لقد سقط الهواة والمشتاقون فى أول تجربة وكادوا يأخذوننا لطريق جد مسدود ويدمروا الوطن لولا أن الله قيض لمصرنا العزيزة قائدًا حكيمًا
كثير من الناس لا يدركون مفهوم بناء الدول أو إدارة الدول أو سياسة الدول، فضلا عن قيادة الدول، ويظن بعضهم الأمر أمرًا هينا أو يسيرًا، وليس الأمر كذلك على الإطلاق. إنه يتجاوز كل دوائر الهواية بمراحل، إنه سلسلة متشابكة ومعقدة من الخبرات المتراكمة، إنه القدرة على سرعة قراءة الواقع وفهم تحدياته وفك شفراته وحل طلاسمه، والتعامل معه على أسس علمية ومنطقية فى ضوء الخبرات المتراكمة.
الخبرة عملية تراكمية جانب منها يكون ناتجًا عن علم ودراسة، وجانب آخر يبنى على الدربة والممارسة والفراسة وتَوقُّد الذهن وشدة النباهة والذكاء والتوفيق.
ولقد فطن النقاد القدامى إلى أهمية الخبرة والدربة والممارسة التى يدرك بعضها بالحواس ولا يحسب بالأرقام، بل إنه قد يدرك ولا يوصف، يقول الآمدى فى موازنته متحدثًا عن أهمية الخبرة والدربة وطول الممارسة: ألا ترى أنه قد يكون هناك فرسان نجيبان شديدا النجابة يكادان يكونان متفقين فى كل الملامح والأوصاف والصفات من العتق والنجابة غير أن أحدهما يفضل الآخر بشىء لا يدركه إلا أهل الخبرة والدربة وطول الممارسة، وكذا الحال فى تمييز الإبل والنخيل وأنواع التمور وسائر الصناعات.
وفى عصرنا الحديث نقول والأمر كذلك فى تمييز الفاره من الصناعات والمميز من سائر الحرف، ألا ترى أنك قد تقف على عمل نحًّاتين أو سباكين أو محًّارين أو نقاشين أو غيرهم من ذوى المهارات الإبداعية وكل منهم شديد التميز، غير أن تميز أحدهم عن الآخر فى دقة الصنعة ودقائق فنونها الجمالية والإبداعية لا يدركه إلا أهل الخبرة والدربة الشديدة ممن مارسوا الصنعة وتميزوا فيها لسنوات وسنوات.
وإذا كان الأمر كذلك فى الصناعات الحرفية والمهنية الخفيفة واليدوية فما بالكم بإدارة المؤسسات، ناهيك عن إدارة الدول مع كل تحديات العصر وتشابكاته وتعقيداته ومشكلاته الأمنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والفنية.
إن الأمر يحتاج إلى علم وخبرة ودربة وتخصص وليس مجرد هواية، وعندما ننظر فى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة نجد أنهما يؤكدان على ضرورة توفر الكفاءة والكفاية والأمانة، حيث يقول الحق سبحانه فى كتابه العزيز على لسان سيدنا يوسف «عليه السلام» لعزيز مصر: «اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ» «يوسف: 55»، ويقول سبحانه على لسان ابنة شعيب لأبيها فى شأن سيدنا موسى «عليه السلام»: «يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِىُّ الْأَمِينُ» «القصص: 26»، ولما طلب سيدنا أبو ذر من سيدنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» أن يستعمله، قال له «صلى الله عليه وسلم»: «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها» «صحيح مسلم»، وقال «صلى الله عليه وسلم»: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» «صحيح البخارى»، وأهل الأمر هم أهل الكفاءة والأمانة معا.
ونلاحظ أن نبينا «صلى الله عليه وسلم» فى رحلة الهجرة استأجر دليلا غير مسلم معروفًا بكفاءته وأمانته، ولم يعتمد على أحد من الصحابة الكرام رغم شدة أمانتهم جميعا، ولا شك أن بعضهم كان على دراية بدروب الصحراء ومسالكها، على أن فارق الكفاءة هو الذى قدم الدليل غير المسلم عليهم، وهو- أيضا- ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب «رضى الله عنه» فى استخدام بعض كُتَّاب بيت المال وكُتَّاب الدواوين.
لقد سقط الهواة والمشتاقون فى أول تجربة ولم يستطيعوا أن يتجاوزا المحطة الأولى بل كادوا يأخذوننا لطريق جد مسدود، ويدمروا الوطن، لولا أن الله قيض لمصرنا العزيزة قائدًا حكيمًا صاحب خبرات كبيرة أخذ مع المخلصين من أبناء مصر البلاد والعباد إلى بر الأمان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة