لعل العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين، شهدت صراعات عديدة بين عدد من القامات الأدبية فى مصر، وربما كانت معركة الأديبين الكبيرين طه حسين ومصطفى صادق الرافعى، أحد أشهر تلك المعارك، والتى ظلت لفترة طويلة بين الأديبين.
وتمر اليوم الذكرى الثانية والثمانون على رحيل الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعى، إذ رحل عن عالمنا فى 10 مايو عام 1937، عن عمر ناهز حينها 57 عاما، تاركا خلفه إرثًا ثقافيًا وشعريًا كبيرا، حيث ينتمى لمدرسة المحافظين وهى مدرسة شعرية تابعة للشعر الكلاسيكى لقب بمعجزة الأدب العربى.
فبحسب كتاب "من روائع الرافعى"، فإن المعركة بدأت عند صدور كتاب الرافعى "تاريخ آداب العربية" وانتقده الدكتور طه حسين عام 1912، واشتدت المعركة حين أصدر الرافعى كتابه "رسائل الأحزان"، وانتقده أيضًا الدكتور طه حسين بشدة قائلا: "إن كل جملة من جمل هذا الكتاب تبعث فى نفسى شعورًا قويًا مؤلمًا بأن الكاتب يلدها ولادة وهو يقاسى من هذه الولادة ما تقاسى الأم من آلام الوضع".
فرد عليه الرافعى يتحداه بأن يكتب مثل هذه الرسائل خلال ستة وعشرين شهرا وقد حمى وطيس المعركة عندما أصدر الدكتور طه كتابه "فى الشعر الجاهلى" وهنا برز الرافعى لطه حسين مفندا حججه وشكوكه فى مقالات بلغت العشرين، وكان من نتائج تلك المعركة أن أخرج طه حسين روائع كتبه الإسلامية مثل "على هامش السيرة، الواعد الحق، الشيخان" وغيرها.
ووفقا لما جاء بكتاب "الأدب العربى عبر العصور" للكاتبة هدى التميمى، فأن الرافعى ألف كتابا أسماه "راية القرآن" للرد على كتاب فى الشعر الجاهلى، وألف كذلك بين القديم والجديد للرد على كتاب ألفه طه حسين وهو "مستقبل الثقافة فى مصر" وصد صنف إبراهيم عوض مؤلفا جمع فيه أقول النقاد والمؤرخين سماه "معركة الشعر الجاهلى بين طه حسين والرافعى".
وما لم يعلمه الكثير، أن المعركة بدأت قبل هذه الأحداث سالفة الذكر، الخلاف بين الرافعى وطه حسين، كان أعمق، ففى عام 1911، يصدر الرافعى كتاباً بعنوان "تاريخ آداب العرب" يجد صدى طيباً عند المثقفين ما عدا أحدهم وهو أديب ناشئ طالب بالجامعة المصرية واسمه طه حسين، قال هذا الطالب فى مقال نشرته له (الجريدة) سنة 1912م "هذا الكتاب الذى نشهد الله على أننا لم نفهمه" ولكنه عاد فصحح رأيه فيه سنة 1936، بعد رحيل "الرافعى"، حيث اعترف عميد الأدب العربى بأنه لم يعجبه أحد ممن ألفوا فى الأدب إلا المفكر مصطفى صادق الرافعى "فهو قد فطن لما يمكن أن يكون من تأثير القصص فى انتحال الشعر وإضافته إلى القدماء، كما فطن لأشياء أخرى قيمة وأحاط بها إحاطة حسنة فى الجزء الأول من كتابه "تاريخ آداب العرب".
وبحسب الكاتبة جهاد فاضل فى مقال لها، نشر بجريدة "الراية"، وأول ما كان بينهما، بالإضافة إلى ما تقدم، النفور والتجاهل، زار الرافعى مرة إدارة (الجريدة) فلما هم بالانصراف طاف بالمحررين يحييهم، وبينهم طه حسين، ولكن الذى كان يصحب "الرافعى" فى طوافه لم يعرفه "طه"، ولم يقدم أحدهما للآخر، وعرفه الرافعى على الرغم من ذلك إذ كان مثله لا يخفى واسمه على جبينه، ولكنه لم يحبه ولم يظهر له المعرفة رعاية لعاطفته وخشية أن يفهم طه أن الرافعى لم يعرفه إلا بعلته التى يتميز بها فيألم وتتأذى نفسه، ولكن طه طوى صدره على شيء للرافعى من يومئذ لأن الرافعى انصرف دون أن يحييه كما حيا زملاءه العاملين معه فى الجريدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة