من منا لم يتعامل يوما مع خدمات " الكول سنتر"، التى باتت تتنافس جميعها على ضعف المستوى وتدنى ما تقدمه للمستهلك، فالمشهد يبدأ باتصال من خلال الخط الساخن المعلن، ثم تعليمات إلكترونية تقودك إليها الخدمة الصوتية، من عينة إذا أردت اللغة العربية اضغط الرقم 1 وإذا أردت الانجليزية اضغط 2، ثم استعراض مجموعة كبيرة من الخدمات المتداخلة حتى" يتوه" العميل ويضطر إلى إغلاق الخط أو اللجوء إلى صفر للتحدث إلى أحد ممثلى خدمة العملاء.
وصولك إلى مسئول خدمة العملاء فى حد ذاته إنجاز حقيقى، فبعدما يتلو عليك العديد من الجمل التى لن تفهم منها شئ من سرعة الأداء، أخيرا سيقول :" ازاى أساعد حضرتك"، ولو كنت تسأل عن خدمات مالية لها علاقة بالبنوك مثلا، سوف يبدأ بطرح أسئلة من عينة حسابك فيه كام بالضبط ؟، والحد الائتمانى للكارت كام ؟ والتليفون ده بتاعك ولا لا ؟ ومشكلة كبيرة لو الأجابة لا.. هيقولك اقفل وكلمنا من الرقم المعتمد عند البنك !!
تقود التجربة مرة أخرى وتكافح حتى تصل إلى مسئول جديد من خدمة العملاء، لتطلب ما اتصلت من أجله، وسيكون الرد مفاجأة:" آسف يافندم أنا مقدرش أفيد حضرتك فى الموضوع ده، ممكن تتوجه لأقرب فرع من أجل حل هذه المشكلة، فترد عليه سريعا:" أنا بتصل بحضراتكم عشان مش فاضى أروح لأقرب فرع، ومافيش وقت والموضوع بسيط ويمكن حله من خلال خدمة العملاء هاتفيا، ليكون الرد فى النهاية :" آسف يافندم دى تعليمات البنك وما نقدرش نخالفها وبنشكر حضرتك على اتصالك، هل تريد أى خدمات أخرى؟! هل ممكن نساعد حضرتك فى أى حاجة تانية ؟!.. لتظل فى حالة ذهول لمدة من دقيقة إلى دقيقتين حتى يفقد مندوب خدمة العملاء الأمل ويغلق الخط من تلقاء نفسه.
هذه التجربة المأساوية نعيشها يوميا من ممثلى خدمة العملاء فى شركات الاتصالات والبنوك والمؤسسات الخدمية، وحتى شركات الصيانة والجهات المعنية بالشكاوى وتلقى الاستفسارات، حتى تحول الأمر من خدمة العملاء إلى " تطفيش العملاء" أو " التغليس عليهم"، لدرجة أنك ممكن تتخذ قرار بعدم التعامل مع هذا البنك أو هذه الشركة بسبب الطريقة التى يتعامل بها خدمة العملاء.
فكرة الخطوط الساخنة والأموال التى تجنيها الشركات والمؤسسات من خلف الاتصال بخدمات العملاء، والرسالة المسجلة دائما:" عفوا جميع مندوبينا مشغولون بالرد على عملاء آخرين" سوف تطاردك مع كل اتصال، حتى ولو كنت تتصل فى السابعة صباحا، أو الثانية بعد منتصف الليل، لأن الهدف خرج عن خدمة العميل إلى فكرة الاستفادة من العميل، فإذا لم تقدم له الخدمةالتى يطلبها، فقد حصلت على مكالمة تتقاسم سعرها مناصفة أو حسب الاتفاق مع شركة الاتصال المتعاقد معها.
إذا كنا نتحدث عن الشمول المالى، والتحول الرقمى وزيادة الخدمات المالية المتاحة من خلال الهاتف والانترنت، يجب أن تكون لدينا القدرات والمؤهلات للتعامل مع هذه المعطيات، وأن نتوسع فى زيادة الخدمات المقدمة من خلال الموبايل والانترنت من أجل التسهيل على العميل أو المستهلك، وفق ثقافة جديدة ومختلفة لا تقوده فى النهاية إلى طابور البنك أو انتظار دوره فى الشركة لمدة ساعة أو ساعتين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة