يعد مصطلح الواقعية المفرطة أو "الهايبررياليزم" - على عكس ما يظن أنها نكوص وارتكاس باتجاه لوحات عصر النهضة - وليدة أوائل النصف الثانى من القرن العشرين بهمة رواد مثل تشاك كلوز ودون إدى وريتشارد ماكلين، ومن بعدهم دينيس بيترسون وغيرهم، وعنوانها إنجاز عمل فنى كلوحة أو منحوتة، بواقعية مفرطة، تتحدى مقدرات الكاميرا بجودتها العالية، وأحدثت تلك التقنية ما يشبه بالتقنيات التقليدية المستخدمة فى إنجاز اللوحة.
ويعد من أبرز من قدموا هذه التقنية فى العصور الراهنة، الفنان التشكيلى الإيرانى الشهير "إيمان ملكى" (1976م) والذى يعد أحد رواد تلك التقنية، واستطاع من خلال لوحاته تجسيد حالات إنسانية بصورة فائقة وبدقة عالية، ولعل ذلك يكشفه قوله "عندما أرسم أشعر أنى مغمض العينين تتحرك يدى بدافع وأمر مباشرة من عقلى فأنا أرى المنظر بعقلى أفضل ألف مرة من عينى".
وإيمان ملكى رسام واقعى إيرانى، من مواليد 1976م، فى العاصمة الإيرانية "طهران"ـ تفتقت لديه موهبة الرسم وبدأ بصرف جُل انتباهه نحو الفنون التشكيلية منذ طفولته، وعندما بلغ الخامسة عشرة من عمره بدأ بتعلم الرسم ومبادئه الأساسية على يد الرسام الإيرانى مرتضى كاتويزيان (ولد 3 يوليو 1943) حيث يعتبر أعظم رسام واقعى إيرانى فى وقته، وفى العام (2005م) حصل "مالكى" على جائزة "ويليام بوجيرو" للوحته "بشائر حافظ" ومقدارها 3000 دولار، وجائزة المركز الثانى دولياً من مركز تجديد الفن"Art Renewal Center" فى أمريكا بلوحته"فتاة بجوار نافذة".
لوحة الفتاة والمعلمة
ومن بين اللوحات الشهيرة للفنان الإيرانى، لوحة "الفتاة والمعلمة"، واللوحة تظهر سيدة فى شبابها، تجلس على حافة سور منشأة، تحمل كتابا فى يدها يبدو أنها تتوقف عند إحدى صفحاته، وتجلس بالقرب منها فتاة، تضع جانب ذراعها الأيمن على فخذ المعلمة، وتنظر إليها باهتمام، وفى نظرتها اطمئنان وهدوء، وعلى أرضية المكان سجادة يدوية وحذاء يبدو لإحداهما، ترتديان ملابس تكشف عن البيئة الإيرانية التى تنتميان إليها، وتظهر فى الخلفية مبان عالية، ومناطق خضراء، وتغطى السماء النسبة الأكبر منها.
واللوحة يظهر فيها العديد من التفاصيل الدقيقة، طيات السجاد، الشعر المتناثر، وتظهر دقة الرسام فى رسم الأقدام الحافية، وحبكة التطريز والخياطة فى بنطال الفتاة "التلميذة"، مم يعمل على توضيح الانفعالات الدقيقة التى تجعل الصورة كأنها حية أمامك.
تميزت الشحنة الفنية لدى الرسام الإيرانى، فى إبراز العديد من الانفعالات الحية، مثل استحضار الابتسامة والهدوء بدون أى تعقيدات فى اللوحة، وتشريح وضع الأذرع والأرجل وأصابع اليد والقدمين، والتى تظهر كأنها طبيعية للغاية، وثنية الملابس و"فرولة" الخيوط، ودقة ألوانها التى جاءت فى معظمها من الألوان الباردة التى تمثل حالة الهدوء التى تمثل الحالة الرئيسية للوحة، بجانب وضع السجاد اليدوى بـألوانه الحارة، وكأن الفنان أحب أن يضفى نوعا من البهجة على الهدوء المتواجد فى الرسمة، واستطاع من خلال كافة العناصر المتواجدة فى اللوحة إظهار روح المجتمع الإيرانى ومظهره الخارجى والداخلى.
وبحسب مقالة للكاتبة فرح مهداوى، نشرت فى مجلة فن التصوير، "فإن الواقعية المفرطة فى الرسم طريقة تعتمد غالبا على تبنى مشاهد من الحياة اليومية، ورسمها بتفاصيلها الدقيقة بكل جزئية وواقعية، يستخدمها الرسام بعناية فى اللوحة، وكأنه يرسم من تحت عدسة أو مجهر، وما يميز "مالكي" المعروف بواقعيته المفرطة، هو براعته فى توظيف الألوان الفاتحة والظلال، التى نستطيع أن نشعر بها من خلال خفة ضربات الفرشاة فى التفاصيل الدقيقة، إضافة إلى الاعتماد على الرياح، الشمس، الغيوم كخلفية لتجسيد عنصرالحركة، أما استخدامه لتقنيات الضوء فلا يسعنى وصفه سوى باللمسة السحرية".
وتضيف فرح مهداوى "فى اللوحة نجد شابتين إيرانيتين إحداهما تقرأ، بينما تنظر الأخرى إليها وكأنها تنتظر جوابا عن سؤال، نجد تفاصيل دقيقة جدا فى اللوحة، لا يسع العين المجردة أو العقل البشرى تذكرها فى الأحوال العادية، هذا التصوير الدقيق نجده أيضا فى لوحات مماثلة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة