بينما كان الرسول الكريم يدعوا سرا إلى دين الله انطلق نفر من قريش إلى مكانه ليسمعوا منه وهم عثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجرّاح، فأسلموا في ساعةٍ واحدةٍ، وكان ذلك قبل ان يختار رسول الله بيت الأرقم مقرا له.
وحديثنا اليوم عن الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح أحد العشرة المبشّرين بالجنّة، والذي شهد مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بدراً وأحداً والمشاهد كلّها، وكان ممّن ثبت مع رسول الله يوم أُحد، وكان يبلي بلاء حسناً، وكان من أحبّ النّاس إلى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم؛ إذا سأله عمرو بن العاص عن أحبّ الناس إليه؛ فقال: (عائشةُ، قيل: مِن الرِّجالِ؟ قال: أبو بكرٍ، قيل: ثمَّ مَن؟ قال: عمَرُ، قيل: ثمَّ مَن؟ قال: أبو عُبَيدةَ بنُ الجرَّاحِ).
شارك أبو عبيدة فى كل المواقع مع رسول، ويوم أحد دفع ثنيته فداء رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندما غارت حلقتان من حلق المغفر في وجه الرسول عليه الصلاة والسلام، فلم يشأ أبو عبيدة أن يخرجهما بيديه خشية إيلام رسول الله، فشدّ الأولى بأسنانه فسقطت ثنيته على الأرض، ثمّ شدّ الحلقة الأخرى من الجهة المقابلة بأسنانه فسقطت ثنيته الثانية أرضاً.
كما اختاره رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندما جاءه رجلان من نجران يطلبان منه أميناً، حيث ورد في صحيح البخاري: (وابعثْ معنا رجلاً أميناً، ولا تبعثْ معنا إلّا أميناً، فقال: لأبعثنَّ معكم رجلاً أميناً حقَّ أمينٍ)، فرغب كلّ واحد من الصّحابة أن يكون من اختيار الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- لينال الشرف العظيم، فقال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (قُمْ يا أبا عبيدةِ بنِ الجراحِ، فلمّا قام، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: هذا أمينُ هذهِ الأمّةِ).
وفى زمن عمر بن الخطاب كان أبو عبيدة أميراً على الشام فنزل يوماً أمير المؤمنين إلى الشام ودخل بيت أبي عبيدة، فلم يجد فيه إلّا كُسيرات من الخبز والقليل من المتاع، فبكى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقال له: (غيّرتنا الدنيا كلّنا، غيرك يا أبا عبيدة).
وعندما كان أبو عبيدة جنديّاً في جيش خالد بن الوليد وهم يخوضون المعارك والفتوحات، أرسل عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين كتاباً يعزل فيه خالداً وعيّن أبا عبيدة قائداً للجيش، فقال أبو عبيدة لخالد: (والله إنّي كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، وكلّنا في الله أخوة)..
وتكمن عظمة أبى عبيدة رضى الله عنه فى موته حيث أصيب أهل الشام بالطاعون، فأرسل عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- إلى أبي عبيدة يستعجله بالذهاب إليه، وقد كانت حيلةً أراد منها أمير المؤمنين أن يُبعده عن خطر الطاعون، ففهم أبو عبيدة مقصد أمير المؤمنين فأرسل له معتذراً بأنّه لا يستطيع أن يترك الجند، حيث أصابه الطاعون فتوفّي على إثره سنة ثمانية عشر للهجرة، وكان عمره حينئذ ثمانية وخمسون سنة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة