التاريخ المصرى حافل بالأحداث العظيمة، والشعب المصرى له بصمته الكبرى فى تشكيل حياته، ولعل ثورة 1919 التى نحتفى هذا الشهر بمرور مائة عام على انطلاقها، أكبر دليل على ذلك، وبالعودة إلى كتاب «ثورة 1919.. تاريخ مصر القومى من 1914 إلى «1921 للمؤرخ المصرى عبدالرحمن الرافعى نجده يؤكد هذا الكلام.
يقول الرافعى فى مقدمة كتابه: «شبت الثورة فى شهر مارس سنة 1919 وبدأت بمظاهرات سلمية تطوف فى شوارع العاصمة، هاتفة بالاستقلال، منادية بسقوط الحماية، ولم يكن الظن بادئ الأمر أنها الثورة، لذا كان الكثيرون يعتقدون أنها مظاهرات وقتية، تنتهى فى يومها، ولا يكون لها ما بعدها، ولكنها استمرت فى الأيام التالية، وتصدت لها السلطة العسكرية البريطانية بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وسالت الدماء فى الشوارع، فلم يرهب المتظاهرين القتل، واستمروا فى مظاهراتهم وانضمت إليهم طوائف الشعب كافة، وامتدت الحركة إلى الأقاليم، فقلدت العاصمة فى مظاهراتها وإضرابها، وفاقتها فى بعض المواطن فى العنف والشدة، واستهدفت الجماهير فى المدن والقرى للقتل، ولقيت ما لقيت من ضروب الأذى والنكال، وقطعت السكك الحديدية والأسلاك البرقية والتليفونية، وتعطلت المواصلات فى جميع المناحى، فأدرك من كان فى نفسه شك أنها «الثورة».
ويتابع «الرافعى»: «عمت الثورة أرجاء البلاد، دون أى تدبير أو تنظيم، لم تكن ثمة هيئة أو جماعة تدعو إليها أو توجهها، بل شملت البلاد فجأة، وعلى غير انتظار، وكان ذلك من مظاهر جلالها وروعتها، وظهر فيها فضل الشعب، إذ أدرك بفطرته السليمة أن الحركة الوطنية إنما قامت ضد الاحتلال الأجنبى، وكان مقصودا منها بداهة جلاء الاحتلال عن البلاد، وأن الاستقلال الصحيح لا يتحقق إلا بالجلاء، وعلى هذا الأساس قامت الثورة، فبرنامج الثورة كان أوسع مدى من برنامج الوفد، ولم تكن الثورة وليدة الوفد، ولا وليدة سعد، بل كلاهما وليد الثورة، هذه حقيقة يقتضيها الإنصاف أن نذكرها، تقريرا للواقع، وإبرازا لفضل الشعب فى ثورة 1919فلقد اتجه وجهة الجلاء، واحتمل فى سبيل الجهاد ما احتمل من شدائد وتضحيات، ولذلك عنيت ضمن ما عنيت به فى تدوين وقائع الثورة بتسجبيل تضحيات الشعب وجهاده، واستنفدت الناحية الشعبية معظم صحائف الثورة، ولا غرو فهى الناحية التى هدانى البحث إلى أنها عماد الحركة القومية، وليس هذا اتجاه فى التفكير جديد عندى، ولا أقصد منه أن أغمط حق الكبراء والعظماء، بل هو الاتجاه الذى توافرت على صحته الحقائق والحوادث».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة