الكتب المقدسة، أجمعت على أن الله سبحانه وتعالى، آتى سليمان ملكا عظيما، وسخر له كل شىء، الريح والطير، والنمل، والجن، وتسبيح الجبال وعلماً بالقضاء.. مصداقا لقوله فى سورة النمل: «وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ».. وفى سورة سبأ: «وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ».
وورد اسم سليمان عليه السلام فى القرآن الكريم فى سبع سورٍ، وفى ستّ عشرة آية، وقد كان هذا الذكر ملازماً للنعم المترادفة التى أنعم الله عليه وعلى أبيه داود عليهما السلام، كما ورد فيها فضل الله العظيم عليه وعلى أبيه من قبله.. فقد سخّر الله له الجن، والإنس، يخدمونه بما يريده، ولا يخرجون عن طاعته، وسخر له مردة الشياطين، حيث كانوا يغوصون له فى البحار لاستخراج اللآلئ والجواهر، ويؤدون الأعمال التى يصعب على البشر القيام بها، كبناء القصور العالية، والصروح الضخمة،..!!
وتحدثت التوراة، عن سليمان، واعتبرته ملكا لأعظم ممالك المشرق العربى، وأن حدودها لم تقتصر فقط على فلسطين، وإنما امتدت لتشمل كل بلاد الشام.. واعتبرت عصره أزهى عصور إسرائيل على الإطلاق، عمرانيا وعسكريا وإداريا وثقافيا، وبما أن الإنس والجن ومردة الشياطين، بجانب الطير والحيوانات، شاركت فى بناء مملكة سليمان العظيمة، فإن الطفرة العمرانية ستكون عظيمة الشأن، مبانى وقصورا لا مثيل لها، وتتحدى غدر الطبيعة، وعوامل التعرية وتقف صلبة قوية تباهى الزمن، ومع ذلك لا يوجد شاهد أثرى واحد، صغيرا كان أو كبيرا، أو نقشا على حجر أو معبد أو قصرا، يؤكد حقيقة مملكة سليمان.. وفقا لما جاء فى التوراة..!!
الأثريون الأجانب والإسرائيليون، وبموجب عقيدة دينية، وليست تاريخية وأثرية، حاولوا وطوال عقود طويلة البحث والتنقيب عن آثار مملكة داود ومن بعده مملكة سليمان العظيمة، وجابوا فلسطين طولا وعرضا، ومع ذلك لم يعثروا على أى شىء، حتى كتابة هذه السطور، وربما أصابهم اليأس والإحباط الشديد، وسلموا بأن العثور على أثر واحد شاهدا على إمبراطورية سليمان، فى فلسطين والشام، كالبحث عن إبرة فى قاع محيط!
بل، الأهم، أن حوليات الحضارات القديمة جميعها، والتى واكبت نفس تاريخ مملكة داود وسليمان، مثل حضارات فينيقيا وآشور ومصر القديمة، لم تشر من قريب أو بعيد لهذه المملكة، وأن خبراء وباحثين وعلماء فى التاريخ، طرحوا سؤالا جوهريا: مملكة بحجم وعظمة مملكة سليمان، لا يمكن أن تكون بمعزل عن الحراك السياسى والعسكرى فى زمنها مع الجيران، من احتكاكات واختلافات، ما ينجم عنها نشوب معارك حربية، فلماذا لم تذكر الحضارة المصرية شيئا عن هذه المملكة، لا خيرا ولا شرا..؟! إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن حكم سليمان دام أربعة عقود كاملة، حيث حكم يهوذا وإسرائيل لثلاث وثلاثين عاما، وحكم مدينة الخليل فى فلسطين لمدة سبعة أعوام، وكانت وفاته فى أورشليم القدس عام تسعمائة واثنين وثلاثين قبل الميلاد، وهى تواريخ مهمة ودالة ومؤثرة فى محيطها قبل الداخل.
بعض المستشرقين، يحاولون التشكيك فى حقيقة شخصية سيدنا سليمان، وأنه يأتى بالخوارق، مثل التحدث مع الطير والنمل، ويُسخر الجن ومردة الشياطين، والريح وكل شىء، ومن ثم فإنه أقرب إلى أبطال الأساطير، ويطرحون الأسئلة أين مملكة سبأ؟ وأين القصور والمعابد والنقوش والوثائق التاريخية الدالة على وجود مملكة سليمان..؟!
أسئلة صعبة ومعقدة، ولكن يظل القرآن الكريم هو الأصدق، والمنزه عن التشكيك.
وللحديث بقية إن شاء الله..!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة