طرح قبول استقالة الأنبا سوريـال، أسقف ملبورن، من قبل الكنيسة القبطية، عدة أسئلة عن طبيعة تلك الاستقالة، التى تبدو غريبة على معجم الخدمة الكنسية، وعن الكيفية التى أدارت بها الكنيسة تلك الأزمة، التى سيكون لها تداعياتها على اجتماعات المجمع المقدس فى مايو المقبل.
كيف قبلت الكنيسة استقالة أسقف ملبورن؟
للمرة الأولى فى عصر البابا تواضروس الثانى، أعلنت الكنيسة عن قبول استقالة الأنبا سوريـال، أسقف ملبورن، الذى فاجئ المجمع المقدس بنشر استقالة مسببة على "فيس بوك" فى نوفمبر الماضى، عبر فيها عن تعبه مما وصفه بمشاكل الخدمة، التى وصلت إلى حد "تهديده بالقتل" حسبما قال.
الكنيسة قالت فى بيان رسمى: إيبارشية ملبورن للأقباط الأرثوذكس فى أستراليا، قبول البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، قبول استقالة الأنبا سوريال أسقف ملبورن وتوابعها فى الخامس من نوفمبر العام الماضى، ووضع الإيبارشية تحت إدارة البابا المباشرة لحين اختيار أسقف جديد لها.
وأشارت الكنيسة إلى أن الأنبا سوريال، وضع بشكل غير لائق استقالته على "فيس بوك"، وتحدث عن تعرضه لإساءات مستمرة وتهديدات مما وضع الكنيسة فى موقف محرج أمام الهيئات والمؤسسات الرسمية والكنائس الأخرى فى استراليا.
بينما تدخل الأنبا سرابيون مطران لوس أنجلوس لدى البابا تواضروس لترتيب حياة الأنبا سوريـال فى مرحلة ما بعد استراليا، إذ أبلغ الأنبا سرابيون الكاتدرائية رغبة الأسقف المستقيل فى الخدمة بكنيسة بلوس أنجلوس متخففًا من أعباء الأسقفية، التى قضى فيها ما يقرب من 21 عاما، عمل خلالها على تأسيس كلية لاهوت لتدريس العلوم الكنسية، بالإضافة إلى مدارس تابعة للكنيسة مع إطلاق مركز ثقافى قبطى يسمى برج "ابؤرو" يجمع بين تقديم الخدمة الكنسية والثقافة القبطية فى مبنى عملاق من أكبر ناطحات السحاب فى المدينة، وهو المبنى الذى افتتحه البابا تواضروس فى زيارته لاستراليا العام قبل الماضى.
كيف أدارت الكنيسة أزمة استقالة أسقف ملبورن؟
لا تعرف القوانين الكنسية الأرثوذكسية استقالة الأساقفة، إذ يحكم المسألة عرفًا متوارثًا يقول "الأسقف متزوج من ايبراشيته ولا يبرحها حتى الوفاة" إذ تتم تلك "السيامات الأسقفية" بصلوات وطقوس كنسية مخصصة لإتمام هذا الطقس إلا أن استقالة الأنبا سوريـال، أعادت فتح قضية استقالة الأساقفة مرة أخرى بعد أن تكررت تلك الواقعة حين أقدم الأنبا إبرام أسقف الفيوم على استقالة مماثلة منذ عام عاد بعدها لدير الأنبا بيشوى معلنًا رغبته فى الخلوة الروحية، وهو ما تسبب فى تظاهر شعب كنائس الفيوم للمطالبة بعودته، وقد توسط عدد من الأساقفة لحل الأزمة انتهت بعودته لكرسيه ليرأس صلوات أسبوع الآلام العام الماضى.
الأنبا رافائيل
حاولت الكنيسة إتباع نفس الطريقة مع أسقف ملبورن، وأوفدت الأنبا رافائيل أسقف وسط القاهرة، مكلفًا من البابا تواضروس لتهدئة الموقف وإثناء الأسقف عن رغبته إلا أن قرار الأنبا سوريـال كان نهائيًا وحاسمًا ولم تنجح تلك المساعى حتى انتهى الأمر بقبول استقالته.
يبدو مصطلح "الاستقالة" المستعار من الحياة الوظيفية غريبًا على عالم الكنيسة، الذى يعتبر أن عمل الأنبا سوريـال ليس وظيفة بل خدمة، ولكنه فى الوقت نفسه يعيد النظر لتلك القضية مرة أخرى، خاصة وأن الكنيسة الكاثوليكية "الفاتيكان" رغم كونها كنيسة تقليدية أيضا، ولكنها تحيل الأساقفة للمعاش، وتقبل استقالتهم إذا رغبوا فى ذلك بسبب تقدم العمر أو المتاعب الصحية.
كيف سيواجه البابا تواضروس فراغ مقعد الأنبا سوريـال؟
ليس أمام البابا تواضروس وفقًا للقوانين الكنسية والآليات المتاحة سوى رسامة "تعيين" أسقف عام لإدارة ايبراشية ملبورن بدلًا من الأسقف المستقيل، وهى آلية تسمح للبطريرك بتعيين أكثر من أسقف على ايبراشية واحدة كمعاون له، فى حال تقدم العمر أو تزايد مشاكل الخدمة.
وقد تم إتباع تلك الطريقة عدة مرات من قبل فى عهد البابا شنودة الذى رسم "عين" الأنبا مكاريوس أسقفًا عامًا للمنيا فى حياة الأنبا ارسانيوس مطران المنيا بعدما تقدم به العمر وصار تعيين مساعد له فرض عين.
فى أزمة استراليا، فإن البابا مضطر لتعيين أسقف عام يدير شئون الايبراشية كرجل أول بعد انسحاب الأنبا سوريـال، الذى رشح وكيله القس الراهب جرجس الأنطونى بدلًا منه، والذى تنطبق عليه كافة الشروط، دون أن يكون هذا الترشيح ملزمًا للبطريرك، ولكنه مجرد اقتراح.
تسمح آلية تعيين أسقف عام للبابا تواضروس بتحريكه من موقعه إلى أى موقع يراه، باعتبارها فترة اختبار بين الأسقف وشعب الكنيسة، قد تنجح أو يلغى البابا ندبه، مثلما حدث مع الأنبا أنجيلوس، الأسقف العام، الذى انتدبه البابا للولايات المتحدة عدة شهور، ثم ألغى ندبه وأعاده لإيبراشية شبرا الشمالية، بعد خلافه مع الأساقفة هناك.
فى عيد العنصرة المقبل.. مقاعد خالية تنتظر قرارا باباوية
اعتاد البابا تواضروس رسامة أساقفة جدد فى عيد العنصرة من كل عام، حيث يلى ذلك العيد دورة المجمع المقدس، التى تعقد فى شهر مايو، فيبدأ المجمع كل عام بتشكيل جديد مضافًا إليه أساقفة جدد إلا أن عدد من المواقع الخالية لوفاة أصحابها تنتظر قرارات البابا البطريرك، وموافقة مجمع الكنيسة المقدس، أبرزها إيبراشية ملبورن، وايبراشية المنيا وابو قرقاص، التى خلت بوفاة مطرانها الأنبا أرسانيوس وتنتظر قرار تجليس "الأنبا مكاريوس" أو اقتسام الايبراشية ذات الكنائس الكثيرة بين أسقفين.
أما الموقع الثالث، فهو دير القديس الأنبا مقار، الذى خلا بمقتل الأنبا ابيفانيوس داخله، ومازالت القضية منظورة أمام القضاء وحجزت للحكم فى نهاية فبراير.
بينما تطل ايبراشية البحر الأحمر كآخر الايبراشيات الخالية بعد وفاة الأنبا ثافؤيلوس منذ أيام، وكذلك ايبراشية منفلوط، التى خلت لنفس السبب، يضاف إليهم المنصب الذى أعلن البابا رغبته فى استحداثه وهو أسقف الشباب بالمهجر.
كل تلك المقاعد الخالية تجعل المجمع المقدس المقبل، هو مجمع الخيارات الصعبة والمصيرية فى مستقبل الكنيسة العريقة ذات الألفى عام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة