د. أحمد الصياد

"جلد سميك" وعزيمة!

الأربعاء، 13 فبراير 2019 08:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

سيبك.. "جلد سميك" ما أحوجنا إليه، نلف به عزيمة صلبة لا تلين، وابنى وعمر دولة عصية على أعدائها؛ إذ ننخرط فى منظومة علاقات دولية لم تبتسم يومًا إلا للأقوياء. فما آتانا "ماكرون" ليتمم مكارم الأخلاق، إنما حاملاً أجندة فرنسية أزهرت مصالحها فى مصر. وما زادت "هيومن رايتس ووتش" عن أداة سياسية للتأثير فى عملية صنع القرار فى دول غضة هشة تعانى رهافة المشاعر تجاه كل ما يوجه لها من الخارج، لا ينبغى أبدًا أن تكون من بينها مصر، صاحبة الإسهامات الفريدة فى الحضارة الإنسانية.

 

 والحال، أن الحل بأس شديد، لا يفتر، ولا يحيد، أجدر بنا أن ننتهجه سبيلاً وحيدًا ونحن نسعى بجدية إلى بناء "دولة مدنية حديثة" تعانق فى شوق وشغف طموحاتنا المشروعة فى حياة كريمة حرة. ومن ثم بجهدنا وقيمنا نبنى مجتمعًا واعيًا بقدرته على استيعاب صحيح المفاهيم ذات الصلة، سيادة القانون، والتعددية، وحقوق الإنسان،...إلخ. ولى هنا ملاحظات أوجزها بسرعة:

"نظرية القوة" فى العلاقات الدولية، أساس متين للمصالح المشتركة، والاحترام المتبادل. ولطالما كان التقدير واجبًا لمركزية "حقوق الإنسان" فى النظام العالمي. غير أن ما تُمليه، تلك الحقوق، من "مشروطية سياسية"، نراها كل يوم تعلو وتهبط، تقسو وتحنو، باطراد مع مقدار ما تملكه "الدولة" من عناصر قوتها الشاملة، العسكرية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، وصولاً إلى وزن كتلتها الحيوية، وثراء قوتها الناعمة، وما يتمتع به شعبها من روح معنوية وثابة. وإلا.. قُل لى ما هى العقوبات التى واجهت الولايات المتحدة الأمريكية، القطب الأوحد فى النظام العالمي، جراء معتقل جوانتانامو الرهيب؟. ألم تجد واشنطن عونًا سريًا من أنظمة سياسية ما تخلت يومًا عن الدعوة إلى "حقوق الإنسان"؟!. وهل تذكر أى أثر للانتقادات الحقوقية الموجهة دوماً إلى الصين، صاحبة المركز الثانى فى سباق الاقتصاد العالمي، والمرشحة للمركز الأول على حساب الولايات المتحدة عام 2030؟. وروسيا واقتناصها القرم، هل توقفت عند منتقديها، أم سعت ونجحت بقوة فى تعزيز اقتصادها؛ ومن ثم توسيع دوائر نفوذها على الساحة الدولية، مدفوعة بجهدها الطامح إلى الانتقال من المركز الحادى عشر إلى المركز الخامس فى ترتيب الدول اقتصاديًا؟. الأمثلة كثيرة تفيض عن السطور، كلها تؤكد أن النجاح رفيق أصحاب "الجلد السميك"، متى امتلكوا عزيمة صلبة لا تلين!.ونحن نبنى "دولة مدنية حديثة"، ينبغى أن نوسع من مفهومنا لمبدأ "قبول الآخر"؛ إذ ليس الأمر يقتصر على قبول اختلافه عنا، بل يمتد إلى قبولنا، ببساطة، وبجلد سميك، كل نقد يصوبه باتجاهنا، يملؤنا الإيمان بأنه إنما ينطلق، منتقدًا بلدنا، من مرتكزات مصالحه الوطنية. وما علينا إلا أن ندفع مصالحه باتجاه مصالحنا، ونزيد القواسم المشتركة معه، ونستثمر بكفاءة خسائر الآخرين. لاحظ كيف احتلت إيران الشقوق التى حفرها ترامب بينه وبين حلفائه الأوروبيين، فبنت عليها شراكة إيرانية/أوروبية تناطح صلف ساكن البيت الأبيض. ييسر لنا ذلك أن تختفى من إعلامنا صيغ بالية، ما عادت تصلح أبدًا لبناء وعى مجتمعى حديث مُلم بحقائق السياسة الدولية المعاصرة. فليس إلى "تطابق وجهات النظر" من سبيل منطقي، ومساحات اتفاق نشير إليها بفرح، لا يصح أن تُخفى مناطق الاختلاف. أيضًا، لا حول ولا قوة لعلاقات دولية تتأسس على "الصداقة والود" كبديل عن مصالح مشتركة نعى كم هى متغيرة ومتحركة. كذلك فإن "المستقبل وآماله وشروطه" محل ثقة أكبر من "الماضى بتاريخه ورسوخه" فى مجال صناعة علاقات دولية متميزة. الأمن القومى لدولة ما، لا شك يخصم ويضيف إلى الأمن القومى لغيرها من الدول. ومن ثم فإن تغلبنا على "كافة" التحديات التى تواجهنا، لا يحقق دائمًا مصالح "الغير"، ولو كانوا "أصدقاءنا"!. وبجلد سميك علينا أن نقبلهم على هذا النحو. فعند حدود معينة تصبح ما يواجهك من مخاطر وتحدياتك مكاسب لغيرك من الدول!. وأُشير هنا إلى عقيدة راسخة فى الإستراتيجيات السياسية الدولية، مفادها أن تعاونًا مع دولة ما، وارتباط بمصالح مشتركة معها، لا يعنى أبداً مساعدتها على هزيمة "كل" أعدائها!. فخوفك أحيانًا يعزز أمن غيرك!. وتهديد يحيط بك، قد يجعلك "صديقاً" أوفي!.

 

الفكرة إذن ليست "حقوق الإنسان"، وليست كذلك "ديمقراطية الحكم"؛ العالم كله يعرف أن مصر تخطو بصعوبة وسط تحديات ومخاطر جمة، نحو تأسيس ديمقراطية ناشئة. الأمر يتلخص فى قدرتنا على المساومة، كأساس للصراع الدولي، انطلاقًا من مرتكزات قوتنا الشاملة. وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة