مفهوم الاستعمار، وبشكل مبسط، هو سيطرة دولة ما، على شعب من الشعوب والتحكم فى مصيره ونهب ثرواته وخيراته، وهناك نوعان من الاستعمار، قديم عن طريق الاستيطان، وكان بطله على سبيل المثال، الفرس والروم والتتار والعثمانيين والحروب الصليبية، ثم الحركة الاستيطانية الكبرى فى بداية العصور الحديثة التى انطلقت من أوروبا، وسيطرت على كثير من الدول فى المنطقة العربية، وأفريقيا وآسيا.
والنوع الثانى، استعمار أعقب الثورة الصناعية فى أوروبا، وهو استعمار دول واعتبارها أسواقا لها لتصريف منتجاتها، وتحقيق أرباح كبرى.
وخلال العقود الأخيرة، دشن الخبراء الاستراتيجيون، وعتاولة الدبلوماسية والسياسة، مقولة أن الاستعمار التقليدى والكلاسيكى بمفهومه القديم من تحريك جيش لاحتلال دول، انتهى، وأن الاستعمار صار استعمار العقول، وتخريب الدول والسيطرة على مقدراتها بأيدى عدد من أبنائها الذين ارتضوا تأدية دور الخيانة..!!
والآن تطور الاستعمار وأصبح «كوكتيلا» تعددت أشكاله، فأصبح استعمار عقول، واستعمارا اقتصاديا، واستعمارا تقليديا عن طريق تحريك الجيوش للسيطرة على أراضى ومقدرات دولة ما، وما فعله الجيش التركى على سبيل المثال فى الشمال السورى يؤكد هذه الحقيقة.
لكن اللافت من خلال الأوضاع المتفجرة حاليا فى المنطقة، سواء ما يحدث فى الخليج، أو سوريا وليبيا والعراق واليمن ولبنان، يكشف بجلاء عودة الاستعمار القديم، ومحاولة إعادة الإمبراطوريات المنهارة، خاصة الفرس والعثمانيين، بثوب جديد، رافعين شعار إعادة إرث أجدادنا، أو ما يسمى جغرافيتنا القديمة.
بداية إحياء الإمبراطورية الفارسية كانت مع اندلاع ثورة آية الله الخمينى عام 1979 مع تغليفها بعباءة الدين، وبدأ التوسع والتدخل السافر فى شأن عدد من الدول مثل سوريا ولبنان واليمن والعراق، بجانب التحرش بدول الخليج..!!
وكشفت إيران عن وجهها الحقيقى الساعى لإحياء الامبراطورية الفارسية عندما نقلت تصدير ثورتها الشيعية عبر الأفكار والتدخل السياسى، إلى إرسال الجيوش على الأرض فى لبنان، وتأسيس كيان مسلح «حزب الله» يدين بالولاء الكامل لطهران، وينفذ سياستها ومخططاتها، وكأنه قاعدة عسكرية كبرى فى الجنوب اللبنانى، تتحكم فيه «طهران»، وفى سوريا يتواجد الحرس الثورى ذاته على الأرض، بينما تتواجد فى اليمن تحت مسمى «الحوثيين» وفى العراق تحت مسمى «الحشد الشعبى» وتمارس هذه الميلشيات العسكرية المسلحة، جرائم قتل الشعوب، وتحاول أن تتحكم فى مطبخ صنع القرار، وتوجيه إرادته، لتكون جزءا من إرث إمبراطورتيهم القديمة «الفرس».
نفس السيناريو تطبقه تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان وحزبه الإخوانى، لإحياء الإمبراطورية العثمانية، متدثرة أيضا بالعباءة الدينية، وإحياء مشروع الخلافة الإسلامية، ووظف أردوغان وحزبه الإخوانى، ما يسمى ثورات الربيع العربى لتحقيق أهدافه، لذلك دافع بقوة عن هذه الثورات المضللة للوعى العربى، والمدشنة للفوضى وإسقاط الدول فى وحل الفوضى.
واتخذ «أردوغان» من جماعات وتنظيمات متطرفة مطية لتنفيذ مخططاته، مثل جماعة الإخوان وداعش والقاعدة وجبهة النصرة، ونشرهم فى سوريا ومصر وليبيا، وهو نفس السيناريو الذى تطبقه إيران بالكربون، مع الاختلاف البسيط أن أردوغان قرر بناء قصر فخم وأعد حرسا يمارس نفس الطقوس العثمانية القديمة فى كل شىء، لكن جاءت 30 يونيو 2013 لتقضى على الحلم.
أردوغان لم ييأس، واعتبر ثورة 30 يونيو مجرد مطب صناعى خطير أوقف المشروع، ولكن لم يقتل الحلم والفكرة، واستمر فى مخططاته الشرسة لإسقاط سوريا وليبيا ومصر، فاحتضن كل التنظيمات الإرهابية، وتولى عملية الدعم والإنفاق عليها وإنشاء منابر وأبواق مضللة تتحدث بلسانهم لإشاعة البلبلة والتشكيك وقلب الحقائق فى مصر والسعودية والإمارات وسوريا وليبيا..!!
ثم نقل مخططه السياسى النظرى، إلى تحريك الجيوش على الأرض، فاحتل الشمال السورى، وإيجاد موطن قدم فى ليبيا من خلال دعم التنظيمات الإرهابية بالمال والسلاح، وعقد اتفاقيات باطلة ليس لها أى أساس قانونى أو شرعى، مع فايز السراج، وعند نجاح أردوغان من تشديد قبضته على سوريا وليبيا، فإن الدور القادم سيكون على مصر، الغنيمة الكبرى..!!
عودة الاستعمار القديم، والكلاسيكى، ومحاولة بث الحياة للإمبراطوريات القديمة، وبالتحديد الفرس والعثمانيين، يغير من المفاهيم كثيرا، ويتطلب من الشعوب أن ترفع منسوب اليقظة والوعى، وعدم ابتلاع طعم الشعارات الوهمية التى يتبناها حاليا «لصوص وهلافيت» هاربة للخارج هروب الفئران..!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة