سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 4 ديسمبر 1941 وزراء وشعراء وخطباء فى حفل تأبين «مى زيادة».. و«هيكل باشا» يكشف عن نفورها من دعوة مساواة المرأة بالرجل

الأربعاء، 04 ديسمبر 2019 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 4 ديسمبر 1941 وزراء وشعراء وخطباء فى حفل تأبين «مى زيادة».. و«هيكل باشا» يكشف عن نفورها من دعوة مساواة المرأة بالرجل مى زيادة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ضاقت قاعة الاحتفال بجموع شاركت فى تأبين الأديبة الكاتبة «مى زيادة».. كان الحفل يوم 4 ديسمبر،  مثل هذا اليوم،  1941،  وأطلقوا عليه «يوم مى»،  حسبما تذكر «سلمى الحفار الكزيرى» فى المجلد الثانى «مى زيادة ومأساة النبوغ».. كان الحضور من «مختلف الطوائف والأجناس والطبقات من شيوخ وشبان،  وأساتذة ووزراء وطلاب،  وخطباء وشعراء،  حسبما تؤكد «الأهرام» و«المقطم» 5 ديسمبر 1941. 
توفيت «مى» يوم 18 أكتوبر 1941،  فدعت السيدة هدى شعراوى رئيسة الاتحاد النسائى المصرى إلى حفل تأبين لها يوم 4 ديسمبر فى مقر الاتحاد،  وقالت فى دعوتها المنشورة فى الصحف المصرية يوم 23 أكتوبر 1941: «فقدت العروبة بفقدان مى نابغة من نوابغها الأفذاذ،  وفقد الشرق ركنا من أركان نهضته الفكرية».. لم تبالغ «شعراوى» فنحن أمام امرأة،  صاحبة 14 مؤلفا، وعشرات المقالات بالصحف والمجلات، أشهرها مقالات فى الأهرام من 1931 حتى 1932، وصاحبة صالون فكرى يتردد عليه أساطين الفكر والأدب مثل، عباس محمود العقاد، طه حسين، أحمد شوقى، خليل مطران، أحمد لطفى السيد، الشاعر إسماعيل صبرى، ولى الدين يكن، مصطفى صادق الرافعى، وكامل الشناوى وغيرهم.
كانت سنواتها الأخيرة درامية ومأساوية.. جاءت من لبنان لتعيش فى مصر عام 1908.. ولدت فى مدينة الناصرة الفلسطينية عام 1886 لأب مارونى وأم فلسطينية.. شغلت الجميع بتفردها النادر فى مجال الفكر والثقافة..لكنها دخلت مستشفى أمراض عصبية فى لبنان.. يشهد الدكتور «منصور فهمى» أحد القريبين منها، فى الجزء الثانى من أعماله الكاملة تحقيق «حسن خضر» عن «الهيئة العامة للكتاب–القاهرة»: «فى سنة 1930 مات جبران خليل جبران الذى كانت حياته وإنتاجه وآماله وآلامه وحبه لمى، تفيض كلها بما يجبب إليها الحياة «ربطهما الحب بالرسائل ودون أن يلتقيا أبدا»، وقد مات قبله «يعقوب صروف»، ذلك الشيخ الحكيم الذى أجلته «مى»، وجعلت منه رائدا علميا وروحيا وصديقا تعتز بصداقته وتوجيهه، ومات أبوها، ورأيتها تتقبل فيه عزائى، وهو لم يزل فى غرفة موته، وأمها الشيخة تجلس أمامها فى بهو الدار مولولة ناحبة، والأديبة تصطنع التجلد وهى فى آلامها الغائضة، وفى لباسها الأسود، تجلس فى كبرياء وجلد وخشوع، ثم ماتت أمها الشيخة الطيبة الحنون، أين خلصاؤها؟ أين ممجدوها؟ أين مدللوها؟ لقد خلا محيط الكاتبة من الخلصاء والأهل، ومن ولى الدين يكن، ومن إسماعيل صبرى والدكتور شبلى شميل، ومن صديقتها «باحثة البادية»، وخلا ممن كان لهم حاجة من ظرفها اليانع، خلت كذلك من شبابها، ومن ذلك الحسن والبهاء الساطع، فهى حينئذ فى تلك السن والتى كثيرا ما تتعرض فيه الكثيرات من العوانس لنوع من العصاب والأمراض النفسية النادرة.. هكذا يعيد «فهمى» أسباب مرضها العصبى الذى دخلت بسببه مستشفى العصفورية فى لبنان، بعد أن سافرت إليها عام 1936، ثم خرجت منه عام 1939، وجاءت إلى القاهرة لكنها اعتزلت الناس إلى أن ماتت.
تذكر «الكزبرى»، أن لجنة التأبين تكونت من، هدى شعراوى، والشيخ مصطفى عبدالرازق وزير الأوقاف العمومية، وأحمد لطفى السيد رئيس جامعة فؤاد الأول، والدكتور طه حسين مدير الثقافة العامة بوزارة المعارف، والدكتور منصور فهمى مدير عام دار الكتب المصرية، وأنطون الجميل رئيس تحرير الأهرام، وخليل مطران شاعر القطرين، وافتتحت هدى شعراوى رئيس الاتحاد النسائى الاحتفال، ثم تحدث الدكتور محمد حسين هيكل باشا وزير المعارف، واللافت فى كلمته هو ذكره لرأى مى فى «المساواة بين المرأة والرجل»، فرغم تألقها الأدبى: «كانت ترى أن هذه المساواة عدوان على المرأة وعلى الرجل جميعا».. يؤكد: «دهشت حين رأيتها تنفر من الحديث فى حق الانتخاب للمرأة، وتذهب إلى نفورها إلى حد بعيد»..يذكر أنه تعجب لما سمع منها هذا الرأى وأفاضت فى تصويره بمنطق لا يقل قوة عن منطق الذين يرون نقيض ماترى.
بعد كلمة «هيكل باشا» نهض الشيخ مصطفى عبدالرازق وزير الأوقاف، وألقى كلمة مؤثرة قال فيها: «كانت مى أديبة اجتمعت لها كل أسباب الأديب من ذكاء الطبع، وسلامة الذوق، ولطف الحس، وتنوع المعارف، إلى شغف بالتحصيل، ومثابرة على المطالعة، وكانت أديبة ممتازة، ونصيرة ممتازة للأدب، تركم أهله، وترعى جانبهم، وتشجع ناشئهم، تعقد للأدباء فى دارها مجلسًا أسبوعيًا لا لغو فيه ولا تأثيم، ولكن حديث مفيد، وسحر حلو، وحوار تتبادل الآراء فى غير جدل ولامراء.. طلعت مى على حياتنا الأدبية تحيط بها هالة من ذكائها المتأجج، وشبابها النضير، وأدبها الناشئ المتسامى إلى الكمال، وودعت مى هذه الحياة محاطة بهالة من آثار وذكريات هى أكبر روعة من كل ذكاء ومن كل شباب، ومنذ أشهر معدودة كنت أشهد حفلة فى قاعة الجامعة الأمريكية وانتهى الاحتفال، وأخذ الناس يتبادلون إلى الانصراف متزاحمين بالمناكب، وإذا بسيدة فى صمت ووقار تأبى الزحام فتستأنى.. هذه هى «مى» ولم أكن رأيتها منذ سنين وقد اشتعل رأسها شيبًا، وبدت تجاعيد وهن وألم فى وجهها السمح يكاد ابتسامها يخفيها، ويكاد يخفيها الشعاع المنبعث من نظراتها، وفارقت «مى» بعد ما حييتها وتحدثت إليها حديثا قصيرا، ثم أتانى نعيها غير بعيد.. كانت مى أديبة جيل، وكانت صديقة كريمة.. سلام على مى».
تواصلت الكلمات حتى جاءت كلمة الدكتور طه حسين، وكانت نفحة من أدبه السامى، فماذا قال؟ 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة