من القضايا التى خاض فيها كتاب "قراءات فى عقائد الغرب" لـ فيصل بن على الكاملى، قضية "تحريف التوراة" حيث تتبعها بشكل تاريخى مبينًا المحطات الرئيسية التى قام فيها الكهنة بالتدخل بقوة لوضع بعض التغيرات أو إضافة بعض الحكايات التى أخذت النص المقدس وانحرفت به بعيدا.
يقول الكتاب "بعد انقسام مملكة بنى إسرائيل إلى مملكة شمالية (إسرائيل) وأخرى جنوبية (يهوذا) عام 930 قبل الميلاد تقريبًا، شرع الكهنة اللاويون المتنافسون فى الشمال والجنوب فى تدوين ما تحصل لهم من تاريخ بدء الخليقة والأنبياء. فكتب الكهنة الموسويون فى "شيلوه" بمملكة الشمال ما يعرف بالنص أو المصدر "الإلوهيمى" الذي يستعمل كلمة "لوهيم" العبرانية للإشارة إلى الرب، ويرمز لهذا النص بالحرف الأول (e). أما الكهنة الهارونيون فى مملكة الجنوب "يهوذا" فكتبوا النتص "اليهودي" الذي يشير إلى الرب باسم "يهوه" ويرمز له بـ (j).
ولما سقطت مملكة الشمال عام 722 ميلادية على أيدى الأشوريين أخذ اللاجئون من إسرائيل نسختهم "الإلوهيمية إلى الجنوب، فكان لا بد من الجنوح إلى التقريب بين فكر الشماليين والجنوبيين لأن تعايش الطرفين أضحى حتما. فقام أحد الكتبة المجاهيل بضم الروايتين فى رواية واحدة (je) وتجنب الحذف منها قدر الإمكان.
وقد تمت هذه العملية بدقة متناهية، لكن آثار هذا الدمج لم يمكن إخفاؤها تماما، بيد أن هذا النص المشترك أبقى على نصوص تقدح فى عدالة نبى الله هارون، عليه السلام.
فلما تولى "حزقيا" الملك (715 – 687 ق. م) وشرع فى إصلاحاته الدينية قام الكهنة الهارونيين بتلفيق وثيقة أخرى لتكون بديلا عن النص المشترك (je) وتواكب الإصلاحات القائمة. كما حذفوا من النص المشترك تلك النصوص التى تحط من قدر هارون كقصة عبادة العجل التى تنسب صنعه إليه، كما أدخلوا فيه شريعة الكنة الهارونيين التى تشكل جل "سفر اللاويين". وهنا نرى أن أهواء كهنة وأحبار بنى إسرائيل هى التى حكمت شريعتهم. وتعرف هذه الوثيقة البديلة باسم "المصدر الكهنوتى" ويرمز لها بالرمز (p).
بعد وفاة الملك "حزقيا" وارتكاس بنى إسرائيل فى الوثنية ظهر مصلح جديد هو "يوشيا" الذى اعتلى العرش (640- 606 ق. م) ملكا على بنى إسرائيل.
رأى كهنة "شيلوه" الموسويون فى هذا العهد فرصة سانحة لكتابة شريعة جديدة تخدم كهنوتهم، واتفق الكهنة والملك على وضع ما كتبوا على الهيكل وإعلان العثور عليه مصادفة وكأنه من آثار الأنبياء. كٌتب هذا السفر ليلائم مذهب كهنة "شيلوه" ويشرع للإصلاح الجديد ويصور الملك "يوشيا" كموسى آخر ينقذ مملكة (يهوذا). يرمز لهذا السفر بـ (dtr1) أي (تثنوى 1).
لكن الأمور لم تجر كما خطط لها، فلم يطل بالملك العمر ليكون منقذا لبنى إسرائيل كما كان موسى، عليه السلام، بل مات على إثر مواجهة مع الجيش المصرى عام (609 ق. م) فانتقضت كل إصلاحاته من بعده. ثم دمرت "مملكة يهوذا" على يد البابليين عام (586 ق. م) وأحرق الهيكل. وأبيدت العائلة الملكية. ونفى اليهود إلى بابل، وتبددت الأحلام، فقام كتاب سفر التثنية 1 بإضافة بعض التعديلات والتبريرات ليعكس الواقع التاريخي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة