قف للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
هكذا قال أمير الشعراء أحمد شوقى فى قصيدته الشهيرة، واصفاً المدرس بهذا الوصف شديد الروعة، وراسماً له صورة دقيقة تصل إلى حد التقديس الذى لا يناله إلا الرسل.. فأى معلم هذا الذى يقدمه لنا مسلسل "ولد الغلابة" للنجم أحمد السقا على قناة إم بى سى.. هل هذا هو المعلم الذى قال عنه شوقى أنه كاد أن يكون رسولا.. وإن كان هذا هو المعلم الذى جسد شخصيته أحمد السقا فهل اراد المسلسل أن يقول لنا أنه رسول النوايا الخبيثة ورسول المبادئ الهدامه ورسول المخدرات والقتل وارتكاب كافة أشكال الموبقات والانحطاط الفكرى.
كنت قد قررت منذ اليوم الأول لانطلاق سباق دراما رمضان هذا العام الابتعاد عن تناول أى مسلسل، سواء من قريب أو بعيد، ليقينى بأن النقد الفنى يخضع دائماً للحسابات النسبية، فما أراه جميلاً قد يراه البعض قبيحا، فآثرت على نفسى عدم الدخول فى منطقة النقد الفنى، والابتعاد عن تقييم الأعمال الدرامية التى يقوم ببطولتها نخبة من كبار النجوم.
ولكن ظهور مسلسل "ولد الغلابة" على هذا النحو من الفجاجة، وعلى هذا المستوى من الانحطاط الدرامى جعلنى لم أتمالك نفسى، وقررت الكتابة عن هذا النموذج شديد القسوة للمدرسين الذين بكل تأكيد شعروا بمرارة وهم يشاهدون هذا المسلسل الصادم والذى شوه صورتهم النبيلة وأظهرهم بهذا الشكل القميء.
لقد كان هذا المدرس منذ البداية.. مدرس يمتهن مهنة مقدسة ومعروف عنه النزاهة والخوف من الله، فكيف يتسرب هذا الوضع من بين أيدى المشاهدين ليجدوا أنفسهم يشاهدون مدرس وقد تغير تماماً فنجده يرضخ لظروفه الاجتماعية القاسية بكل سهولة ويوافق على العمل فى تجارة المخدرات وشيئاً فشيئاً يتحول إلى لص ثم إلى شخص قاتل ومن خلال حبكة درامية شديدة الاتقان يصبح القتل بالنسبة له أمر عادى وطبيعى وليس هذا وحسب بل أنه يعطى لنفسه المبررات الكافية لارتكاب جرائم القتل فيذهق أرواح خصومه واحدا تلو الآخر، وكأننا أمام زعيم عصابة وليس مدرساً رسمنا له منذ اولى الحلقات صورة ذهنية شديدة الجمال بل ان كل من شاهد اولى حلقات المسلسل تعاطف معه وعاش معه ظروفه ومشاكله واعتصرت قلوب المشاهدين حزناً عليه وهو يصارع الحياة من أجل الحصول على لقمة العيش الحلال او التى كنا نعتقد أنها حلال وليست من تحارة المخدرات حينما كان يمتلك تاكسى يعمل سائقاً عليه بعد انتهاء اليوم الدراسى.
المسلسل يتضمن رسائل فى منتهى الخطورة ويقدم نموذج سئ للمدرسين وهو ما يجب أن نتنبه إليه بل ارى ضرورة ان يكون هناك موقف حازم تجاه المضمون شديد الخبث الذى يريد المسلسل أن يقدمه على هذا النحو من التجاوز فى حق المجتمع بالكامل وليس فى حق فئة المعلمين فقط.. صحيح أن الانحراف والفساد موجود فى كل المهن، وفى كل المجالات، ولكن ما كان يجب ان يقدم لنا المسلسل هذا النوع من الانحراف فى فئة المعلمين على هذا النحو الصادم وبهذا الشكل الذى يتنافى مع طبيعة الشخصية.
وعلى الرغم من كل ذلك فالحق يقال أن المسلسل من الناحية الفنية جاء على مستوى عال ومتميز من حيث الإخراج وتصوير المشاهد الخارجية وحركة الكاميرا ببراعة إلى جانب القدرة على تجسيد الانفعالات فى المواقف المختلفة سواء فى مواقف الفرح أو الحزن.. أما تمثيل أحمد السقا فقد كان مفاجأة للجميع وتجسيده لتلك الشخصية بهذا الشكل الذى جعلنا نصدق أنه مدرس طيب القلب، بينما كل ما شاهدناه عليه من قبل من مشاهد الأكشن والجرى والمشاكسة كلها كانت تمثيل فى تمثيل.
وبعيداً عن كل ما سبق إلا أن المسلسل تضمن مجهودا كبيرا من الجوانب الفنية والتقنية، وأن كل ذلك قد ضاع فى الهواء وسط تلك التجاوزات فى السيناريو والمضمون فقد جاء المحتوى مليئاً بمظاهر الانحراف التى لم ولن نقبلها على فئة من المجتمع، وأقصد بهم المدرسين الذين كما قلت من قبل أن امير الشعراء وصفهم بأنهم كادوا أن يكونوا رسلاً من فرط قدسية مهنتهم. وبالطبع فإنهم لم ولن يكونوا كما صورهم المسلسل عنواناً للانحراف والانحطاط الفكرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة