ذات مرة فى أوائل السبعينيات قام فنان أمريكى من أصل مكسيكى يسمى "سيكستو رودريجيز" بتقديم ألبوم موسيقى بعنوان "حقيقة باردة" بالتحديد فى سنة 1970 لكن لم يسمع به أحد فى أمريكا، وبعدها قدم ألبوما آخر بعنوان "قادم من أرض الواقع" فى عام 1971 ولم يبع أى نسخ تذكر، حينها تلقى "رودريجيز" مكالمة تقول له "إن المنتج لا يريد التعاون معك فى أى ألبومات أخرى" فرد على المتصل "لا مشاكل".. يقول البعض إنه بعدها أشعل فى نفسه النار ومات على خشبة المسرح، بينما يصر آخرون على أنه أطلق الرصاص على رأسه.
فى الحقيقة لم يفعل "سيكستو رودريجيز" أى من ذلك، لكنه ذهب ليعمل فى مجال البناء وظل نحو ثلاثين عاما مجرد عامل يهدم البيوت القديمة ويحمل على ظهره الأثاث فى مدينة "ديترويت" الأمريكية، حتى همس أحدهم فى أذنه ذات مرة "رودريجيز أنت الفنان الأكثر شهرة فى جنوب أفريقيا.. أنت فى أمريكا صفر لكنك فى جنوب أفريقيا بطل".
شاهدت مؤخرا الفيلم الوثائقى البديع "البحث عن رجل السُكَّر" الذى قدمه المخرج السويدى من أصل جزائرى مالك بن جلول، الذى حصل على جائزة أوسكار لأفضل فيلم تسجيلى لعام 2012 وجوائز أخرى مهمة، والذى قال عن قصة الفيلم "فيلم البحث عن رجل السُكَّر، يروى قصة رجل لم يكن يعرف أنه كان مشهورا، إن هذا الرجل، منذ ثلاثين عاماً أصدر ألبوما خلال فترة السبعينيات، كان عملاّ جميلاً، إلاّ أنه لم يتمكن من بيع أى نسخة فى أميركا، قام بتجربة أخرى، وأصدر ألبوماً جديداً، وكانت النتيجة نفسها، لا شىء تماماً وبعدها، وكما تعلمون، ماذا يفعل؟ قرر التوقف نهائياً عن الموسيقى، وبدأ العمل فى البناء، ولم يكن يعلم أنّ ألبوماته حققت نجاحاً فى جنوب أفريقيا، رودريجيز أصبح أكثر شهرة من فرقة رولينج ستونز، لقد كان الأسطوانة البلاتينية لمدة عشر سنوات حيث حقق مبيعات ضخمة وأصبح أحد أكثر الفنانين شهرة من أى وقت مضى، إلاّ أنه لم يكن على علم بكلّ هذا"، وعندما وقف "مالك بن جلول" ليتسلم جائزة الأوسكار قال "شكرا لأفضل مطرب فى العالم".
سوف تصفق بشدة فى النصف الثانى من الفيلم، عندما تعلم أن روديجيز لم يقتل نفسه، كان البحث فى البداية حول قصة جيدة "من هو رودريجيز الذى فشل فى الغناء فقتل نفسه قبل أن يعرف شيئا عن شهرته" لكن البحث تحول لقصة رائعة عن "رودريجيز الذى لم يقتل نفسه لكنه لم يعلم شيئا عن شهرته أيضا".
ظهر "رودريجيز" فى الفيلم، رجلا طيبا، كما تشى ملامحه المكسيكية التى تذكرنا بملامح "الهنود الحمر" تقول ابنته "إنه كان غنيا فى كل شيء إلا المال" وقالت ابنته الأخرى "إنها رأته فى العمل يحمل ثلاجة على ظهره ولم تتخيل أن والدها كان فنانا شهيرا فى قارة أخرى غير التى يعيش فيها" ويقول رودريجيز "لم أعرف أبدا أن أغنياتى حققت كل هذا النجاح فى جنوب أفريقيا".
الممتع فى الفيلم أن رودريجيز استطاع أن يلمس جانبا من شهرته، فقد ذهب إلى جنوب أفريقيا وأقام نحو 6 حفلات هناك حضرها الآلاف الذين كانوا يحفظون كلماته، رغم مرور السنين، وكاد أن يصيبهم الجنون من جمال موسيقاه وكلماته المؤثرة، كان رودريجيز سعيدا وشاكرا للحياة صنيعها، وشاكرا لـ "مالك بن جلول" صنيعه، فقد عاد بسببه للحياة، حيث عادت موسيقاه تعلو مرة أخرى وعاد هو للغناء على المسارح.
لكن يبدو أن المخرج الشاب مالك بن جلول، الذى لم يبلغ السادسة والثلاثين من عمره، لم يتعلم شيئا من سيكستو رودريجيز فقد وقف بكامل إرادته أمام مترو ستوكهولم ملقيا بنفسه تحت عجلات القطار بينما الركاب ينظرون فى ظهيرة يوم 13 مايو من عام 2014، يقول شقيقه "لا أعرف لماذا فعلها؟" وتقول الحكايات "إن رودريجيز كان يغنى على المسرح عندما علم بموت "مالك" فبكى وقال "أبكى الرجل الذى أعادنى للحياة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة