كان مستشفى قصر العينى بالقاهرة فى البداية عبارة عن سجن حربى فى فترة حكم المماليك، ثم حصل أحمد العينى باشا، على أرض هذا القصر، كهدية من المملوكى سليمان المهرانى، ومع تولى السلطان «قايتباى» حكم مصر، استولى على قصر العينى، ومع قدوم الحملة الفرنسية، طلب نابليون بونابرت، تحويل هذا القصر إلى مستشفى عسكرى، وتخصيصه لجنوده وضباطه.
وفى هذا القصر، أنشا محمد على، مدرسة حربية، فى العام 1825، ولكنه سرعان ما تغير نشاط القصر فى 1837، عندما تحول إلى مدرسة للطب ومستشفى عسكرى، يضم كل الفروع الطبية والعلوم الطبيعية واللغات.
هاجم بعض المتزمتين من علماء الدين وقتها فكرة التشريح بعد الموت عندما أسس محمد على مدرسة الطب سنة 1827 استجابة لاقتراح الدكتور كلوت بك، وكان مقرها فى أول عهدها بأبى زعبل لوجود المستشفى العسكرى بها من قبل، فأنشئت المدرسة بالمستشفى إذ كان أفضل مكان فى ذلك الحين لإيواء المدرسة لتوافر وسائل التعليم الطبى والتمرين وبعدها عن هؤلاء المتزمتين، والغرض منها تخريج الأطباء المصريين للجيش، ثم صار الغرض عامًا بأن صار الأطباء يؤدون الأعمال الصحية للجيش وللبلاد عامة.
وذكر المسيو مانجان أن عدد تلاميذ مدرسة الطب بلغ سنة 1837 «140» طالبا و50 طالبا فى مدرسة الصيدلة، ووصف مستشفى أبى زعبل، فقال إنه احتوى على 720 سريرا، وأن غرفه منسقة تنسيقا بديعا، يتخللها الهواء الطلق، وتسودها النظافة.
أيضا كان تعليم البنات لدى عامة المصريين من الأمور غير المرغوبة، وعندما أتت فكرة إنشاء مدرسة تلتحق بها الفتيات حاول محمد على اختراق هذه التقاليد الجامدة بتعليم المرأة فافتتح لها مدرسة للولادة، ولكن المصريات رفضن الالتحاق بها لفترة، مما دفعه إلى إلحاق الحبشيات والسودانيات بها، حتى مع دعوة رفاعة الطهطاوى وعلى مبارك لتعليم المرأة، ومع أنها لم تلق إقبالاً فى عهد عباس الأول وسعيد باشا، فإنها أتت ثمارها فى عصر الخديو إسماعيل، حيث أنشأت زوجته الثالثة «جشمة آفت» هانم أفندى أول مدرسة للبنات، ودفعت مبلغاً كبيراً من المال لشراء قصر قديم فى منطقة السيوفية بالقاهرة وأمرت بتحويله إلى مدرسة للبنات، تم افتتاحها فى عام 1873 باسم المدرسة السيوفية ثم تغير اسمها بعد ذلك إلى المدرسة السنية والآن أصبح مستشفى قصر العينى، أكبر صرح تعليمى وطبى فى مصر، ويستقبل٣٠٠ ألف مريض سنويا بأقسامه الداخلية، ويتردد على عيادته الخارجية المختلفة نحو٢٠ ألف حالة يوميا، ويبلغ متوسط من يعالجون سنويا بقصر العينى 7 ملايين، و٣٠٠ ألف مريض.
لماذا أحكى هذا الآن؟ لأقول إنه دائما الأفكار البالية القديمة تقف حجر عثرة أمام من يريدون التغيير والتطور مثلما يحدث الآن لمشروع تحديث مصر الذى كانت إشارة بدئه من الرئيس ببناء الإنسان المصرى.
الإنسان هو الركيزة الأساسية لصناعة الحضارات والنهوض بأى دولة، وقد أولى الرئيس عبدالفتاح السيسى، اهتمامًا كبيرًا بفكرة بناء الإنسان والهوية المصرية منذ توليه منصبه كرئيس للجمهورية فما أكثر المرات التى أكد فيها أن بناء الإنسان هو تحدى الإنسانية كلها، وهو جوهر الرسالات، وأنه يجب التحرك بقوة لإعادة صياغة الشخصية المصرية.
الرئيس عبدالفتاح السيسى أكد حرصه على أهمية مشاركة مصر فى الثورة الصناعية الرابعة التى يشهدها العالم حاليا وتعتمد على العلوم والتكنولوجيا، مشددا على أنه يصعب عليه للغاية عدم المشاركة فى تلك الثورة، مؤكدا أن هذا الأمر يتطلب جهدا من الشباب والحكومة وأساتذة الجامعات، وطالب المصريين بالالتفاف حول العلماء ومتابعة رؤيتهم وربطها بالواقع، حتى لا ننفصل عن العالم وحتى لا تفوتنا المشاركة فى تلك الثورة العلمية والتكنولوجية الجديدة التى تمثل حياتنا ومستقبل أبنائنا.
الرئيس، خلال مداخلته بالجلسة الافتتاحية للمنتدى العالمى للتعليم العالى والبحث العلمى الذى افتتحه وكان تحت رعايته تحت عنوان «بين الحاضر والمستقبل»، أكد على نقطة فى منتهى الأهمية لابد أن تؤخذ فى الاعتبار، وهى أن التطور العلمى والتكنولوجى قد يسحق أجيالا فى هذه الثورة الجديدة إذا لم نلحق بركابها، مشيرا إلى أن التفاوت بين قدرات الدول وتراجع البعض منها سوف يؤدى إلى المزيد من التردى، وأن التكنولوجيا كان لها تأثير كبير على تحسين مستوى صحة الإنسان وأن التطور العلمى الذى نشهده الآن كان سببا فى ارتفاع مستوى الأعمار والقضاء على العديد من الأمراض، وبالتالى فإن الدراسات الاكتوارية التى كانت معدة قديما لصرف معاشات للمسنين لم تعد متوافقة مع الواقع، وأن مصر لديها تجربة خلال ثورة الاتصالات التى شهدها العالم خلال العقدين الماضيين، والتى كان لها تأثير كبير على العالم، مؤكدا أن كل تقدم وتطور تشهده الإنسانية فى المعرفة والعلم، يؤدى إلى تراجع القدرة على التنبؤ بنتائج تلك التطورات على الإنسانية، وضرب مثلا بأن العالم يشهد حاليا ملامح لاختفاء المعاملات النقدية، على الرغم من أن هذا الأمر كان من المستحيل تصوره فى الماضى القريب.
ولا شك فى أن إحداث الطفرة المنشودة فى التعليم لا يأتى إلا بتكاتف مؤسسات الدولة مع بعضها بعضا، ولكن نجاح عملية بناء الإنسان المصرى، علميًا وصحيًا ومجتمعيًا، يتطلب جرأة فى التغيير، ومواجهة للتحديات، وإيمانًا وتكاتفًا بين الأفراد والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية لإنجاح التجربة، لأن نجاحها يعنى نجاحنا جميعًا.
الحقيقة هنا أن تغيير المجتمع وبناء الإنسان المصرى ليس قضية مسئولين وحكومة فقط، بل مجتمع بأكمله، فهى مسئولية مشتركة بين المسئولين والشعب متمثلة فى المجتمع المدنى بكل أطيافة واهتماماته، يجب أن يؤدى كل فرد فى المجتمع ما يستطيع لعودة الشخصية المصرية، ويعود دور المعلم فى المدرسة، والطبيب فى المستشفى، والباحث فى معمله.
وما تقوم به الدولة حاليا من إدخال التكنولوجيا فى المدارس، وتطوير المعلم المصرى اجتماعيًا واقتصاديًا، والعمل على قضاء جميع أشكال التعليم الموازى، لكى تعود الثقة مرة أخرى للمدارس، تطوير المناهج بما يتناسب مع طرق التعليم الحديثة والنظريات العملية فى العالم، وتطبيق ذلك على جميع المدارس المصرية بكل أنواعها خطوة جريئة لأننا ولابد من التغيير ومساندته والمطلوب حاليا هو «الثقة» فى القيادة السياسية، وألا يستمع لمجموعة الأفكار المشككة فى الإدارة والإرادة السياسية ومؤسسات الدولة فى التغيير للأفضل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة