تحول خبر استقالة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى موضوع للجدل والنقاش والاستغراب بين الباحثين والمتخصصين في الشأن الإيراني، وبغض النظر عن قبول الاستقالة من عدمه، فإن الاستقالة بحد ذاتها حقيقة وليست خبراً مزعوماً، حيث أعلنها صاحبها بنفسه عبر "انستجرام"، وبالتالي فهي حقيقة بغض النظر عن أسبابها ودوافعها.
طوفان من الأسئلة تطرحها هذه الاستقالة المفاجئة أولها حول علاقة هذه الاستقالة بتوازنات القوى السياسية داخل النظام الإيراني وهل تعبر الاستقالة عن تصاعد نفوذ الجناح الأكثر تشدداً داخل النظام الإيراني، حيث يمثل كل من الرئيس روحاني ووزير خارجيته الأب المٌعلن للاتفاق النووي الذي وقعه نظام الملالي مع الغرب، رغم أن هناك أب شرعي وحقيقي لهذا النظام هو المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يدير السياسة الخارجية الإيرانية ويتحكم بقوة في أبسط توجهاتها وليس في قرار مصيري مثل الاتفاق النووي فقط!
ثمة سؤال آخر يتعلق فيما يدور في إيران، فقد كان لافتاً أن ظريف قد حث في تصريحات صحفية نشرتها صحيفة "جمهوري إسلامي" الدبلوماسيين والموظفين في وزارة الخارجية على عدم الاستقالة! وهذا يعني بوضوح أن هناك ما يدور داخل الغرف المغلقة في "مطبخ" الدبلوماسية الإيرانية، وأن الدبلوماسيين ربما يرون أنهم لا يملكون لأنفسهم من أمرهم شيئاً، وأنهم مجرد واجهة لصاحب القرار الحقيقي وهو المرشد الأعلى خامنئي.
ثمة تساؤل مهم أيضاً حول طريقة إعلان الاستقالة، فالطريقة غير معتادة في نظام مغلق كالنظام الإيراني، ما يعني أن ظريف ربما أراد فضح ممارسات شخصيات معينة داخل النظام، وتبرئة ذمته امام الشعب الإيراني من تدهور الأوضاع المعيشية وانغلاق الأفق السياسي بل وظهور بوادر على تفاقم المواجهة بين الولايات المتحدة ونظام الملالي بما قد يسفر عن ضربة عسكرية أمريكية ضد النظام، أو إحكام قبضة العقوبات بما يفاقم أزمات البلاد ويدفع رموز النظام إلى تبادل الاتهامات والانزلاق إلى صراع سلطة داخلي يدمر النظام بأكمله على قاعدة التحلل والتفكك التدريجي، وما يعزز أرجحية هذه الفرضية إن استقالة ظريف الانستجرامية تضمنت شكر واضح للشعب الإيراني واعتذار عن "أي تقصير" في أداء وزير الخارجية، ولم تتضمن شكراً للقائد خامنئي والرئيس روحاني!تساؤل آخر مهم يتعلق برؤية ظريف لبوصلة النظام، الذي يصدر إشارات على نيته عسكرة السياسة الخارجية الإيرانية، حيث يلاحظ أن الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس السوري إلى طهران والتقى خلالها المرشد الأعلى علي خامنئي من دون وجود وزير الخارجية ظريف بل كان متواجدا في هذا المشهد الجنرال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني، وهذا الأمر يعني أن الدبلوماسية مغيبة عن عمد في الرؤية الاستراتيجية الإيرانية تجاه سوريا!
هذه المقابلة اللافتة لم تكن على الأرجح السبب في استقالة ظريف، رغم أن ظريف نفسه قال لاحقاً أنه: "لم يعد هناك أدنى احترام لوجودي في منصب وزير الخارجية"، فمن الناحية البروتوكولية يبدو مبرراً عدم وجود وزير الخارجية في مثل هذه المقابلة طالما أن الرئيس روحاني موجود، ولكن من الوارد أن ظريف قد التقط الرسالة من تغييبه وحضور سليماني في نفس المشهد، وهو حضور يستدعي التساؤل حول بوصلة السياسة الخارجية الإيرانية في الفترة المقبلة، وهل يعني ذلك أن هناك أمر جلل يتهيىء له النظام الإيراني؟ ما أقصده أن هناك تطور فارق في سوريا استوجب حضور الأسد على عدل لمقابلة صاحب القرار في إيران، وكان لازماً حضور المسؤول التنفيذي هذه المقابلة، وهو الجنرال سليماني.
برأيي فإن الأقرب لتفسير استقالة ظريف هو سبب يتعلق بمصير الاتفاق النوووي الموقع مع إيران، ليس فقط لأن ظريف يعتبر مهندس هذا الاتفاق منذ أن تولى حقيبة الخارجية في عام 2013، ولكن لأن الملالي يحتاجون ظريف في حال وجود أي نية لإعادة التفاوض حول الاتفاق، ما يعني أن هناك رؤية إيرانية قائمة على أن الاتفاق لم يعد قائماً وأن المرحلة المقبلة تقتضي فتح صفحة جديدة تعتمد على تصدر الجنرالات واجهة السياسة الخارجية الإيرانية، ليس لإعلان المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة ولكن لإرسال رسائل للغرب بأن نظام الملالي لا يخشى المواجهة ومستعد لخوضها، وهذا يندرج ضمن الحرب النفسية التي يخوضها الجانبان، وهي مواجهة قائمة على لعبة عض الاصبع التي مورست لفترات طويلة خلال العقود والسنوات الماضية بين واشنطن والملالي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة