منذ 14 عاما يتجدد لقائى كل شهرين ومجموعة من الإعلاميين الأفارقة من خلال معهد تدريب الإعلاميين الأفارقة والذى أنشئ منذ نهاية السبعينيات واستمر فيه العمل حتى الآن وتدرب فيه أكثر من أربعة آلاف إعلامى أفريقى.. اللقاء مع الإعلاميين الأفارقة أتاح لى فرصة الرؤية القريبة لكيف يرى الأفارقة مصر.. على مدار لقاءاتى معهم كانت كلماتهم التى تحسها صادرة من قلوبهم كنت أرى شعوبا تحب مصر وتقدرها.. الأفريقى المسلم كان هدفه الأول زيارة الأزهر ولقاء علمائه وإذا أتيحت لهم فرصة التواجد أثناء مناسبة دينية كانت سعادتهم تزيد، ولا تستطيع وصف مدى تقديرهم للمؤسسة الدينية فى الأزهر الشريف.. الأفريقى المسيحى كان كذلك كانت أول رغباته زيارة الكاتدرائية المرقسية ولو أتيحت لهم نيل بركة البابا فإن أحلامهم تتحقق.
سمعت من كثيرين منهم عن حبهم لعبدالناصر ومصر وتقديرهم لكل ما قدمته مصر لهم.. لكن الأهم كان عتابهم على مصر فى ابتعادها عن أفريقيا.. عتابهم نابع من حكايات آبائهم عن الدور المصرى فى الستينيات وما درسوه فى كتب التاريخ عن دور محمد على وملوك مصر السابقين أيضا.. عتابهم كان عن فرص أضاعتها مصر فى أفريقيا وقوى ناعمة انسحبت منها..
حدثنى الشيخ الطبلاوى عن الآلاف من مريديه فى أفريقيا.. حدثنى كثيرون من علماء الأزهر عن مدى تقدير الأفارقة لكل ما هو أزهرى.. حدثنى كثيرون من مهن مختلفة وأجيال متعددة.. الكل سواء القادم من أفريقيا للدراسة أو العمل أو حتى اللجوء فى مصر التى تحتضن 5 ملايين لاجئ أفريقى أغلبهم من السودان الشقيق لم تقم أسرة واحدة منهم فى مخيم أو فى شارع ولكنهم انخرطوا جميعا فى المجتمع المصرى.. حدثنى الكثير عن ما تعنيه مصر لهم.. وكم كان حزنهم كشعوب يوم ابتعدنا عن أفريقيا بعد محاولة اغتيال مبارك أو مرغمين ما بعد ثورة يونيو 2013 فى الحالتين افتقدت أفريقيا مصر وافتقدت مصر أفريقيا كداعم فى المحافل الدولية أو المشروعات، وانتهى الأمر مع تولى الرئيس السيسى الحكم فى 2014 لتبدأ رحلة العودة إلى أفريقيا مرة أخرى وفى نفس الوقت رحلة استعادة المكانة المصرية فى قلوب ودول القارة السمراء.
عادت مصر إلى قلب القارة الأفريقية مرة أخرى وبدأت الشركات المصرية إقامة أكبر سد فى سيبلنجر بتنزانيا وبهدف توليد طاقة كهربائية تصل إلى 2115 ميجا وات فى مدة 42 شهرا وبتكلفة 2.9 مليار دولار.. تعود به شركة المقاولون العرب وشركات مصرية أخرى لتستعيد دورها فى تعمير أفريقيا مدرسة الرى المصرية التى رعت شرايين الحياة فى أفريقيا منذ عشرات السنين تعود أيضا لتدرس مشروعا لربط بحيرة فيكتوريا بالمتوسط من خلال مجرى نهرى يربط البحر المتوسط بكيب تاون.
مصر التى أسست منظمة الوحدة الأفريقية عام 63 بفكرة اقترحها عبدالناصر الذى دعم استقلال ما يقرب من عشرين دولة أفريقية ثم شاركت مصر فى تحويل المنظمة إلى الاتحاد الأفريقى عام 2002.
عادت مصر بعد هذه الرحلة إلى قيادة القارة الأفريقية فى عام مصرى بطعم أفريقى، عادت لتواجه تحديات كثيرة فى أفريقيا منها تدشين استراتيجية للتنمية الاقتصادية من خلال مجالس تصديرية متنوعة فى الصناعات الكيماوية ومواد البناء والحراريات والصناعات المعدنية والمجلس التصديرى للصناعات الهندسية والغذائية والصناعات الطبية التى تمثل صادراتها %80 من إجمالى الصادرات المصرية إلى السوق الأفريقى.. مصر تعود إلى أفريقيا بتجارب طبية ناجحة فى مواجهة والقضاء على الفيروسات ولتنتقل خبراتها فى مواجهة فيروس سى إلى كل الدول الأفريقية.. مصر تعود والأزهر الشريف يضاعف المنح الدراسية بنسبة %100 ليصبح عددها 1600 منحة فى العام الدراسى 2019/2020 وإنشاء معهد للطلبة الأفارقة فى أسوان وبتوجيه من الإمام الأكبر شيخ الأزهر تقام العديد من المراكز المتخصصة لتعليم اللغة العربية وتبدأ الحملات الطبية للكشف على آلاف الأشخاص وإجراء مئات العمليات الجراحية وتدريب 440 إماما أفريقيا لمواجهة الفكر المتطرف.
مصر تعود لتقدم للأفارقة أول أكاديمية لتدريب الإعلاميين الأفارقة تتبع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.. مصر تعود لتنظيم كأس الأمم الأفريقية لعام 2019.. ولتقدم أكاديمية الشرطة عشرات الفرص للطلبة للدراسة بكلية الشرطة وتدريب عشرات الضباط فى معهد بحوث الشرطة.
وتفتح الجامعات المصرية أبوابها للطلبة الأفارقة.. وتقود الوكالة المصرية للشراكة حملة تدريبية مهمة للأفارقة فى مصر بمختلف المجالات..
زراعة وصحة ودبلوماسية وصناعة..
أمامنا فرصة هذا العام لنعود إلى أفريقيا القارة التى تملك 100 مليار برميل بترول خام بما يعادل %9 من احتياطى العالم وتنتج %18 من إنتاج العالم من اليورانيوم.. مصر تعود إلى أفريقيا وسط محاولات للقوى العظمى للسيطرة على القارة السمراء فالصين خصصت 60 مليار دولار لاستثمارات فى أفريقيا.. وتحاول أمريكا مواجهة ذلك وأوروبا وروسيا.. الكل يسعى نحو أفريقيا وجاء دور مصر لتستعيد مكانتها فى قلب أفريقيا.
الرئيس السيسى أعاد مصر لأفريقيا والمطلوب اليوم هو التكاتف لتستعيد مصر مكانتها ولتقدم لأفريقيا خبراتها، ونأمل قبل أن ينتهى العام الأفريقى أن تعود شركات المقاولات المصرية للإسهام فى بناء أفريقيا الجديدة، وأن تستعيد مدرسة الرى المصرى مكانتها.. وأن تستطيع الخارجية المصرية إنهاء الصراعات العديدة بين أبناء القارة.
نأمل أن يكون عام 2019 عام صحوة أفريقية بقيادة مصرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة