عادل أديب

دور الفنان.. واغتيال شخصيته عبر العصور!

الأحد، 08 ديسمبر 2019 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الجزء الثانى
فى المجتمعات المتحضرة «يعتبر كل من يحمل لقب «فنان» أنه يحمل الخير لهذا الكوكب وسكّانه ..».
إن الفنان ليس كباقى أفراد المجتمع، ولذا فى تلك المجتمعات المتحضرة.. يعطون الفنان اهتماماً كبيرا، وذلك لأنهم ينتظرون منه الكثير .
فى المقابل.. ولأن الفنان مختلف فى فكره وثقافته ووجهة نظره، فإنه بذلك يمكن أن يقدم للمجتمع الكثير من إبداعاتٍ خارقة- من خارج الصندوق- وأن يجد حلولا فعالة للمشكلات المتفاقمة والكبيرة من خلال وجهات نظره العميقة والخلاقة.
وثقافة وعلم الفنان الواعية للتاريخ.. تؤهله لفهم واستنباط الحاضر، فالفنان الحقيقى فقط هو من يمتلك نظرة شديدة التعمق والتى تمكّنه من رؤية الصورة فى هيئتها النهائية.. المتكاملة! 
الفنان ليس مجرّد شخص يرسم أو يصور أو ينحت أو يعزف المقطوعات الموسيقية.
 الفنان هو مفكّر على أعلى درجات التأمل والفلسفة والثقافة، ذلك أنه يكشف الأمور بمختلف أبعادها وتفاصيلها وأنماطها من منظورٍ شديد الخصوصية، وذلك لأن مساحة الخيال لديه أكبر وأعمق عن المتلقى..
فى المجتمعات المتقدمة
 لا يمكن للعالِم الباحث المخترع أن يكون مبدعاً إن لم يكن متصلاً بالفنون، ويحضرنى هنا نموذج فريد وهو «ليوناردو دافنشى».. الفنان العالم والمبتكر.
لقد أصبحت العلوم بحاجة قصوى للامتزاج بالفنون.. لتغذى.. وتفيد.. وترقى.. القيم الإنسانية.
● ● ●
وأستشهد هنا بمقولة لرائد علم النفس «سيجموند فرويد»: «ولعل الاستمتاع الفنى هو قمة اللذات المتخيلة، ومن خلال الفنان يتيسر تذوق الأعمال الفنية، لمن لا يستطيعون الخلق ولا الإبداع، ولا يقدر الناس الفن كمصدر من مصادر السعادة والعزاء فى الحياة، ومع ذلك فالفن يؤثر فينا، لكن تأثيره مخدر لطيف، نحن نلوذ إليه من شقاء الحياة، ولكنه ملجأ مؤقت.. فتأثيره فينا ليس بالدرجة التى تجعلنا ننسى شقاء الحياة».
● ● ●
لم تكن علاقة مصر بالسينما فى بداية مولدها على وفاق.. فكانت النظرة شديدة التدنى!
 تم نبذ كل من يعمل «مشخصاتيا» وسط الطبقات الأرستقراطية، ومنع الأخذ بشهادة الممثلين فى المحاكم.. وكان المشخصاتى خارجا على القانون، ولكن تظل شوائب اغتيال شخصية الفنان عالقة حتى الآن، بل.. وتزيد يوما بعد يوم!
● ● ●
كتاب «فنون عصر النهضة- الرينيسانس» 
 يصف لنا الرائع الدكتور ثروت عكاشة فى ذلك الكتاب، وهو من أهم مراجع فنون ذاك العصر الأوروبى، يصف لنا عصر النهضة بأنه عصر اكتشاف العالم والإنسان معاً، لأن الكشوفات الجغرافيّة التى حدثت خلاله، مكّنت إنسان هذا العصر من اكتشاف نفسه، من خلال ارتياده للأراضى المجهولة، واكتشاف عوالم جديدة، ساهمت فى إبراز المذهب الإنسانوى والإصلاح الدينى، والاكتشافات العلميّة، وازدهار الفنون، ما ساهم فى تأسيس العلاقة بين أوروبا والآخر، وإعادة الاعتبار للذات الإنسانيّة.
ويشرح لنا تولستوى كيف تنشأ حالة التفاعل لدى الفنان مع مجتمعه: «تبدأ المسألة بأن يستثير المرء فى نفسه إحساسا سبق له أن خبره أو مر به، إذ يستثيره المرء فى نفسه، فإنه باستخدام الحركة والخطوط والألوان والأصوات أو الأشكال التى يتم التعبير عنها بالكلمات.. يحاول أن ينقل ذلك الإحساس حتى يمارس الآخرون الإحساس نفسه.. هذا هو النشاط الفنى».
ويسترسل تولستوى مفسرا: «الفن نشاط إنسانى يتكون من أن يحاول واحد من الناس أن ينقل بوعى مستخدما إشارات خارجية معينة، يحاول أن ينقل إحساسات معينة، عاشها هو، ثم يتأثر الآخرون بهذه الإحساسات ويعيشونها هم أيضا».
● ● ●
وبقى لنا أن نسأل السؤال الأهم من وجهة نظر الرجل الذى يصنع عملا فنيا.. ماذا يفعل؟ ولماذا يفعله؟ ولمن يفعله؟
ففى الإجابة على تلك الأسئلة تكمن الإجابه على ما هى وظيفة الفنان بين مجتمعه؟ وماذا يعنيه الفن بالنسبه لنا جميعا؟
● ● ●
ومضات سريعة
«الفن مادة تاريخية.. حيث يوقفنا على أحوال وأحداث وقصص أخلاق وحضارات الأمم.. وألانبياء فى سيرهم والملوك والحكام فى دولهم وسيرهم 
حتى تتم فائدة الاقتداء بأحسن ما فيهم.. فى أحوال الدين والدنيا».
«الفن مقياس لتحرر الفنان فى ساعات إبداعه ليعطى مذاق الحرية للآخرين إلى الأبد».
وهنا أشير إلى ما قاله أرسطو لإصباغ صيغة أو منظور جديد للفن والفنان.. «الفن شكل من أشكال العلاج».
ومن خلال ومضات لمقولات سريعة أعطى الضوء سريعا لأبعاد أخرى للفن والفنان تظهر أهميه الفن والفنان للمجتمع كضرورة أساسية، وليس كعنصر للرفاهية!
«كل فن يحمل نورا إلى الآخر .. لكن الحضارة هى فن الإيمان بأنه يمكنك أن تبنى على ثوابتك بناءً شامخاً عزيزا». 
«الفن أداة أو سلاح سحرى فى يد الجماعة الإنسانية فى صراعها للبقاء».. «يبدأ الفن حيث تنتهى الرغبة» دليلا على نقاء وطهارة الفن.. «الفن دعوة لخلق الإنسان».. دليلا على البعد والعمق الإنسانى.. «الإبداع لا وطن له».
وفى المقوله الأخيره يلغى الفن فكرة التعصب والقبلية.. يلغى الحدود الجغرافية والعقائدية.. فالفن هو السلام الإنسانى فى أرفع صوره وأرقاها.
● ● ●
لن ينكر أحد العلاقة العميقة القائمة بين الفنان والمجتمع.. الفنان الحقيقى لا يبالى بأى مواد أو ظروف مفروضة عليه، فهو يقبل أى ظروف كانت مادام قد أمكن استخدامها من أجل التعبير عن إرادته ورغبته فى التشكل.. للتعبير والدفاع وترسيخ تلك القيم المؤمن هو بها .. والتى تشكل جزءا مهما من صفات الإنسانية.
وهنا.. أصبح من الواضح لدى القارئ لسلسلة مقالاتى السابقة، وخاصة الأخيرة تلك.. لماذا أردت، مع سبق الإصرار والترصد، خوض تجربة الكتابة.
واسمحوا لى أختتم مقالى بتلك المقولة الثاقبة «لبرنارد شو»:
«عقل الأحمق يرى الفلسفة ثرثرة، والعِلم خرافة، ويختزل الفن فى الرسم».









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة