لايجتمع اثنان إلا وتكون الشكوى من سوء الخدمات ثالثهما.. نشكو من الموظفين فى الإدارات وفى المستشفيات والمدارس والقطارات والنقل والعقارات هناك شكوى عامة، والمفارقة أن كلًا منا هو طرف فى واحدة من هذه الخدمات محل الشكوى بما يعنى أننا نشكو أنفسنا.
البعض يرجع السبب إلى الحكومة فهل الوزير هو المسؤول أم القوانين أم نظام العقاب والثواب أم تراجع التعليم؟.. إذا كان الوزير فإن تغيير الوزير لا ينتهى بإصلاح.. والقانون فقد صدر قانون الوظيفة المدنية ولم يحدث فرق.
هل العقاب هو الحل؟.. تشديد العقاب يمكن أن يقلل من الإهمال لكنه لا يحل الأزمة، فكرة العقاب وانتزاع الإهمال، ومواجهة متعاطى المخدرات أو المهمل أو الفاسد هى حلول مهمة، لكنها تتعلق بمقاومة السلبى من دون تعظيم الإيجابى. وهنا ننتقل إلى أهمية الحافز فى العمل وهى التى تميز العمل والتقدم، لأن الحوافز الفردية والشخصية تميز التقدم حيث يتوقع الأكثر عملًا أن يحصل على عائد يتناسب مع جهده.
ويفترض أن يشعر الموظف الذى يقوم بدوره ويسهل تقديم الخدمات للمواطنين بأن عمله مقدر، وأنه لايتساوى مع الكسول والمهمل ومن يهدر المال العام. لأن الإهدار أحد أسباب تردى أحوال الخدمات العامة، وعلى سبيل المثال فيما يتعلق بالقطارات والسكك الحديدية والنقل العام أو حتى المدارس والمستشفيات، بالرغم من تأثير نقص الإمكانات، فإن إهدار المال فى عمليات تكهين أو إهمال، أو سوء توظيف يمثل نسبة لايستهان بها قد تصل إلى ربع أى موازنة وهى أرقام بالمليارات.
ثم أن غياب الحافز يساوى بين النشيط والكسول، وبين المهمل والملتزم، ومن يعمل ومن لا يعمل، لأن الكسل والإهمال والفساد أمراض إذا لم تقاوم وتعالج تنتقل وتتحول إلى عدوى.
فى كتاب «الاقتصاد العجيب»، يتحدث المؤلفان ستيفن د.ليفيت وستيفن دوبنر، أن الاقتصاد فى جذوره هو دراسة الحوافز، وكيف يحصل الناس ما يريدون وهناك ثلاثة أنواع من الحوافز اقتصادى، وأخلاقى واجتماعى، وأن الغش يعنى الحصول على الكثير مقابل القليل. والحوافز تكون مفيدة فى حال تم تقديمها فى سياق من العدالة، بينما تضر عندما تكون فى غير محلها، بمعنى أن التاجر الغشاش تحت حافز الربح الكبير يمكن أن يخترع أسبابًا يثير بها خوف المستهلكين ليشتروا أكثر، والطبيب الجشع يبالغ فى تخويف المريض ليجبره على إجراء جراحة غير ضرورية. ونفس الأمر فيما يتعلق بالوظيفة العامة، عندما يحصل الأقل كفاءة على دخل أكبر من قدراته، وأضعاف ما يحصل عليه المجتهد، فإن هذا يمثل حافزًا عكسيًا يدفع المجتهد إلى الشعور باليأس. والإجادة يمكن أن تصبح عيبًا فى مجتمع يسود فيه الكسل والفهلوة. ومن يجيد يتوقع عائدًا يتناسب مع جهده وإن لم يجده مرات فهو يعود لينضم إلى الكسالى والمهملين.
ومثلما نتحدث عن سياسة العقاب ومواجهة الإهمال، علينا أن نقدم سياسة الثواب والحافز، وربما يكون أحد أسباب فشل منظومة الإدارة، هى تقديم الأقل كفاءة على الأكفأ، وهو ما يسمى المحسوبية والواسطة وهى سلبيات تمثل واحدًا من أهم أسباب سوء الإدارة.
وبالتالى فإن السعى لتغيير الإدارة وإنتاج منظومة مستمرة، يستند إلى الحافز، مثلما يستند إلى العقاب. وليس فقط الرهان على الضمائر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة