- الشركات العقارية الكبرى يجب أن تقدم خطط تسويق ضخمة للبيع بهوامش ربح منخفضة لاستعادة نشاط السوق ووقف الخسائر
- الاستثمار فى العقار للمواطن لن يحقق مكاسب على المدى القصير والمتوسط ارتباطا بتراجع الدولار وكثرة المعروض
- المشروعات الصغيرة والمتوسطة حل سحرى لكل من يبحث عن الاستثمار الجيد.. والتجربة المصرية ملهمة وستنافس النموذج الهندى
مازال الحديث عن الأسعار والدولار وسلة العملات الأجنبية ثريا، فى ظل تساؤلات مستمرة من القارئ حول الاستثمار الآمن فى الوقت الراهن، وكيف يدير مدخراته بصورة تنعكس بشكل أفضل على مستوى جودة حياته، فلم يعد الدولار ملاذا آمنا للبعض كما كان من قبل، بل بات محفوفا بمخاطر عديدة مرتبطة بخسائره اليومية أمام الجنيه، وعدم قدرته على تصحيح مساره خلال الـ 11 شهرا الماضية.
الاستثمار فى العقار مازال يسيطر على عقول الكثير من المصريين كأحد الخيارات التقليدية الآمنة، الذى يشتريه البعض بمنطق " لا يأكل ولا يشرب ويزيد سعره" إلا أن هذه النظرة تجاوزها الزمن وباتت غير حقيقية، فى ظل حالة الركود التى يشهدها السوق العقارى، ارتباطا بالصدمة التى حدثت بمستوى الأسعار عقب تعويم الجنيه المصرى.
وحدات سكنية
لنفهم أكثر كيف أصاب الركود السوق العقارى علينا أن ندرس ماحدث جيدا لهذا خلال الـ 3 سنوات الماضية منذ تعويم الجنيه، فهناك فئة، سواء شركات أو أفراد حققوا مكاسب كبيرة، وهم من حازوا العقار قبل التعويم، فقد تضاعفت أسعار عقاراتهم بين عشية وضحاها، وفئة أخرى لم تتمكن من الشراء أو البناء قبل التعويم، وهؤلاء يحتاجون إلى ضعف المبالغ المالية المتاحة لديهم ليتمكنوا من شراء نفس العقار قبل التعويم إن كانوا أفرادا، أو يحوزوا الأرض والمرافق وتكلفة البناء بالنسبة للشركات العقارية.
أبراج العلمين الجديدة
إلا أن هناك فئة ثالثة بدأت الشراء أو التأسيس بعد استقرار السوق، وثبات سعر الجنيه أمام الدولار لفترة استمرت نحو عامين، تبعها ارتفاع فى أسعار الحديد ومواد البناء، الأمر الذى ترتب عليه ارتفاع التكلفة الفعلية للوحدات العقارية وبالتالى سعر الشراء، وهذه الفئة فى أزمة كبيرة خلال الوقت الراهن، خاصة مع تراجع أسعار الحديد ومواد البناء بنسبة حوالى 25% خلال العام 2019، وتوقعات بمزيد من الانخفاض اتساقا مع انخفاض سعر الدولار والعملات الأجنبية أمام الجنيه المصرى.
الشركة العقارية أو الأفراد الذين بدأوا البناء الآن ستكون تكلفتهم الفعلية أقل الربع تقريبا من الشركات التى أتمت البناء على مدار العامين السابقين، بما يجعل هناك قوى داخل السوق يمكنها البيع بأسعار مناسبة إلى حد كبير، وقوى أخرى لا يمكنها ذلك نتيجة إنفاقها المرتفع فى الخامات ومكونات صناعة العقار، لتكون النتيجة أن تتمسك هذه الفئة عند مستويات الأسعار المعلنة سابقا أو تضطر إلى خفض الأسعار استجابة لنظرية العرض والطلب.
وحدات تحت الإنشاء
الواقع الفعلى يقول أن الجميع لا ينظر إلى نظرية "العرض والطلب" فى السوق العقارى كما يجب، فمن تعاملوا مع العقار بعد التعويم مباشرة، أو بمرحلة ثبات سعر الدولار أو خلال العام الماضى يطلبون نفس الأسعار تقريبا، فلم يلجأ اللاحقون على التعويم إلى عروض ترويجية وتسويقية تمكنهم من زيادة المبيعات وتحريك السوق إلى الأمام، ولم تتحرك الفئة التى أسست العقار فى فترة تراجع الدولار وأسعار مواد البناء نحو خفض الأسعار والبيع بمكاسب عادلة، فكانت النتيجة حالة من الركود فى السوق، لا بيع لا شراء، ثبات فى أسعار هذا القطاع قد تصل مدته من 5 إلى 10 سنوات، بما يجعله استثمار غير آمن فى هذه المرحلة، ولن يحقق العقار أى مكاسب جديدة فى ظل المعطيات الموجودة فى هذا السوق خلال الوقت الراهن وحجم المعروض، بالإضافة إلى وعى المستهلك، وإدراكه لارتفاع قيمة الجنيه.
العاصمة الإدارية الجديدة
الركود فى السوق العقارى يحتاج إلى حلول سريعة وعاجلة، وقد تدخل البنك المركزى مؤخرا بمبادرة لدعم هذا القطاع بقيمة 50 مليار جنيه، تستهدف توفير الوحدات السكنية للشباب والأسر متوسطة الدخل، وحدد الثمن الأقصى للوحدة بـ 2.25 مليون جنيه، بنسبة فائدة 10% متناقصة على 20 عاما كحد أقصى، بهدف إنعاش السوقالعقارى وتنشيط حركة المبيعات مرة أخرى، إلا أن هذه المبادرة يجب أن يكون لها طرف آخر وهم المطورين العقاريين وأصحاب الشركات العقارية الكبرى، فعليهم المبادرة لطرح وحدات سكنية مناسبة مع متوسطات الأسعار التى أعلنها البك المركزى، وتحقق هامش ربح بسيط لتجاوز الأزمة التى يشهدها القطاع فى الوقت الراهن، بما يدعم قدرته على التعافى واستعادة قوته مرة أخرى كأحد الأشكال الاستثمارية التى يلجأ إليها المصريون.
البنك المركز المصرى
يجب على كل من هم داخل السوق العقارى من شركات ومؤسسات كبرى، بالإضافة إلى وزارة الإسكان كأهم مستثمر فى هذا القطاع أن تبدأ مبادرة عاجلة للتسويق فى القطاع العقارى وطرح أسعار عادلة تتناسب مع دخول المواطنين، وتحفزهم مرة أخرى على الدخول فى هذا القطاع بقوة، فليس من مصلحة أحد أن يتجمد نشاط هذا السوق أو يدخل فى حالة مرضية مميته لسنوات.
الركود فى القطاع العقارى، الذى نجد أن ترجمته زيادة المعروض مع ضعف القدرة الشرائية وانخفاض الطلب، سيقود بالضرورة إلى خروج العديد من الشركات الصغيرة، التى لن تتحمل المنافسة، بالإضافة إلى الخسائر المتوقعة وحجم الديون المنتظر، خاصة أن المستهلك المصرى على وضع الانتظار "الوايتنج"، يحتاج فقط إلى الفرصة المناسبة والعرض الجيد حتى يتخذ القرار الشرائى المناسب، فى حين أن الشركات العقارية مازالت لا تدرك هذه المعادلة، فبين الحين والآخر نسمع عن الوحدات السكنية الجديدة التى طرحتها الشركة الفلانية بسعر 30 ألف جنيه للمتر، فى مناطق جديدة "صحراوية" ستحتاج إلى سنوات حتى تستقر فيها الخدمات، وتصبح مناسبة للاستثمار أو السكن، فقد يصل المبلغ الإجمالى المطلوب فى هذه الوحدة ثمن أخرى مماثلة أو أفضل بالقرب من شواطئ المحيط الأطلنطى فى فرنسا أو إسبانيا أو البرتغال أو المغرب الشقيق.
وحدات سياحية فى إسبانيا
كان لآبد أن أقدم لك كل هذه السطور السابقة، وأشرح الوضع فى القطاع العقارى كنموذج عملى لأشكال الاستثمار الآمن التى يلجأ إليها المواطن، قبل أن أقدم النصيحة بأهم القطاعات التى يمكن للمواطن العادى الاستثمار فيها خلال الوقت الراهن، وستكون الإجابة مختلفة إلى حد كبير عندما أؤكد أن الاستثمار الآمن فى الوقت الراهن هو " الجنيه المصرى".. نعم الجنيه، الذى يقدم أداءً احترافيا بين عملات العالم، وتحرك للمركز الثانى كأفضل العملات فى العالم وفقا لدراسة بلومبيرج عن العملات الأنشط أداءً خلال النصف الأول من 2019.
الجنيه المصرى
ولكن كيف نستثمر فى الجنيه المصرى ؟ هل نضع أموالنا بالبنوك من خلال أوعية ادخارية ثابتة العائد، المعروفة لدى المواطن بالشهادة الاستثمارية على مختلف فئاتها؟ وإن كانت هذه طريقة مغرية للبعض، ويعتمد عليها الكثيرون، إلا أنها ليست مثالية، فأهم سلبياتها أنها تعطل دورة العمل وتدفع نحو التكاسل وتتعارض مع فكرة السعى والإنتاج والعمل، الأمر الآخر أنها لن تستمر طويلا مع تعافى الاقتصاد وزيادة معدلات النمو وتقلص التضخم، فسيدفع ذلك نحو المزيد من التخفيض لأسعار الفائدة.
الحل من وجهة نظرى فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التى تزيد الإنتاج وتخلق فرص عمل، ولا تحتاج إلى رأس مال ضخم، وتدعم قوة الجنيه، وتشجع على زيادة الصادرات، وتوفر احتياجات المجتمع المحلى كبديل جيد عن المنتج المستورد، لتكون أيضا موفرة للعملة الصعبة، وإن كانت كل هذه المزايا لن يفكر فيها صاحب المشروع أو الفكرة بشكل مباشر، إلا أنه سيحقق أرباحا لن تقل بأى حال عن 40% من إجمالى رأس المال.
مشروعات صغيرة
تجربة مصر مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ليست وليدة اليوم، لكنها ممتدة وفاعلة منذ سنوات طويلة، فقد أنشأت الحكومة الصندوق الاجتماعى للتنمية منذ عام 1991، كشبكة أمان اجتماعى واقتصادى تسهم فى محاربة البطالة والتخفيف من حدة الفقر وتعمل على تحسين مستويات المعيشة والإسراع في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، من خلال توفير قروض للمشروعات بمعدلات فائدة محدودة تدعم الإنتاج وتحسن دخل الأسرة المصرية فى مشروعات معدة مسبقا مع دراسات جدوى محققة، وخطوات معتمدة، وإجراءات واضحة ومعلنة، وقد تم تطوير هذه التجربة والتوسع فيها من خلال إصدار قرار بإنشاء جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر فى عام 2017، بهدف تطوير التجربة وإعطاءها المزيد من الدعم والاهتمام فى ظل رؤية حقيقية للاعتماد على المشروعات الصغيرة فى دعم مؤشرات الاقتصاد وزيادة معدلات النمو.
نيفين جامع رئيس جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة
تجربة الاستثمار فى الجنيه المصرى من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة هى الحل الأمثل لكل شاب يبحث عن فرصة عمل، أو كل أسرة تسعى لزيادة الدخل وتحسين جودة الحياة، خاصة أن الأجواء مناسبة والدولة تفتح ذراعيها لهذا النوع من الاستثمار، الذى أثبتت التجارب الدولية على قدرته فى النهوض باقتصاديات الدول، ولنا عبرة فى النموذج الهندى، الذى يعتمد فى 50% من اقتصاده على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها الأكثر قدرة على محاربة الفقر، وتقليل الاستيراد والاعتماد على الذات، وهذا ما تحتاجه التجربة المصرية الآن.
عدد الردود 0
بواسطة:
mo
كلام منطقى جدا
كلام منطقى تحيه لحضرتك استاذ محمد أحمد طنطاوى