كانت تربطنى علاقة صداقة باللواء عبدالرحيم القناوى عندما كان يشغل منصب مساعد وزير الداخلية للأمن، وكنت أزوره فى مكتبه باستمرار، ورغم فارق السن والخبرة كنت أعتبره صديقا لى وكان يعتبرنى ابنه، وفى ذات مرة شكوت له رئيس مباحث كان يعمل فى نجع حمادى لأنه كان يفرض على العائلات عددا من قطع السلاح حتى يقوم بعمل محاضر و«تستيف» أوراقه، وكانت هذه العملية شائعة فى كل مراكز الصعيد.
وعندما انتهيت من شكواى له، غضب جدا وقال لى إنه حتى فى محاضراته بكلية الشرطة كان يؤكد لطلابه على التغاضى عن المزارعين الذين يحملون السلاح لحماية أرضهم وعرضهم طالما لا يستعملونه فى العلن أو لتخويف الناس أو للتباهى أو لغرض غير مشروع.. فقط اعرف.. لكن تغاضى عنه طالما أنك متأكد أنه للحماية، خاصة فى الزراعات التى تقع فى أطراف القرى والنجوع، كما كان يقول لهم إنه يجب عليهم تعريف حاملى هذه الأسلحة أنكم تعرفون أنه يملك سلاحا، ولكنكم متغاضون لأنه يستعمله فى حماية نفسه، وقد لا تنطبق عليه شروط الترخيص وإذا سمحت الظروف يقوم بترخيصه، المهم هنا هو تعاطى المواطن نفسه مع ثقة رجال الشرطة وكان يتعاون معهم، فعندما يدخل غريب أى قرية أو نجع كان ضابط المباحث يعرف مين وإلى إين ذاهب ولمن.
كان المزارعون ينامون فى «الجرن» خشية الأغراب ومنازلهم مؤمنة تماماً.
فالقرى لا تحدث بها سرقات كالمدن التى لا يعرف فيها الجيران بعضهم بعضا، وبعدما حدث المتغير الأكبر وهو قانون الإيجار الجديد وبدأت عملية تأجير الشقق المفروشة، وبالتالى، حتى صاحب العقار لا يهتم بمن يسكن فى شقته أو بيته طالما سيدفع الإيجار بانتظام، وأصبحت تجارة ولها سماسرة وسوق.
ولأن «المزارع»، و«المناطق الجبلية» و«الصحارى»، هى المخابئ المعتادة، التى يلجأ إليها الإرهابيون، ليكونوا بعيدين عن أعين الأمن فى التخطيط لجرائمهم، والإعداد لها بالتدريب والتسليح، فقد لجأت الجماعات الإرهابية بمصر فى السنوات الأخيرة إلى مخابئ أخرى غير متوقعة، بل وسط التجمعات السكانية، ولعل أبرزها الشقق المفروشة، التى صارت مأوى لتلك الجماعات المتطرفة، يتم فيها تجهيز المواد المتفجرة قبل القيام بالعمليات الإرهابية.
والآن مع تطور وسائل الاتصال وتطور الجريمة وتنوع وثراء مموليها أصبحنا فى حاجة ماسة إلى تقنين هذا الوضع، حتى لا يصبح المواطن شريكا ولو بعدم إبلاغ الجهات الأمنية بمن يسكن عنده، علينا أن نؤيد وبشدة ما بدأته وزارة الداخلية بدراسة إجراءات تقنين وجوب إخطار الأجهزة الأمنية بعمليات تأجير وبيع الشقق السكنية «المفروشة، إيجار جديد» أو تلك التى تكون تحت الإنشاء، وغيرها من الأماكن التى قد تتخذها العناصر الخارجة عن القانون لتجنب الرصد الأمنى واستخدامها كمأوى لهم ومخازن لإخفاء أدوات جرائمهم، وكذلك علينا إثراء مناقشة إجراءات التعديل التشريعى المقترح بتغليظ العقوبات عن عدم الإبلاغ ببيانات المستأجرين للعقارات والشقق المفروشة، وذلك فى إطار حرص السياسة الأمنية المعاصرة على إبراز أهمية تواصل جمهور المواطنين مع الأجهزة الأمنية للمساهمة فى ضبط الجناة والإرهابيين، وكذا إجهاض مخططاتهم التى تهدد أمن وسلامة المجتمع، وذلك من خلال انتهاج الأسلوب العلمى وتعميق مفهوم الشراكة المجتمعية للارتقاء بمعدلات أداء الرسالة الأمنية وتحقيق أهدافها.. وإدراكاً لأهمية التخطيط الأمنى فى استكمال المقومات والمعلومات اللازمة لتوجيه ضربات استباقية هادفة لتقويض المخططات الإجرامية والإرهابية وتحصين المجتمع من شرورها.
الإرهابيون لديهم أموال كفيلة بإعماء أعين السماسرة والطامعين من أصحاب هذه الشقق، لكن أيضاً لابد للقانون أن يجبر هؤلاء على الإبلاغ عمن يؤويه فى مسكنه، خاصة إذا علمنا أن المؤجرين يعتمدون على السماسرة فى أغلب الأوقات ولا يعلم من بداخل عقاره سواء كان مصريا أو أجنبيا، هو لا يهتم الإ بموعد الحصول على الإيجار، وهذا لابد أن يتوقف مع تشريع يجبر هؤلاء على الإبلاغ عن المستأجرين ويحصل منهم على صور تحقيق شخصياتهم، فكم من المتطرفين سكنوا مثل هذه الشقق وملؤها بالمتفجرات وزرعوها فى أماكن لتقضى على حياة أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم ضحية سمسار طامع وصاحب شقة وفر للإرهابيين الملاذ بدون قصد، وكما نعرف الطريق للنار مفروش بالنوايا الحسنة.
أعلم أن بعض الناس تشترى الشقق لتأجيرها لكسب رزق حلال وزيادة الدخل، وحتى لا يكون المواطن الذى لا يبغى سوى كسب بعض الأموال الحلال سببا أو شريكا فى جريمة إرهابية يرتكبها من يسكن عنده يكون ضحيتها ابنى الذى يمشى فى الشارع آمنا مطمئنا.. أقولها لأصحاب الشقق والسماسرة: تعاونوا وحققوا الشعار على أرض الواقع.. الشرطة والشعب إيد واحدة ضد الإرهاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة