيفة مع الميليشيات المسلحة، يأتي هذا فيما وجه المركز الإعلامي التابع للجيش الليبي تعليمات لأهالي طرابلس من أجل الاستعداد لساعة الصفر لاقتحام العاصمة، فقد بدأت عشية قرار الشركة البريطانية بوقف رحلاتها للقاهرة المرحلة الثانية من عملية "طوفان الكرامة" التي أطلقها أوائل شهر أبريل الماضي الجيش الوطني الليبي، الذي يقوده المشير "خليفة حفتر"، من أجل السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، وربما كان إطلاق هذه المرحلة في هذا التوقيت يرتبط أرتباطا وثيقا بالتطورات الميدانية التي حدثت على الأرض خلال الأسابيع الماضية، والتي كانت سمتها الأساسية هي الجمود في معظم الجبهات، مع خسارة الجيش لغرفة عملياته الرئيسية التي كانت مدينة "غريان" جنوبي مدينة "العزيزية" هي مقرها.
ولعل خسارة الجيش الوطني لـ "غريان" لم تعن فقط خسارته لمركز قيادته المتقدم، بل تسببت أيضاً في قطع طريق إمداد رئيسي لقواته المتواجدة جنوبي طرابلس، وأدّت كذلك إلى فصل القوات المتواجدة جنوبي طرابلس تماما عن القوات المتواجدة في محور "الزهراء" جنوبي غرب العاصمة وصولاً إلى خط الحدود مع تونس، وبهذا أصبح الجيش الوطني لا يمتلك سوى خط إمداد واحد فقط من "بني وليد وترهونة" في اتجاه "أسبيعة"، ومن ثم إلى محاور جنوب وجنوب شرق طرابلس وهي محاور "المطار وقصر بن غشير وصلاح الدين وعين زاره ووادي الربيع".
وعقب خسارة "غريان"، شرع الجيش الوطني في إعادة إنشاء مركز قيادته ليصبح في مدينة ترهونة الواقعة على بعد 60 كيلو مترا جنوب شرق العاصمة طرابلس، ومن ثم بدأت وحداته في محاولة تحجيم الاختراق الذي حدث في غريان، فقوات رئاسة الأركان التابعة لحكومة الوفاق استمرت في محاولة التغلغل جنوبا إلى المناطق الواقعة جنوبي "غريان"، مثل "الأصابعة"، كما بدأت كذلك في الاتجاه شرقاً نحو المناطق المُتاخِمة للجانب الغربي من مدينة "ترهونة" مثل "أسبيعة وسوق الخميس"، ولهذا ظهرت أمام الجيش الليبي عدة خيارات ميدانية، منها ضرورة توسيع وتيرة التقدم في المحاور الرئيسية جنوبي طرابلس، بشكل يتم فيه فصل العاصمة إلىشطرين، شطر شرقي وشطر آخر غربي تقع في جنوبه المناطق التي وصلت إليها قوات الوفاق جنوبي العاصمة مثل العزيزية وغريان والهيرة والقواسم.
وفي هذا محاولة للاستفادة والبناء على التقدم البطئ الذي أحرزته وحدات الجيش الوطني بشكل عام في المحاور الجنوبية، وهي محاور المطار و"قصر بن غشير وصلاح الدين وعين زاره ووادي الربيع"، أيضاً من الخيارات التي نتجت من تقدم قوات الوفاق إلى "غريان" هو ضرورة تفعيل قوات الجيش الوطني لمحاور قتالية جديدة بغرض تشتيت القوة المتوافرة لحكومة الوفاق في طرابلس، منها محوران في اتجاه شرقي العاصمة، الأول من شرقي مدينة ترهونة في اتجاه مدينة الخمس الساحلية، والمحور الثاني يقع إلى الشمال منه في اتجاه "القره بوللي" على الطريق الشرقي المؤدّي إلى العاصمة، بجانب إمكانية تفعيل المحور الغربي للعاصمة، خاصة وأنه تتواجد وحدات تابعة للجيش في منطقة كوبرى الزهراء بجانب سيطرتها على مدينتيّ صرمان وصبراتة.
ولايغيب عن هذا المشهد بالتأكيد وجود أصابع خفية لتركيا بغطاء قطري، حيث استغلت الحرب الأهلية المستمرة في ليبيا ضمن كثير من الدول المتورطة فيها، بينما تركيا التي تظهر أكثر فأكثر كفاعل رئيسى في الأزمة، وتعمل على دعم "حكومة السراج"، والتي تخوض حربا أهلية ضد الجيش الوطني الليبي الذي يقوده الجنرال "خليفة حفتر"، ولكن ماهو الهدف الذي تسعى "أنقرة" من خلاله العبث في الملف الليبي بدعم قطري في الخفاء؟، والحقيقة أن الهدف يبدو واضحا للعيان، فإن ليبيا بلد غني بالنفط وبمخزونات الغاز، ويتاخم طرق تجارية هامة في البحر المتوسط، وبالطبع فإن ليبيا إذا فقدت الاستقرار داخليا تجلب بسرعة أطماع الفاعلين الدوليين، وهذا ينطبق أيضا على الحكومة التركية.
كما أن التجارة هي أحد أهم الأسباب وراء تدخل أنقرة في ليبيا، كما يقول "أويتون أورهان" من مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الوسط: "منذ حقبة القذافي كان الكثير من الشركات التركية يعمل في تركيا، لكن بعد الحرب الأهلية خسرت ليبيا من أهميتها الاقتصادية، وبالتالي تراجع الاهتمام بالاستثمار"، وهذا يتغير ببطيء، إلى ذلك يجب ذكر أن تركيا بدأت مؤخرا في التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الشرقية من البحر المتوسط، وهذا القرار يحمل بين طياته قوة نزاع كبير، لأن الاتحاد الأوروبي اعتبر تلك الأنشطة غير قانونية، ومنذ تلك اللحظة تطورت المنطقة إلى منطقة نزاع في السياسة الدولية، و"في هذا النزاع على السلطة تحتاج تركيا إلى حلفاء في جانبها ـ وحكومة طرابلس بين من يضمن الولاء لأنقرة".
ومن أجل كل تلك الأسباب الحقيقة التي كانت وراء الأزمة المفتعلة، لابد لي أن ألفت النظر إلى أن اعتذار السفير البريطاني في القاهره وتراجع شركه لوفتهانزا عن وقف رحلاتها لمصر - بعد أن كانت قررت وقف الرحلات - يشير إلى لعبة خبيثة من جانب بريطانيا التي تواجه أزمات في الداخل، فمهما تغيرت الحكومات ستبقى سياسات بريطانيا تجاه القاهرة كما هى من مصر، لا تغيرت يوما ولا سوف تتغيرأبدا في المستقبل القريب أو المنظور، فما معنى أن تعلن شركات بريطانية وقف حركة الطيران لمدة أسبوع، بحجة أن مصر تتعرض لمخاطر أمنية فى الوقت الحالى، وتتبعها شركات كبرى، ثم لا شىء، في وقت الذي امتلأت فنادق مصر بنسبه اشغال تخطت 95% من الحجز السياحي تأخذ بريطانيا هذا القرار، وهنا تساؤل ملح : هل غرتها "دبلوماسية الصبر" التى تمارسها القيادة السياسية ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي بحكمته ورويتة المعهودة في مواجهة مثل تلك الأزمات؟!.
لقد عاش المصريون ساعات من القلق، لا مثيل لها، حيث كثر اللغط والحديث غير الدقيق عن انسحابات دولية، وكأن الضربة القادمة لمصر المحروسة ستكون عبر الأسطول السادس الأمريكى، صحيح إنه قد مضت ليلة كئيبة، لم نعرف كيف انتهت ولا من حيث بدأت؟، ولماذا حدث كل ذلك في وقت عوده السياحه الروسية، وخاصه سياحه "الشارتر" إلى مصر تأخذ بريطانيا هذا القرار المريب، ويبدو في خلفية المشهد إن جماعة الإخوان المسلمين تقوم بافتتاح مراكز بحثية في بريطانيا، وتصدر تقارير يومية تصل للمنظمات الدولية، وأجهزة المخابرات والصحفيين المعادين لمصر، ويتعاملون معها على أنها حقائق.
رأي الشخصي أنه آن الأوان بأنه ينبغي على مصر أن تفتتح مراكز بحثية في الأماكن التي يوجد بها مراكز بحثية للإخوان، للرد عليهم وتوضيح الحقائق، ويجب على رجال الأعمال المساهمة في ذلك، بعدما أصبحت بريطانيا أو لندن هي "الشقة التمليك" لجماعة الإخوان المسلمين يذهبون إليها عندما يشاؤون، لأن بريطانيا من رابع المستحيلات أن تعتبرهم جماعة إرهابية، في وقت قام فيه مجلس العموم البريطاني بتصنيف حزب الله كمنظمه ارهابيه ولم تدرج الاخوان كمنظمه ارهابيه، بينما بريطانية في الواقع تحتضن ما بين 32 إلى 33 ألف إرهابي، وكان هناك مطالب باستبعادهم، إلا أن المنظمات الحقوقية منعت ذلك.
وعلى ذكر الخط الذي يربط بين "بريطانيا وقطر" عبر بوابة الإخوان الإرهابية، أحب أن أشير إلى أن موقع "قطريليكس"، المعارض للدويلة القطرية قد سبق أن قدم معلومات عبر حسابه على موقع التغريدات القصيرة "تويتر"، حول التمويل القطرى لأعضاء جماعة الإخوان الإرهابية فى أوروبا، مؤكدا على أن حجم هذا التمويل يتخطى الـ 350 مليون يورو، وأفادت "قطريليكس"، أن تمويل الإخوان المشكلة الكبرى فى بريطانيا، والنظام القطرى كان ملاذا لقيادات الإخوان بعد هروبهم من دولهم، مضيفا أن الدوحة قدمت لقادة الإخوان عوناً كبيرا لتمويل أفكارهم المتشددة، وأن قطر تأوى أبرز قادة تنظيم الإخوان وداعميهم وعلى رأسهم يوسف القرضاوى.
وكما هو معرف فإن قطر أول دولة تفتح ذراعها للإخوان منهم يوسف القرضاوى، الذى أتاحت له "قناة الجزيرة" منبراً بشكل منتظم، ووجدى غنيم، الذي غادر قطر إلى تركيا فى عام 2014، وهناك أسماء أخرى غير معروفة لخبراء الإرهاب، ولكن تم تحديدها فى وسائل الإعلام المصرية باسم الإخوان المسلمين، أما عن العلاقة التاريخية بين الإخوان ولندن، تكشفها الوثائق، الموجودة بكتاب إنجليزى يحمل اسم "العلاقات السرية" للكاتب مارك كيرتس وقد صدر فى 2010، حيث أشار إلى وجود صلات قوية بين الإنجليز، والجماعة منذ النصف الأول من القرن الماضى، ويتحدث من خلال وثائق بريطانية رفعت عنها السرية مؤخرا، حول توطيد العلاقات من خلال التمويل والتخطيط لإفشال المنطقة العربية والإسلامية.
قال "كيرتس": "كانت الإخوان تعتبر بريطانيا دولة ظالمة بسبب اعتدائاتهم على اليهود، ودعوا لمقاومة الاحتلال البريطاني، فى تلك الفترة، وكان الملك فاروق حليفاً لبريطانيا، وفى الأربعينيات ومع مهادنة حكومة فاروق لحسن البنا، بدأت بريطانيا فى تمويل جماعة الإخوان منذ عام 1940"، وبحسب الكاتب الإنجليزى، فقد مولت بريطانيا جماعة "الإخوان المسلمين" فى مصر سرا، من أجل إسقاط نظام حكم الرئيس السابق جمال عبدالناصر، وماتزال حتى الآن تناهض الدولة المصرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة