صدر حديثا للمفكر القبطى كمال زاخر كتاب جديد بعنوان "الكنيسة: صراع أم مخاض ميلاد"، عن مؤسسة بتانة الثقافية للنشر والتوزيع.
الكتاب الذى يقع فى 285 صفحة من القطع المتوسط، وقدمه الدكتور محمد عفيفى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة، والذى يؤكد فى مقدمته أن من يعرف الكاتب كمال زاخر يلاحظ حضوره، وإسهاماته، فى المجال العام، وهموم الوطن، ولكن لكمال زاخر أيضًا دور مهم فى المجال القبطى، وحركة الإصلاح الكنسى، وينتمى كمال زاخر إلى تيار مهم فى التاريخ القبطى، وهو التيار الذى عرف تاريخيًا بـ " الأراخنة" وهم نخبة الأقباط من غير رجال الدين.
وقد لعب هذا التيار دورًا مهمًا عبر العصور فى توجيه وإدارة الشأن القبطى، وتعتبر أفضل فترات الكنيسة الفترات التى يحدث فيها تناغم بين "الأراخنة" والكنيسة، وتمر الكنيسة بفترات عصيبة عندما يحدث اختلاف، أو صراع مع "الأراخنة"، وينعكس ذلك بالسلب على عملية الإصلاح الكنسي.
من ناحية أخرى- يقول الدكتور محمد عفيفى- يحرص هذا التيار على عدم الانكفاء على الذات، أو الهجرة إلى الكنيسة، والبعد عن الشأن العام، إذ يرى أن الكنيسة مؤسسة من أهم مؤسسات الوطن، وأن إصلاح الكنيسة جزء من إصلاح الوطن، ولذلك ينخرط هذا التيار بشدة فى الشأن الوطنى.
نلاحظ هذا الأمر بشكل واضح فى كتاب كمال زاخر ، فعلى الرغم من عنوان الكتاب" الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد" الذى يوحى بأنه كتاب فى تاريخ وحاضر الكنيسة، فإن من يطالع الكتاب يدرك على الفور عكس ذلك ، وأنه كتاب عن تحولات الكنيسة والوطن، إذ يحرص كمال زاخر دائمًا على الربط بين التحولات المهمة فى الكنيسة القبطية والمنعطفات التاريخية فى تاريخ الوطن. وندرك ذلك عند حديثه عن جيل الرهبان الجامعيين الذين دخلوا الكنيسة للقيام بحركة إصلاح من الداخل، إذ يركز زاخر على تاريخ بدء رهبنة أحد رموز هذه الحركة وهو الأب متى المسكين ، الذى دخل الرهبنة عام 1948، هذا العام الذى شهد أيضًا حرب فلسطين ، والهزيمة الكبرى التى شعر بها هذا الجيل، إذ أدرك هذا الجيل أن الخطر الحقيقى ليس على الحدود، وإنما فى الداخل ، وأنه لابد من إصلاح الوطن قبل أن نواجه الخارج، ويعبر عن ذلك بشدة مقولة جمال عبدالناصر بعد عودته من حرب فلسطين فى كتابه" فلسفة الثورة" أدركنا أن الخطر الحقيقى فى القاهرة، وكان ذلك بداية التخطيط لثورة 1952.
ويتعرض زاخر لبعض الموضوعات المهمة والمثيرة فى تاريخ الكنيسة القبطية وتأثيرها على حاضر الكنيسة ، لعل أهمها مسألة الحوار بين الكنائس العالمية ، والصعوبات والتحديات التى تواجه هذا الأمر، ويرى كمال زاخر ضرورة السير قدمًا فى هذا الحوار فى حب وود، مع احترام خصوصيات الشعوب والطوائف المختلفة.
وأعتقد – يقول د. عفيفى- أن هناك داخل الكنيسة ووسط الأقباط تيارًا كبيرًا يختلف مع أفكار كمال زاخر بشأن الحوار بين الكنائس العالمية، وأثر ذلك على فقدان الكنيسة القبطية استقلاليتها التاريخية.. هذا كتاب لابد أن يقرأه الجميع فى خضم التحولات العميقة التى يمر بها الوطن والكنيسة
وحول رؤيته فى هذا الكتاب يقول كمال زاخر: أحسبها محاولة لتحليل موجة المواجهات الفكرية الحادة بين فرقاء داخل الكنيسة، وفهم دوافعها، ربما نسهم فى عودة الحوار الموضوعى بلغة تعلى من مصلحة الكنيسة، وبناء الوعى اللاهوتى عند أجيالها الواعدة، وتؤسس للخروج من نفق طال بفعل عوامل تاريخية لم تكن الانحيازات الضيقة والاتقطاعات المعرفية بعيدة عنها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة