من عرف لغة قوم آمن شرهم.. هكذا تقول الحكمة القديمة، ومن عرف فن قوم توغل فى وجدانه، هكذا تثبت التجربة يوما بعد يوم.
فى مراكز أبحاث الدراسات الغربية والإسرائيلية، هناك عناية خاصة بآداب مصر والعالم العربى وديانتها، أقسام متخصصة فى علوم القرآن والحديث، أقسام متخصصة فى التاريخ والآثار والحضارة والأدب والشعر، علماء اقتصاد والموارد، خبراء فى الجغرافيا والتعدين، متخصوصون فى كل المعارف والفنون والعمارة والآداب والحرف السائدة والتقليدية، هم يفعلون هذا بدافع علمى وبشغف عارم نحو المعرفة، لكن وقت الحاجة تترجم تلك الاختصاصات إلى «معلومات» تبنى عليها القرارات، وترسم فى ظلالها السياسات والاستراتيجيات، وقد كانت تلك المعارف خير معين للغرب أثناء الحقب الاستعمارية التى لم تنته حتى الآن.
معرفة الغربيين بالدين مكنتهم من اللعب فى الملفات الخطرة وإذكاء الفرقة المذهبية والعقائدية، ومعرفتهم بالتاريخ مكنتهم من معرفة المصائر والمستقبل وآليات التعامل فى الأزمات، ومعرفتهم بالأدب مكنتهم من معرفة تاريخنا الوجدانى وقراءة أرواحنا، ومعرفتهم بالجغرافيا مكنتهم من معرفة مكامن ثرواتنا واستغلال مواردنا، ومعرفتهم بآثارنا وحرفنا مكنتهم من معرفة فلسفتنا فى الحياة، وكشفت لهم أذهاننا وآليات تفكيرنا فى الحاضر والماضى، فماذا نعرف نحن عن أنفسنا وماذا نعرف عن قارتنا؟
لا أطالب هنا بأن نسير على خطى الغرب، فالغرب يعرف أننا «آخر» لا بد من معرفة أسراره، واكتشاف خباياه، والتوغل فى وعيه وغزوه، إن لزم الأمر، أما نحن فمطالبون بمعرفة «الأنا» الأفريقى، فنحن أفارقة لا ريب، جزء من ضميرنا يخبرنا بهذا، وجزء من وعينا أيضا، كما تخبرنا بهذا الجغرافيا والتاريخ والأعراق، ومن العيب هنا أن ندرك أن معارفنا الحقيقية عن أفريقيا زهيدة، فلا يوجد فى أى من معاهدنا أو كلياتنا متخصصون فى الأدب الأفريقى، ولا يوجد أيضا متخصصون فى الفنون الأفريقية، والأكثر قسوة أنه لا يوجد وعى عام بأهمية معرفة «الأنا الأفريقى» لا على سبيل الشغف ولا على سبيل الاستفادة.
إننى هنا أستغل تلك المناسبة الطيبة بترأس مصر الاتحاد الأفريقى، وأطالب جميع الجهات المعنية ببناء معرفة حقيقية بـ«أنانا الأفريقية» حتى نتمكن بكل ثقة من الادعاء بانتمائنا إلى قارتنا السمراء، وأن نزيل الغربة المتوغلة فى وجداننا تجاه قارتنا الأم، التى صنعت- بكل أسف- عبر ما يزيد على أربعين عاما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة