حققت مصر نجاحاً أبهر العالم فى تنظيم بطولة أمم أفريقيا 2019، وشهد العالم بروعة التنظيم وجودة الملاعب والبنية التحتية وغيرها من عوامل النجاح، فضلاً عن المكاسب المادية والمعنوية للكرة المصرية، من عودة الروح للمدرجات وسلوكها الراقى الذى نال إشادة العالم، وتطوير الملاعب المصرية التى ظهرت بشكل أوروبى وغيرها من المكاسب، إلا أن خروج المنتخب الوطنى من دور الـ16 للبطولة يبقى الخسارة الوحيدة والمفجعة للجماهير المصرية العاشقة لكرة القدم والداعمة لمنتخب بلادها عقب ضياع حلم التتويج باللقب الأسهل على أرض الكنانة.
صدمة الجماهير المصرية بضياع حلم الفوز باللقب الثامن ومواصلة التربع على عرش القارة السمراء امتزجت بحالة من الدهشة والانبهار بسبب التطور الكبير والطفرة الهائلة التى وصلت إليها كرة القدم فى شمال أفريقيا، وهو ما ظهر فى المستويات المتميزة التى حققها الأشقاء العرب، ووصل على إثرها منتخبا تونس والجزائر إلى نصف نهائى البطولة، انتهاءً بتتويج "محاربى الصحراء" بلقب الكان 2019، وهو ما يطرح عدة تساؤلات، منها كيف تطورت كرة القدم فى شمال أفريقيا، وما آليات هذا التطوير، وهل يكمن السر فى اختيار المدرب، وأيهما أصلح لقيادة المنتخب "الوطنى" أم "الأجنبى"، وكيف يستفيد الفراعنة من تجربة الجزائر للعودة إلى الزعامة الأفريقية، وأسباب تراجعنا أفريقياً، ولماذا اكتفينا بتحقيق حلم الصعود لكأس العالم ولم نقدم خلاله ما يرضى طموحات الجماهير، وسرعان ما أخفق المنتخب بالمونديال وتبعه إخفاق أفريقى، فماذا سنفعل لبناء جيل قوى قادر على إعادة الفراعنة للريادة؟.
تطور المنتخبات من تطور الأندية
المتابع لكرة القدم فى شمال أفريقيا خلال العقد الأخير، يلحظ التطور الذى حققته على مستوى الأندية، والذى انعكس بالطبع على المنتخبات، وهو ما ظهر فى تتويج فرق شمال أفريقيا بدورى الأبطال السنوات الأخيرة، حيث حل الترجى التونسى وصيفاً لمازيمبى فى نسخة 2010، وتوج بلقبى 2011 و2018، ووصل لنهائى 2019 أمام الوداد فى المباراة التى شهدت أزمة تحكيمية وقرر الكاف إعادتها، أما الوداد المغربى فتوج بلقب أفريقيا 2017 على حساب الأهلى، كما فاز وفاق سطيف ببطولة 2014 وحل اتحاد الجزائر وصيفا للبطل في 2015 على الترتيب.
وفاق سطيف بطل افريقيا 2014
الاحتراف فى الدوريات الكبرى
أدركت المنتخبات العربية أهمية الاحتراف فى كرة القدم، وعدم الاعتماد فقط على الدوريات المحلية، فكونت كتائب من اللاعبين غزت الأندية الكبرى واكتسبت من الخبرات الفنية وتوجت بالبطولات مع أنديتها، الأمر الذى انعكس بالفعل على أداء المنتخبات، فظهر محاربو الصحراء فى أمم أفريقيا بكتيبة مدججة بالنجوم، يتقدمهم رياض محرز الفائز بخمس بطولات مع مانشستر سيتى الموسم الماضى، وإسماعيل بن ناصر وآدم وناس المحترفين بالدورى الإيطالى، وسفيان فيجولى وإسلام سليمانى بالدورى التركى، ياسين براهيمى فى البرتغال، ويوسف عطال بفرنسا، وبغداد بونجاح بالسد القطرى.
اسماعيل بن ناصر افضل لاعب في امم افريقيا
الروح القتالية والأداء الرجولى للاعبين
منتخب الجزائر منذ الوهلة الأولى أبهر عشاق الساحرة المستديرة بأدائه المتميز والروح القتالية التى ظهر عليها لاعبوه فى أمم أفريقيا فاستحقوا لقب "المحاربين"، خاصة فى المواجهات الإقصائية أمام كوت ديفوار والسنغال، بالإضافة إلى تطور أدائه الذى جمع بين القوة الهجومية والصلابة الدفاعية، وهو ما تكلل فى النهاية بالتتويج باللقب الثانى لمحاربى الصحراء بعد غياب 29 عاماً، والأمر لم يختلف كثيراً للمنتخب التونسى الذى أوقعه حظه العثر وجدل تحكيمى أمام السنغال، ولكن لاعبيه خرجوا من البطولة مرفوعى الرأس بأداء رجولى نال احترام الجميع.
جمال بلعمري نجم الجزائر
أيهما أصلح لقيادة المنتخب المدرب "الوطنى" أم "الأجنبى"؟
اختلف الخبراء فى الإجابة عن سؤال أيهما أفضل لقيادة المنتخب، المدرب الوطنى أم الأجنبى؟، ودافع كل عن وجهة نظره، وهنا لابد من توضيح معنى الوطنى بأن يدرك أهمية الانتماء للبلد وقيمة تحقيق إنجاز أو إضافة بطولة لهذا البلد، واحترام طموحات جماهيره، وليس مجرد إضافة إنجاز لتقوية سيرته الذاتية، وهو ما ينعكس على حماسه الذى يبثه فى نفوس اللاعبين طول المباريات ليحولهم إلى مقاتلين فى أرض الميدان وليسوا مجرد لاعبين يركضون فى الملعب بلا روح أو حماس، ويصبح كل واحد منهم قائداً للفريق قادرا على إحداث الفارق وعدم القضاء على ظاهرة النجم الأوحد فى الفريق، وهو ما ظهر فى أداء الفراعنة الذين غابت عنهم الروح القتالية التى اعتدنا عليها فى الجيل الذهبى أعوام 2006 و2008 و2010.
جمال بلماضى يعيد الروح لمحاربى الصحراء
أهمية المدرب الوطنى تجلت فى أمم أفريقيا 2019، بعدما تمكن جمال بلماضى وإليو سيسيه من الصعود بمنتخبى الجزائر والسنغال لنهائى البطولة، ووضح مجهود الأول الذى تمكن من تطوير أداء محاربى الصحراء بعد استلام المهمة من رابح ماجر الذى فشل فى الصعود بهم لكأس العالم 2018 بعد تزيل المجموعة بالتصفيات، ومن قبلها الخروج من دور المجموعات فى نسخة الكان 2017 وتوديع نسخة 2015 من ربع النهائى، وتمكن مدرب الجزائر بنفس المجموعة تقريباً من تحقيق الحلم الذى انتظرته جماهير الخضر 29 عاماً والتتويج باللقب الأفريقى الثانى فى تاريخهم على أرض الفراعنة باستاد القاهرة.
"الفراعنة" يكتفى بحلم الصعود للمونديال وتجاهل ما بعد الصعود
أما منتخب مصر فوقف عند مرحلة تحقيق حلم الصعود لكأس العالم بعد غياب 28 عاماـ وهو إنجاز كبير بالفعل ـ إلا أن لاعبى الفراعنة لم يعملوا لمرحلة ما بعد الصعود للمونديال، فاكتفوا بدور المشاهد فى المحفل العالمى، وكانت النتيجة العودة سريعاً من روسيا، ليس هذا فحسب، بل إنهم لم يستفيدوا من الدرس فتكرر الأمر فى أمم أفريقيا التى ودعوها من دور الـ16 فى الوقت الذى كان الجميع يمنى النفس للتتويج باللقب والاستفادة من عاملى الأرض والجمهور، فهل يستفيد المنتخب الوطنى من أخطاء الماضى ويبدأ إعداد جيل جديد يعيد الفراعنة للعصر الذهبى وزعامة القارة السمراء، خاصة مع قرب انطلاق تصفيات أمم الكاميرون 2021، أم سنواصل مسلسل الإخفاق المتكرر وعدم الاستفادة من دروس الآخرين؟.. هذا ما ستثبته الأيام المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة