كلما قادتك قدماك فى رحلة استجمام إلى البحر، فى بحيرة التمساح بمحافظة الإسماعيلية، يلفت انتباهك منظر صناع مراكب الصيد المتناثرون على ضفاف القنال، يأخذك مشهدهم وهم يجلسون متجاورين، يحملون أدواتهم من أخشاب ومسامير ومواد طلاء، يصنعون بها هياكل مراكب الصيد أو كما يحبذون قولها: "ركوبة البحر"، ويجاورهم صيادون ينتظرون ما يجود عليهم به البحر من أحشاءه.
هنا شمال مصر، حيث عزبة البهتينى، فى محافظة الإسماعيلية والتى تقع على بحيرة التمساح، والتى يعمل معظم قاطنيها بمهنة صناعة مراكب الصيد، تلك المهنة التى اعتمدوها لتصبح مصدر رزق لهم يجلبون بها قوت أيامهم.
هنا أيضًا ورش خالية على عروشها تشكو من ارتفاع تكاليف التصنيع، وصنايعة مهرة يحاربون من أجل بقاء المهنة والبعض الآخر يفكر فى تركها نهائيًا أو الاتجاه لصناعة الأخشاب، بعدما قل الطلب على صناعة المراكب، واقتربت المهنة إلى الاندثار.
وأثناء تجوالك تجد الحاج محمد الخولانى، والذى عمل طوال حياته نجارًا فى صناعة مراكب الصيد، وعمل أيضًا بجميع أنواع وأحجام المراكب.
وعن صناعة المركب يقول "الخولاني" إنها تحتاج من شهر إلى شهرين حسب حجمه، كما أنها تصنع من خشب التوت والسويد لأنها عالية التحمل، وعادة ما تحتاج ما بين 3 إلى 5 أمتار خشب وتكلفته قد تصل إلى 3000 جنيه، بينما الزبون هو من يقوم بشراء الدهان ومادة الفايبر العازلة التى توضع على المركب لحمايته.
أشار إلى أنه يقوم بعمل مادة الفايبر جلاس لمراكب الصيد بعد الانتهاء من تقفيل الخشب الخاص بالمركب، موضحًا أن هذه المادة هى عبارة عن مادة عازلة للمياه عن الخشب منعا من تآكله وهى مثل القماش يتم وضعها على المركب ويبلغ تكلفتها نحو أربعة آلاف جنيه.
وأشار "الخولاني" إلى أنه لم يتبق إلا 4 ورش فقط لصناعة "مراكب الصيد"، بمحافظة الإسماعيلية بسبب عزوف الصيادين عن شراء "فلوكة الصيد" أو اضطرار الصيادين لدفع مبلغ زهيد تحت مسمى "عربون" للشراء إلا أنه لا يستطيع توفير المبلغ الكافى لسداد باقى المبلغ.
وأضاف أن ارتفاع أسعار المراكب يأتى بسبب ارتفاع أسعار الخشب المستخدم فى المراكب حيث يصل سعر المتر الواحد إلى 2800 جنيه، وأيضًا ارتفاع أسعار خشب "السويد" المستخدم فى تجليد فلوكة الصيد من الخارج فضلًا عن ارتفاع أسعار الفايبر العازل الذى وصل سعر الصفيحة منه إلى 900 جنيه، مشيرًا إلى أن الكمية المطلوبة لطلاء المركب الواحد تصل إلى أكثر من 5 صفائح من الفايبر العازل.
وعن مراحل تصنيع مركب الصيد، قال "الخولاني" أنه يبدأ من "العود" أو العضم وهو الأساس لبناء الفلوكة، "الوسطي"، "البدن" ثم آلة المنتصف، ويتم تصنيع المركب بواسطة قوالب التصنيع كلًا حسب طول المركب المطلوب والتى تتراوح أطوالها بداية من 7 وحتى 17 متر وعلى أساسه يتم تحديد سعر تصنيع المركب.
وأضاف: "ثم تأتى المرحلة الثانية للتصنيع، مرحلة استكمال عضم المركب، ثم التجليد بالألواح الخشبية نوع خشب " السويد"، ثم المرحلة الأخيرة وهى الطلاء بمادة الفايبر العازلة، على أن تستكمل مراحل التصنيع خلال فترة من 45: 60 يوم فقط".
ويختتم الخولانى حديثه قائلًا: يتم صناعة مراكب الصيد من أنواع خشب "توت، سويد" والمتاح شرائها من داخل المحافظة ولكن بزيادة كبيرة فى أسعار أخشاب الأشجار كلَا حسب أهوائه الشخصية، وفى النهاية يصل سعر شراء مركب الصيد إلى 12 ألف جنيه، وهو ما رآه مبلغا زهيدًا بالمقارنة لما يتم صرفه على صناعته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة