لا يمكن لإنسان - مهما أوتى من القدرة على الاطلاع - أن يختصر العالم فى قوالب ثابتة، لأن التاريخ الطويل الممتد يؤكد أنه لا يوجد مقياس وحيد يمكن عن طريقه التوصل إلى نتائج متوقعة، وربما تعكس الثورات والذين قاموا بها ذلك، فكثير ممن قادوا التغيرات فى هذه الأرض وسالت الدماء بسبب أفكارهم كانت نهايتهم طبيعية أى أنهم ماتوا فى فرشهم يتذكرون أيامهم السابقة.. ومنهم:
مارتن لوثر
"أيها القس الأب، هل أنت مستعد للموت بثقة فى المسيح؟"، وكان رد مارتن لوثر: "نعم".
لم يمر فى تاريخ المسيحية شخص مثل مارتن لوثر فى القرن السادس عشر الميلادى، حيث أشعل العالم عندما أوجد المذهب البروتستانتى، لينافس المذهب الكاثوليكى فى أوروبا والذى كان نتيجته موت الملايين فى الحروب التى تبعت ذلك.
ولد الراهب الألمانى مارتن لوثر فى 10 نوفمبر 1483 ومات بسبب معاناته من المرض أثناء زيارته لبلده مانسفلد التى نشأ بها، وذلك فجر يوم الخميس 18 فبراير سنة 1546م، ودُفِن يوم 22 فبراير فى المدينة التى عاش فيها وهى فيتمبرج.
حدثت الكثير من الصدامات فى ألمانيا بسبب هذه الحركة، لكن المشكلة الكبرى وقعت عندما انتقلت الفكرة إلى فرنسا عام 1520، أى بعد ثلاث سنوات فقط من ظهور وثيقة لوثر ذات الـ95 نقطة، واعتنق العديد من الفرنسيين البروتستانتية.
وفى عام 1562 اندلعت حروب دينية متتالية فى فرنسا كانت بدايتها بوضع البروتستانت منشورات ضد الكاثوليكية فى الشوارع، فقاموا بالرد عليهم من خلال سلسلة من عمليات القتل التى استمرت فى ثمانى حروب متتالية وخلّفت وراءها 2 مليون قتيل، وكانت أكثرها بشاعة ما عُرف بمذبحة سان بارتولوميو.
وفى عام 1618 وقعت سلسلة من الصراعات الدامية بين المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت، بدأت شرارتها فى ألمانيا، وامتدت بعد ذلك لتشمل مناطق واسعة من أوروبا، راح ضحيتها أكثر من 8 ملايين قتيل، وخلّفت وراءها دمارًا واسعًا فى المدن والقلاع، وهى الحرب التى عُرفت فيما بعد بحرب الثلاثين عامًا، ووصفها المؤرخون بإحدى أطول وأعنف الصراعات فى التاريخ البشرى، وأكبر حرب دينية فى تاريخ أوروبا، والتى كان لها أبلغ الأثر فى تشكل أوروبا الحالية التى يراها البعض الآن باعتبارها مهد التسامح الدينى والتنوع العرقى.
ماركس
ولد كارل ماركس فى ألمانيا فى 5 مايو 1818، وقد غير العالم كله فى عام 1848 عندما نشر مع فريدريك إنجلز البيان الشيوعى، كما ألف كتابه الشهير "رأس المال" الذى أقام الدنيا وتسبب فى انقسامات كبيرة شهدتها الدول وأوجد الأنظمة التى تبنت أفكاره على رأسها روسيا التى بدأت بثورتها الكبرى 1917، وراح ملايين ضحية لهذه الأفكار ضدها أو معها.
توفى ماركس عام 1883 فى سن الـ 64 بسبب التهاب الشعب الهوائية، لتبقى جملته الأخيرة خالدة فى ذاكرة البشرية، حينما سألته مدبرة منزله إن كان يود قول شيء قبل أن يموت، فأجاب: "الحمقى فقط هم من يقولون الكلمات الأخيرة، لأنهم لم يتكلموا بما يكفى خلال حياتهم!".
فرانكو
وُلد فرانسيسكو فرانكو يوم 4 ديسمبر 1892 فى إقليم جاليسيا بإسبانيا لأسرة متوسطة الحال.
فى يوليو 1936 قاد ضباط موالون للملكية انقلابا عسكريا على الاشتراكيين المناصرين للجمهورية فاندلعت الحرب الأهلية فى إسبانيا، وبادر فرانكو إلى إصدار بيان مؤيد للانقلاب.
عقب موت قائد الجيش خوسيه سان خيرخو زعيم الحركة الانقلابية فى حادث تحطم طائرة مروحية بعد أيام من الانقلاب، طار فرانكو إلى مدينة تطوان حيث تولى قيادة الوطنيين وضمن سيطرتهم على الأراضى المغربية الخاضعة للاستعمار الإسبانى، فى وجه تهديد الجمهوريين المسيطرين على جنوب وشرق إسبانيا المتاخم للمغرب، بينما كانت معاقل الوطنيين منحصرة فى الغرب والشمال.
احتدمت المواجهة بين الفريقين، وقررت اللجنة العسكرية للدفاع تسمية فرانكو رئيسا للحكومة فى أكتوبر 1936، وبحلول فبراير 1938 أضاف إلى هذا اللقب لقبى رئيس الدولة وقائد أركان الجيش. وفى 28 مارس 1939 دخل مدريد منتصرا مستفيدا من دعم ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، وتجنيد واسع فى صفوف المغاربة خاصة بمنطقة الريف.
ورغم كل ما ارتكبه فى حق المعارضين والجمهوريين مات توفى الجنرال فرانكو يوم 20 نوفمبر 1975 بسبب قصور فى القلب.
ماو تسى تونج
ولد ماو تسى تونج فى 26 ديسمبر عام 1893 فى قرية شاوشان فى اقليم هونان لوالد فلاح صارم بنى نفسه حتى اصبح تاجر حبوب.
فى عام 1927 قاد ماو مجموعة صغيرة من الفلاحين من اقليم هونان الى اقليم جيانجزى الجبلى حيث كون هو واعضاء اخرين من الحزب الشيوعى حكومة على النمط السوفيتى وبدأوا فى تكوين جيش فدائيين كان نواة الجيش الاحمر الذى هزم القوميين بعد 22 عاما ودحرهم الى جزيرة تايوان.
فى 1966 بدا أن معاونى ماو من أمثال ليو شاو كى ودنج زياو بنج يتجاهلون حديديته فى مسالة الصراع الطبقى وهم ينفذون خطط التنمية، فأطلق ما عرف باسم الثورة الثقافية مستهدفا معاضيه ومستغلا غضب قطاعات من الطلاب سموا وقتها بالحرس الأحمر. ومات ماو فى عام 1976 بسبب أزمة قلبية.
فيدل كاسترو
استطاع أن يصمد أكثر من 40 عاما أمام الرؤساء الأمريكان وأن تستمر حياته 90 عاما كاملة، ولد فيدل كاسترو عام 1926 لعائلة ثرية، بيد أنه تمرد منذ صغره على حالة الترف التى كان يعيشها بعد ما صدم بالتناقض الكبير بين رغد العيش فى أحضان عائلته وبين قسوة العيش والفقر فى مجتمعه.
حمل السلاح ضد الرئيس فالجنسيو باتستا عام 1953 على رأس أكثر من مائة من أتباعه، إلا أن محاولته أحبطت وسجن هو وشقيقه راؤول. وبعد عامين صدر عفو عن كاسترو الذى واصل حملته لإنهاء حكم باتستا من المنفى فى المكسيك. وشكل قوة مقاتلة عرفت بحركة 26 يوليو.
وقد اجتذبت مبادئ كاسترو الثورية تأييدا واسعا فى كوبا. وتمكنت قواته فى عام 1959 من الإطاحة بباتستا الذى أصبح نظامه يرمز إلى الفساد والتعفن وعدم المساواة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة