أرست المحكمة الادارية العليا، الدائرة السابعة موضوع، برئاسة المستشار أنور خليل نائب رئيس مجلس الدولة ، مبدا قضائيا هاما، مفادة أحقية المجلس الأعلى للشرطة استبعاد بعض من تتوفر فيهم الكفاية توصلا إلى العناصر القادرة على التعاون معه في تنفيذ السياسة العامة للدولة وسياسة وزارة الداخلية لا يُحمل على أنه يرجع إلى أسباب تتعلق بعدم صلاحيتهم ؛ لأن المجلس المذكور قد يجد نفسه ملزما باستبعاد بعض من تتوفر فيهم الكفاية توصلا إلى العناصر القادرة على التعاون معه في تنفيذ السياسة العامة للدولة وسياسة الوزارة، وهذه الاعتبارات في حد ذاتها كافية لحمل قرار المجلس الأعلى للشرطة على محمل الصحة دون الخوض فيما وراءه من أسباب، وتقف سلطة المحكمة عند التحقق من توفر عيب الانحراف بالسلطة من عدمه، دون أن تمتد رقابتها إلى جميع عناصر البت في القرار التي تستقل جهة الإدارة بتقديره.
وقالت المحكمة فى حيثياتها، إن كان الأصل في الترقية إلى الوظائف أنها تقوم على قاعدة أصولية قوامها عدم تخطي الأقدم إلى الأحدث إلا إذا كان الأخير هو الأكفأ، إلا أن هذه القاعدة قد أُرسيت حمايةً للموظف خلال حياته الوظيفية بقصد إقامة الموازنة بين حقه في العمل، وهو حق دستوري تكفله القوانين، وحق الجهات الإدارية في اختيار موظفيها ووضعهم في المكان المناسب بحسبانها هي المسئولة عن تصريف أمور الدولة وتسيير المرافق العامة على وجه يحقق المصلحة العامة ، وإذا كان المشرع قد اعترف في هذه الموازنة للجهات الإدارية (ومن بينها وزارة الداخلية) بسلطة تقديرية أرحب في اختيار موظفيها ممن ترى فيهم الصلاحية لشغل تلك الوظائف تحت رقابة القضاء على نحو يحقق المصلحة العامة إذا ما خلا قرارها من إساءة استعمال السلطة، فإن هذه الموازنة تسقط نهائيا بانتهاء خدمة الضابط الذى كفل له المشرع حق الوصول إلى أعلى الرتب في قانون الشرطة حتى نهاية خدمته التي يبلغ أجلها طبقًا للمادتين (19) و(71) من القانون المذكور بترقية الضابط إلى رتبة العميد أو اللواء.
وتابعت، إذ يكون الضابط قد حقق كل ما كفله له القانون من حقوق، ويكون القول الفصل في مد الخدمة بعد انتهاء أجلها لما تقرره الإدارة من اختيار بعض العناصر التي تراها مناسبة لتحقيق السياسة الأمنية التي تتولى الوزارة مسئولية تحقيقها، والتي يكون الوزير فيها مسئولا مسئولية كاملة عنها أمام الأجهزة الشعبية والسياسية، وهو ما يتعين معه الاعتراف للمجلس الأعلى للشرطة بسلطة تقديرية واسعة يترخص فيها عند اصطفائه لبعض العناصر المختارة من بين من تقرر إنهاء خدمتهم طبقًا للقانون، ممن هم أجدر في رأيه على تحقيق التناغم الأمني المطلوب، وهو يستقي ذلك من عناصر شتى قد تجبن عيون الأوراق عن الإيماء إليها، ومن ثم لا يجوز الاستناد إلى ملف خدمة الضابط وما يظهره من عناصر الكفاية والأقدمية لإجبار الإدارة على مد خدمته استنادًا –فقط- إلى ملف خدمته رغم عدم قدرته على التعاون معها وتحقيق سياستها، أو وجود من هو أجدر منه في ذلك، ومن ثم وجب على القاضي الإداري أن يترك للإدارة - بعد أن كفلت القوانين للضباط بلوغ أرقى المراتب والدرجات- أن تختار من بين الضباط الذين تقرر إنهاء خدمتهم طبقًا للقانون من تراه صالحًا للاستمرار في خدمتها المدة أو المدد التي أجازها لها القانون للاستعانة به لتحقيق أهدافها بغير رقابة عليها في ذلك ما لم يثبت من الأوراق أن الإدارة قد أساءت استعمال السلطة واستهدفت غاية أخرى غير المصلحة العامة.
واشارت المحكمة، كما أن من المقرر أن استبعاد المجلس الأعلى للشرطة بعض من تتوفر فيهم الكفاية توصلا إلى العناصر القادرة على التعاون معه في تنفيذ السياسة العامة للدولة وسياسة وزارة الداخلية لا يُحمل على أنه يرجع إلى أسباب تتعلق بعدم صلاحيتهم ؛ لأن المجلس المذكور قد يجد نفسه ملزما باستبعاد بعض من تتوفر فيهم الكفاية توصلا إلى العناصر القادرة على التعاون معه في تنفيذ السياسة العامة للدولة وسياسة الوزارة، وهذه الاعتبارات في حد ذاتها كافية لحمل قرار المجلس الأعلى للشرطة على محمل الصحة دون الخوض فيما وراءه من أسباب قد تجبن عنها عيون الأوراق، وتقف سلطة المحكمة عند التحقق من توفر عيب الانحراف أو تخلفه في القرار فقط، دون أن تمتد رقابتها إلى جميع عناصر البت في القرار التي تستقل جهة الإدارة بتقديرها.
وأضافت المحكمة:وحيث أنه في مجال المفاضلة بين المتزاحمين في الترقية إلى رتبة لواء أو الاستمرار فيها، فلا يؤثر في صحة وسلامة التقييم الذي يجريه المجلس الأعلى للشرطة سنويا،لاختيار من يعاونه في تنفيذ السياسة الأمنية، أن يختلف عن التقييم السابق له، والذي كان سببا في ترقيته إلى رتبة لواء أو المد له فيها سنة أخرى، ذلك لأن من المقرر أن ما يسري في هذا الشأن هو مبدأ سنوية التقييم، بمعنى ضرورة قياس كفاية الضابط بكل عناصره سنويا؛ للوقوف على ما يتمتع به من رؤى أمنية، تقدر الجهة الإدارية المختصة (ممثلة في المجلس الأعلى للشرطة) اتساقها مع السياسة والرؤية الأمنية سنويا، ولو كان الضابط يستصحب دائما تقييمه السابق لما أوجب المشرع عرض أمر المد له في رتبة لواء على المجلس الأعلى للشرطة سنويا، وهو ما يخالف طبائع الأشياء والتغير الذي يطرأ على سلوك الفرد وانجازاته وكفاءته من عام لآخر، ولا سيما من يتبوأ أرفع المناصب القيادية في المرفق الأمني
واستكملت: وفي خصوص الاستشهاد بالزملاء للتدليل على وقوع جهة الإدارة في عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها - فإنه لا يتأتى إعمال مقارنة نظرية محضة بين خريجي الدفعة الواحدة من الضباط خريجي كلية الشرطة، أو بين ضباط الشرطة من خريجي كليات أكاديمية الشرطة، وزملائهم الضباط من خريجي كلية الشرطة أبناء الدفعة الواحدة، على أساس أنه تم تعيينهم في تاريخ واحد، رغم اختلاف ظروف ومواقع عمل كل منهم داخل مرفق الأمن؛ حيث إن لكل موقع عمل داخل مرفق الأمن تأهيله وتدريبه، الذي يٌكسِب شاغلي وظائفه خبرة متخصصة في مجال محدد؛ تجعله مؤهلا للتزاحم مع أقرانه ممن اكتسبوا الخبرة ذاتها في نفس المجال لشغل الوظائف القيادية فيه، ومن ثم متى اختلفت مواقع العمل داخل مرفق الأمن على نحوٍ يختلف معه التأهيل والتدريب والخبرة اللازمة للقيام بأعباء الوظيفة المتاحة لشغلها، مما يصعب معه عقد مقارنة موضوعية بين زملاء نفس الدفعة؛ ينتفي محل الاستشهاد بهذا الزميل الذي جُل تأهيله وتدريبه في مجال آخر من مجالات الأمن؛ للتدليل على وقوع جهة الإدارة في عيب إساءة استعمال السلطة.
واختتمت: أما فيما يخص الجزاءات التأديبية - لا يتأتى إعمال مقارنة نظرية محضة بين عدد ما قد يكون قد وقع على الضابط من جزاءات وما وقع على زملائه المستشهد بهم؛ لأنه في مقام وزن الجزاءات بالقِسْطاسٌ المستقيم، لا يسوغ مجرد مقارنتها عددا أو كما، بل يجب أن يؤخذ في الاعتبار ما إن كانت المخالفات المنسوبة إلى الضابط تنم عن اعوجاج في السلوك، لا يستقيم معه العمل في الوظائف القيادية، أم مجرد زلات وهنات مما يقع فيها الإنسان بحكم ما جٌبل عليه من أنه خطاء بطبعه، ويرتدع ويرجع بالتوجيه تارة وبالعقاب تارة أخرى، وهذا مما يدخل في إطار السلطة التقديرية للمجلس الأعلى للشرطة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة